اليوم ذكرى وعد بلفور حيث اعطى من لا يملك حقا لمن لا يستحق

في مثل هذا اليوم منذ99 سنة, اعطى من لا يملك حقا لمن لا يستحق, فتعهدت الحكومة البريطانية للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وذلك عبر رسالة أصدرها وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور في الثاني من تشرين ثاني 1917، موجهة للمليونير البريطاني اليهودي ليونيل والتر روتشيلد.

وقد تضمّنت رسالة بلفور آنذاك تعاطفا مع أماني الحركة الصهيونية في إقامة وطن قومي لليهود، اختارت بريطانيا أن يكون هذا على حساب أرض فلسطين التاريخية التي كانت الواقعة تحت الانتداب البريطاني، فيما بات يعرف بـ “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”.

وجسدت بريطانيا من خلال انتدابها لفلسطين 1922 – 1948 الانحياز الكامل لجانب الحركة الصهيونية، وسرعان ما تمكنت تلك الحركة من أن تشكل دولة داخل الدولة، ومع حلول العام 1939 لم يبق أمام هذه الدولة سوى التجسيد السياسي، بعدما استحوذت على المشاريع الكبرى، ونقلت رؤوس الأموال اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، وقامت بإنشاء عصابات مسلحة، وبذلك لم يكن تصريح بلفور تصريحا عابرًا، بقدر ما كان وعدًا حقيقيا من بريطانيا للحركة الصهيونية، تمكن التحالف ما بين بريطانيا والحركة الصهيونية من تجسيده ميدانيًا.

وكان نتاج هذا الوعد البريطاني إعلان قيام ما يسمى “دولة إسرائيل” في الخامس عشر من أيار عام 1948، على حساب شعب فلسطين وأرضه، حيث قامت العصابات الصهيونية بارتكاب عشرات المجازر والفظائع وعمليات التطهير العرقي والنهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من خمسمائة قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية، بهدف إبادتها ودب الذعر في سكان المناطق المجاورة، لتسهيل تهجير سكانها لاحقا، كما قامت بطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب.

وقد فنّد مختصون في القانون الدولي هذا الوعد المشؤوم، وأكدوا بطلانه لأسباب عدة أهمها:

– الوعد صدر في العام 1917، أي في وقت لم يمكن لبريطانيا فيه أية صلة قانونية بفلسطين.

– احتلال بريطانيا لفلسطين حدث بعد صدور الوعد، ولأن قانون الاحتلال الحربي لا يجيز لدولة الاحتلال التصرف بالأراضي المحتلة، ولأن الحكومة البريطانية أعلنت في مناسبات كثيرة أن الهدف من احتلالها هو تحرير فلسطين من السيطرة العثمانية وإقامة حكومة وطنية فيها.

– الوعد أعطى فلسطين لمجموعة من الناس لا تملك أية صفة أو حق في تسلمها أو استيطانها أو احتلالها.

– الوعد ليس اتفاقية أو معاهدة بين دول أو كيانات دولية ذات سيادة، فاللورد بلفور مسؤول بريطاني، ولكنه لا يملك حق التعاقد باسم دولته، واللورد روتشيلد مواطن بريطاني صهيوني، ولكنه لا يمثل الطائفة اليهودية المنتشرة في العالم، والطائفة اليهودية لم يكن لها شخصية قانونية دولية.

– الوعد أضر بالحقوق التاريخية والقومية المكتسبة لسكان فلسطين، فهؤلاء السكان موجودون في فلسطين منذ آلاف السنين، وقد اعترفت لهم الدول الحليفة والمنتصرة في الحرب العالمية الأولى بحق تقرير المصير وحق اختيار النظام السياسي والاجتماعي الذي يلائمهم.

– الوعد يتناقض مع بعض المواد الواردة في ميثاق عصبة الأمم أو صك الانتداب، فهو مثلا يتناقض مع المادة العشرين من الميثاق، وكان على بريطانيا أن تلتزم بهذا النص وتلغي التزامها بوعد بلفور، ولكنها لم تفعل، بل عمدت إلى تهيئة كل الظروف لدعم الحركة الصهيونية وإنشاء الكيان الإسرائيلي.

– الوعد يتناقض كذلك مع المادة الخامسة من صك الانتداب التي تلزم الدولة المنتدبة بحماية فلسطين من فقدان أي جزء من أراضيها أو من تأجيرها، ولكن بريطانيا، بحصر اهتمامها بيهود فلسطين وتشجيع الهجرة وتدريب العناصر الصهيونية، أخلت بالمادة المذكورة وساعدت فئة من الغرباء أو الدخلاء على الاستيلاء على قسم من فلسطين وتشريد سكانها الأصليين.

ويؤكد القانونيون أنه مما تقدم؛ فإن عصبة الأمم خرقت ميثاقها عندما سمحت بإدخال وعد بلفور في صك الانتداب، وعندما تغاضت عن التصرفات البريطانية التي أخلت بالمبادئ الدولية وأساءت إلى رسالة الانتداب “الحضارية المقدسة”، فشجعت بذلك المنظمة العالمية التي خلفتها على اتخاذ قرار جائر بالتقسيم.

الثابت أن الفلسطينيين الذين فقدوا وطنهم إثر “وعد بلفور”، لم يكفوا لحظة منذ 99 سنة على رفض الوجود الصهيوني على أرضهم ومقاومته، ورغم أن “إسرائيل” استطاعت أن تنشئ دولتها على أرض فلسطين، إلا أن الشعب الفلسطيني يعرف ويملك أرضه رغم احتلالها، فالجيل الثالث بعد النكبة المهجر في مخيمات داخل وخارج فلسطين يُعرف نفسه باسم القرى التي هدمتها العصابات الصهيونية، مؤمناً أن العقود الماضية هي مجرد معركة ستنتهي، وستعود الأرض ويسقط الوعد.

وفيما يلي نص “وعد بلفور”:

عزيزي اللورد روتشيلد

يسعدني كثيراً أن أنهي إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي تعاطفاً مع أماني اليهود الصهيونيين التي قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء.

إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم أي أمر من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين أو بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى.

أنني أكون مديناً لكم بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني.

المخلص

آرثر بلفور

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى