المبادرة الوطنية الأردنية توضح.. لماذا قبلت الإدارة الأمريكية بالهدنة؟

الموقف من اتفاق الهدنة الروسي الأمريكي حول سوريا محيّر إلى حد كبير، لدى الكثير من المتابعين، والأغلبية العظمى لا تعتقد بإمكانية استمرار هذه الهدنة، لماذا؟

أولاً : بسبب تجارب كثيرة سابقة مع الولايات المتحدة: ومؤخراً هدنة حلب (شباط وتموز) التي مكنّت قوى الإرهاب من إعادة ترتيب صفوفها ، بعدما لحق بها من هزيمة ماحقة، على يد قوات الجيش العربي السوري والحلفاء . والدعم الأمريكي، المستتر والمكشوف، متعدد الأوجه لقوى الإرهاب، وبشكل مباشر وغير مباشر، بما ينسجم مع مصالحها.

ثانياً : تاريخ طويل من ممارسات عدوانية أمريكية مستمرة ضد كثير من شعوب الأرض، وإثارة الغرائز البدائية عند شعوب المنطقة، الطائفية والمذهبية والإثنية والعشائرية والقبلية. حيث تم خلق أكاذيب – مبررات للعدوان واحتلال دول، أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، والتي أدت إلى تدمير العراق، أعرق دولة وأعرق مجتمع، أكذوبة حقوق الإنسان والحرية لتدمير ليبيا، وبحجة دعم الشرعية تم تدمير اليمن، على يد أتباعها السعودية ودول عربية أخرى، وغزو البحرين من قبل مجلس التعاون الخليجي بحجة الحماية المذهبية، وبحجة محاربة الفساد: دعم انقلاب على الرئيس الأوكراني المنتخب، ودعم الانقلاب ” الدستوري” على رئيسة البرازيل، ومحاولة الانقلاب في فنزويلا…الخ.

سؤال  مركزي  ملح : ” ما سر موافقة الإدارة الأمريكية على هذه الهدنة بعد ممانعة طويلة ” هو سؤال محق، فخسائر أمريكا مالياً وبشرياً في هذه الحرب محدودة جداً، وتكاد لا تذكر، ولا يمكن قبوله كمبرر لهذه الموافقة الأمريكية، فدول الخليج تتكفل بالجانب المالي، وقوى الإرهاب التابعة تؤمن المقاتلين ، قرابين على مذبح مصالح المركز الرأسمالي، وتركيا تؤمن الدعم اللوجستي للإرهاب، وتساهم وتشارك في بيع النفط المسروق والآثار المسروقة والمصانع المسروقة من سوريا والعراق، لصالح الإرهاب، في المقابل استنزاف كبير للجيش السوري والاقتصاد السوري والمجتمع السوري واستنزاف حلفاء سوريا ، المقاومة وإيران وروسيا. ألم تعلن الولايات المتحدة أن الحرب على الإرهاب في سوريا تحتاج إلى ثلاثين عاماً، فهل من جديد فرض هذا التحول؟.

يمكن الإجابة عن هذا السؤال انطلاقاً من المعطيات التالية:

  • هناك بوادر واضحة لهزيمة تلحق في قوى الإرهاب ، في مواقع كثيرة ، الأكثر وضوحاً :جبهة حلب وجبهة الجنوب وضواحي دمشق، وكما هي السياسة البرجماتية للولايات المتحدة- ممثلة المركز الرأسمالي العالمي – والتي تعني الانتقال فوراً من “الخطة أ إلى الخطة ب” بيسر وسهولة، لإنفاذ الأهداف ذاتها، أي بناء بدائل لهذا الإرهاب الموتور، وبناء شروط جديدة لضمان استمرار الحرب، حيث لم يعد في مقدور الإدارة الأمريكية التغطية على هذا الإرهاب الممتد خارج الضوابط.
  • انتهاء الوظيفة المحددة للإرهاب، وتحديداً داعش والنصرة، بالنسبة للولايات المتحدة، حيث أدى الإرهاب دوره، ضمن مشروع الفوضى الخلاقة، لهذا حان وقت التخلص منه، وتحديداً بعد قبولها أخيراً – الولايات المتحدة –  بتصنيف جبهة النصرة كمنظمة إرهابية، واشتراطها التمييز بين جبهة النصرة والقوى الإرهابية الأخرى، تحت عنوان القوى المعتدلة، مما يمهد، في  الوقت ذاته، الطريق أمام بناء أطر بديلة، تؤدي الدور الوظيفي ذاته، لصالح مصالح المركز الرأسمالي العالمي، وتمكنها من استمرار الحرب على سوريا والمنطقة بصورة جديدة.
  • بناء قوات كردية قادرة على لعب دور في محاربة الجيش السوري، خاصة وأن وهم بناء “دولة كردية” مستقلة قد تم تنميته لدى الأكراد من قبل الإدارة الأمريكية.
  • دخول القوات التركية شمال سوريا منفردة، علماً بأن تركيا كانت ترفض الطلب الأمريكي بدخول الشمال العراقي، وكانت تربط هذه الخطوة بدخول حلف الناتو معها. دخلت تركيا شمال سوريا بحجة محاربة الكرد وداعش، بقرار أمريكي أو برضى أمريكي، وعملت فوراً على إعادة إحياء ما يسمى جيش سوريا الحر، إطاراً بديلاً عن داعش والنصرة، ضمن مشروع البديل الأمريكي، وضمن مشروع حرب الثلاثين عاماً على الإرهاب، المعلنة من قبل إدارة أوباما.
  • تسخين الجبهة الجنوبية، وتدخل طيران الكيان الصهيوني، ضد أهداف عسكرية سورية، دعماً لقوى الإرهاب، وللمرة الأولى يتم التصدي لسلاح الجو الصهيوني من قبل القوات السورية، وهذا مؤشر على انعطافة ورداً ورسالة.

وانطلاقاً من وقائع الصراع على الأرض:

  • الحرب في وعلى سوريا هي “حرب التناقض التناحري” بين مشروعين: مشروع تحرر وطني ومشروع هيمنة ، إنه صراع النفي ، طرف ينفي الطرف المقابل، لا هدنة دائمة ولا حلول وسط دائمة ممكنة.
  • الحرب في وعلى سوريا هي حلقة من حلقات الصراع الدائر على الصعيد العالمي ( اليمن، ليبيا، أوكرانيا، القرم، بحر الصين، كوريا الديمقراطية، شمال أفريقيا، وسط وغرب أفريقيا، البرازيل فنزويلا ودول أمريكيا اللاتينية الأخرى)  صراع بين المركز ” الطغمة الرأسمالية المالية” المهيمنة وأتباعه الإقليمين: تركيا والسعودية والإرهاب من طرف، وروسيا الاتحادية ومعها الصين وباقي أطراف دول البركس والحلفاء الإقليميين إيران وسوريا وحزب الله من طرف ثانٍ.
  • ” حرب دافئة” وتقدم قوات حلف الناتو إلى حدود روسيا الاتحادية، وفرض حصار اقتصادي عليها، وتسخين قادم على جبهة القرم ، وتسخين جبهة أوكرانيا في الوقت ذاته.
  • موازين القوى على الأرض: العسكرية والاجتماعية والسياسية والفكرية الوطنية، أي متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي، هي التي تحدد مخرجات الصراع.

مشروع عدوان ” الطغمة الرأسمالية المالية” على سوريا وعلى المنطقة لم يصل بعد إلى خواتمه، بل يقف في منتصف الطريق، واستمرار الهجمة بأدوات مختلفة، وبخطاب مختلف، مؤكد  ومفروغ منه، لذلك مطلوب من القيادة السورية تحديداً، استثمار هذه الحالة، لتهيئة الدولة والمجتمع إلى حرب شعبية طويلة الأمد ، مساندة للقوات النظامية، عبر خطوات وتحولات محددة: إعادة بناء مشروع متلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي” ، بناء اقتصاد مقاوم ، تسليح الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة لمعركة طويلة الأمد، لتقوم بدورها في الدفاع عن نموذجها الوطني، الذي بنته بقواها الذاتية عبر العقود . الخوف من تسليح الشرائح الوطنية والاتحادات والنقابات العمالية والفلاحية والمهنية والنسائية والشبابية والشعبية بكافة أشكالها، غير مبرر، بل على العكس هناك تجارب في هذه الحرب بالذات تدل على قوة هذا النموذج، نبل والزهراء اللتان تم محاصرتهما سنوات وصمدتا، وهناك موقعة مطار الثعلة الذي تم إنقاذه وإنقاذ المدافعين عنه لحظة تدخل جمهور السويداء بعد تسليحه، أمثلة أخرى لا حصر لها… الخ، المعركة طويلة وتأمين شروط انتصارها تتطلب تطهير أجهزة الدولة من قوى التبعية وقوى الفساد والإفساد وفي السوق وفي صفوف المعارضة، وتهيئة الظروف المادية والتشريعية لإعادة الدولة إلى دورها الاقتصادي والاجتماعي، وتهيئة الظروف لإعادة بناء الثقافة الوطنية ومحاربة الثقافة الظلامية، التي سمحت بها القيادة السورية تحت حجج واهية – ثقافة وهابية – خبرت سوريا نتائجها المدمرة .

  • بناء القلعة من داخلها وغزوها من داخلها.
  • تلاحم الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة هي أحد شروط الانتصار.
  • إعادة بناء حركة التحرر الوطني العربي هو الرد الحقيقي على هذه الحرب الظالمة على المنطقة العربية عموماً.
  • الالتزام بمتلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي”
  • واجب القوى الوطنية في كل دولة عربية إعادة بناء مشروع تحررها الوطني.

” كلكم للوطن والوطن لكم ”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى