حوار ساخن مع كوفي عنان

أواخر كانون ثاني 1998 جمعني عشاءٌ لمجلس العلاقات الخارجية بسكرتير عام الأمم المتحدة كوفي عنان … كانت طاولتي قريبة منه , وقبل الجلوس سألته عن إمكانية حديث جانبي لدقائق عشر بعد كلمته في العشاء , فوافق .. والسبب انني حدثته عن العراق من زاوية جهد الإغاثة الذي كان للجمعية الطبية العربية الأمريكية أيامها – كنت سنتها رئيسها – بعض مساهمة فيه , وهو حينها كان موشكاً على زيارته , في محاولة تنفيس للاحتقان الأمريكي بسبب مفتشي الأسلحة.

وفعلاً ما إن انتهى الكرنفال إلا ومرافقه يصحبني الى غرفة جانبية سرعان ما دلف اليها الرجل وقرينته السويدية , وسرعان ما دلفنا الى حديث بدأ رائقاً ثم احتدم … وللأمانة فلم أجده يعترض عندما قلت له ان حصار العراق – مسبوقاً بضربه – سيفرز أشكالاً من ردود الأفعال غير تقليدية , وكفيلة ان توصل مجتمعاتها – فضلاً عن مجتمعات الغرب – الى حافة الذهان (لم أكن من هذا الرأي فقط من أيامها , بل منذ ما بعد اتفاق صفوان ببرهة – وعلى ذلك شهود) بل ووافق على ان الحصار الشامل يأخذ المجتمع بجريرة الحاكم , وأن موضوع المفتشين طال وعسعس .. لكنه هنا رمى بمعظم المسؤولية على نظام بغداد وأيضاً على شهادات عراقيين معارضين “لا يمكنه تجاهلها”.

عند هذه النقطة بالذات ارتفعت حرارة الحوار بقولي ان العذر غير مقنع مع وجود أجهزة استخبارات عملاقة في الغرب تستطيع فصل القمح عن الزؤان .. رد قائلاً : طيب , وماذا وبعض مفتشينا يؤكدون الشكوك ؟ فقلت : الأسترالي والروسي وأحد, الأمريكيين ليسوا مهنيين شفافين ,,, هنا غضب محاججاً أنْ ليس من سواه يستطيع الجزم بذلك من عدمه … وفجأة تدخلت قرينته السويدية – والدها من منقذي اليهود من النازيين – لتقول له : كوفي .. كثير مما قاله الدكتور معقول ويفيدك في تعاملك مع “البطاطا الساخنة” التي هي العراق , سواء في زيارتك أم إثرها  .. نظر إليَّ نظرة من عانى من بروتوس قائلاً : إمضِ في الإغاثة وأنا سأفعل كل ممكنٍٍ لمنع مزيد من العنف في العراق أولاً , ثم لتقصير عمر الحصار ثانياً .

ولنذكر انه استطاع وقتها فعلاً تأجيل “عاصفة الصحراء” شهوراً عشر , لكنه لم يستطع التأثير شعرةً واحدة في إصرار كلنتون على ارتكاب جريمة العصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى