دور الانضباط في انتصـار البعث

 

منذ ظهرت فكرة انشاء حزب سياسي ولدت معها وبسببها فكرة الانضباط الحزبي، فلا حزب حقيقيا بلا انضباط اعضائه ، والانضباط تحديدا هو التقيد بفكر الحزب وخطته واساليب عمله ومواقفه السياسية ، وهذا يشمل حتى اكثر الاحزاب ليبرالية، فعندما تتناقض اراء اعضاء الحزب الواحد في العلن فانه يفقد قوته وتتدهور قدرته على التأثير مهما كان قويا .

هذه ابرز بديهيات العمل الحزبي قديما وحديثا ومستقبلا وبدونها لا يوجد حزب حقيقي . وهناك بديهية اخرى مرتبطة بالبديهية الاولى ومشتقة منها وهي ان الانضباط يصبح اكثر ضرورة كلما زادت التحديات والمخاطر التي يواجهها الحزب ، او تولى مهمة تاريخية صعبة تتمثل في تغيير شامل وجذري للدولة والمجتمع وتربية الناس ، كما هي حال البعث ، وعندها تتفق كل القوى المستفيدة من الواقع الفاسد المراد تغييره على دحر الحزب الثوري, ولذلك يصبح الانضباط الحزبي اقرب لانضباط الجيش في حالة الحرب .

بأي طريقة تنطبق تلك البديهيات على حزب البعث العربي الاشتراكي ؟

اول ما يجب لفت النظر اليه حقيقة يعرفها العالم كله, وهي ان هناك سياسية توجت بقانون اسمها اجتثاث البعث وقوانين متعددة صدرت لتطبيقها منها ( قانون اجتثاث البعث ) و ( قانون المساءلة والعدالة ) واخيرا ( قانون حظر البعث ) ، وبسبب هذه السياسة وتلك القوانين تم قتل اكثر من 160 الف بعثي منذ الغزو وحتى عام 2014 والرقم الان اكبر ، كما تم حرمان اكثر من خمسة ملايين عراقي من الوظيفة تطبيقا لتلك السياسة ، وهجّر ملايين العراقيين من العراق بسببها ايضا ، ومنع كل من يحمل فكر البعث او كان بعثيا من العمل السياسي ، وزج في السجون بمئات الالاف من البعثيين .

بأختصار صار الانتماء للبعث يعني الموت الحتمي والتعذيب والعزل والتجويع .

خطورة هذه السياسية لا تقتصر على انها متبناة من قبل حكومة تابعة للاحتلال في العراق, بل لانها ما زالت تطبق من قبل من وضعها اصلا وهو امريكا التي غزت العراق بدعم دول اقليمية، وهناك انظمة عربية كثيرة تطبق هذه السياسية خصوصا في وجهها الاكثر قبحا وهو شيطنة البعث اعلاميا ، فلئن كان النظام في العراق يلجأ للقتل والابادة والاعتقال للبعثيين فان الاطراف الدولية والعربية والاقليمية تمارس سياسة شيطنة البعث, اي تشويه صورته عبر الاعلام وكافة وسائل الاتصال من انترنيت وغيره, وتقوم بتلفيق الاكاذيب ضد البعث وقيادته وعقيدته .

والسؤال المنطقي الذي لا بد من طرحه هو : هل واجه اي حزب سياسي عراقي او عربي او دولي هذه السياسة التصفوية الشاملة ؟

الجواب كلا, فحتى الاحزاب الشيوعية التي كانت تشكل العدو الاول للغرب اصبحت مجازة وتعمل الان رغم انها فقدت اغلب قوتها.

فما الذي يترتب على هذه الملاحظات ؟

1- اول ما يترتب عليها هو احتمية زيادة تماسك الحزب من خلال تعزيز الانضباط الحزبي, فلكي تستطيع دحر او على الاقل تقليل تأثيرات هذه الحملات غير المسبوقة بقوة تأثيرها عليك ان تعزز وعيك وتوحد رأيك امام الاعداء والاصدقاء معا ، فمن دون وحدة الموقف ووحدة الاطروحات لن يستطيع الحزب مواصلة تقدمة وتوسعه وعزل اعدائه, وربما يتعرض لكوارث اكبر ، وهذا هو احد اهم اسرار بقاء البعث في العراق رغم كل ما اصابه من كوارث بشرية هائلة واضطهاد وتجويع وتهجير وعزل وظيفي … الخ .

البعثيون مقتنعون خصوصا بعد الغزو بان الطريق الوحيد المفضي الى انتصار حزبهم على الاعداء, يتمثل بالانضباط الحزبي والمركزية الحزبية وتجنب الفردية واضعاف الانضباط بقيام افراد بطرح اراء خاصة خارج الحزب ومناقضة لموقفه او بعدم تنفيذ تعليمات الحزب والتقيد بمواقفه.

2- والانضباط الحزبي يتجلى اولا وقبل كل شيء في تنفيذ خطط واومر قيادة الحزب بلا ابطاء او تردد لان القيادة عندما تصدر امرا او توجيها فانها تتصرف وفقا للخطة المركزية لحسم الصراع, وقد لا يرى الفرد العادي الاهداف الحقيقية المتوخاة من الاوامر والتوجيهات بوضوح وهذا امر طبيعي لان بعض الاهداف او الوسائل لا يمكن الكشف عنها في معركة شرسة تتطلب السرية المطلقة خصوصا في بيئة عدائية وخطرة مثل البيئة التي يعمل البعث بها . ومن هنا فان عدم وضوح الهدف من التوجية او الامر الحزبي احيانا يوجب التنفيذ دون الاصرار على معرفة كل شيء . وعدم تنفيذ اوامر الحزب يسبب حالة ضعف تكون احيانا خطيرة ولهذا فان من بين اهم معايير سلامة الموقف الحزبي للعضو تنفيذه غير المشروط لما يصدر له من قيادته.

3- قد يختلف الرفاق في الحزب حول قضية ما وهذا امر طبيعي ، ولكن عندما يتخذ مركز الحزب قرارا واضحا فعلى الجميع الالتزام به دون ابطاء ، تطبيقا للمبدأ الاساس في الاحزاب الرسالية ( نفذ ثم ناقش ) ، لان وجود موقفين تجاه قضية واحدة امر يفتت قدرات الحزب ويعرضه لمخاطر فقدان فرص مواصلة التفوق النضالي او توجيه ضربات لعدو او اعداء لا بد من ضربهم في وقت محدد وبطريقة دقيقة, وعندما يتاخر التنفيذ ربما تضيع الفرصة او تضعف .

4- البعث حزب قومي التنظيم وهو ما يميزه عن باقي الاحزاب, ولهذا يعتمد قاعدة اساسية وهي الدمج العضوي الخلاق بين ما هو قطري وما هو قومي ، نظرا لوجود تباينات في بيئة الاقطار العربية من حيث مستوى الثقافة والاقتصاد والخلفيات التاريخية الخاصة والتي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار عند تقرير خطط الحزب او ستراتيجيته القومية العامة .

البعث حزب واحد وليس تجمعا لاحزاب تجمعها العقيدة فقط وتفرقها الامور الاخرى فتصبح رابطتها كونفدرالية او فدرالية ، ولا هو رابطة مثل الجامعة العربية تشد دولا في اطار عمل مشترك, ولكي يتجاوز هذا الحزب التباينات الاجتماعية والبيئة التقسيمية فانه اعتمد على التنظيم القومي كمظلة تتربع فوق التنظيمات القطرية بعد عملية انتخابية دورية ، وفي هذا التركيب الهرمي فان القيادة القومية تمثل الاقطار العربية كافة, وتلتزم بستراتيجية قومية مقرة في مؤتمر قومي منتخب تحدد فيها الاولويات المرحلية بدقة ، ولهذا فهي قيادة عضوية واحدة وتخضع لها القيادات القطرية وتنفذ اوامرها وستراتيجيتها .

5- اما عدم تنفيذ اوامر الحزب فانه موقف اقل ما يوصف به انه تمرد على الكيان الحزبي العام, حيث تزداد خطورة عدم تنفيذ الاوامر عندما ينفذ نفس الشخص توجيهات منظمات اخرى يرتبط بها ويدافع عنها رغم انها تحولت واصبحت معادية للبعث ، هنا نواجه السقوط بكامل اركانه وشروطه .

يقول الرفيق الامين العام المناضل عزة ابراهيم في رسالة وجهها مؤخرا لمناضلي البعث : ( ان الاحزاب والحركات الثورية التاريخية الرسالية لا يوجد ولا يسمح بوجود اجنحة وتيارات ومحاور وتكتلات داخلها, بل محرمٌ وجود هذه الظواهر تحريما مطلقا, وذلك لأن في حزبنا كحركة تاريخية رسالية يخضع فيه رأي الاقلية لرأي الاغلبية اي يذوب في رأي الاغلبية, ويخضع رأي القيادة الدنيا الى رأي القيادة العليا اي يذوب في رأي القيادة العليا, وعلى الجميع وفق هذه المبادئ والقواعد التنفيذ الفوري للاوامر والقرارات التي تصدر عن الاغلبية وعن القيادات العليا, ثم يناقش من يريد النقاش من اهل الرأي المختلف ما يشاء بعد ذلك ) .

التساقط او السقوط من مسيرة البعث ظاهرة صحية تنقي الحزب من الشوائب او الانحرافات . ويقول الرفيق الامين العام : ( فلا تتطيروا ممن يتساقط وينسلخ عن الحزب ومسيرته, بل عليكم بعد استنفاد كل الوسائل المشروعة وفق عقيدة الحزب ومبادئه ونظامه للحفاظ على رفاق البعث, ان تفرحوا بعملية التنظيف والتنقية والتطهير لحزبنا وخاصة في هذه المرحلة المواتية للتطهير ) .

ما قاله الرفيق الامين العام صحيح في كل ظرف, خصوصا في هذا الظرف البالغ الخطورة, لان معركة حزبنا الحالية هي الاخطر في كل تاريخه وفي تاريخ الامة العربية وهي معركة الوجود العربي كله، فما يجري حولنا وما فقدناه من شهداء وما تعرضنا له من تأمر خطير احد اشكاله غزو العراق واسقاط النظام الوطني يؤكد ذلك, وهو دليل حاسم على اننا نمر بمرحلة لا يمكن فيها قبول الميوعة الحزبية وعدم الانضباط الكامل.

ان الانضباط الحزبي في مرحلتنا الخطيرة هذه اهم مميزات البعثي, ومن لا يلتزم ليس بعثيا فاذا لم يكن يلتزم بخط الحزب ومواقفه في مرحلة نعرف جميعا انها الاخطر, فمتى سيلتزم اذن ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى