“الجمعية الأردنية” و”ميزان للقانون” تطالبان الملقي بمراعاة حقوق الانسان الاردني

في اللقاء الذي جمع يوم امس الأربعاء الدكتور هاني الملقي، رئيس الوزراء مع المؤسسات الوطنية  ومنظمات المجتمع المدني، قدمت الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان و “ميزان” للقانون مذكرة مفصّلة إليه شرحتا فيها “أبرز دواعي القلق بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في الأردن, كما بينتا مطالبهما بهذا الخصوص.

وفيما يلي نص هذه المذكرة..

دولة السيد د. هاني الملقي، رئيس الوزراء الأكرم،

تحية طيبة وبعد،

تود الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان و”ميزان” للقانون أن تعبّرا عن عميق الشكر لدولتكم على هذا اللقاء بينكم وبين منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والذي يشكّل فرصة ثمينة للحوار حول أبرز القضايا المتعلقة بالحريات العامة وحقوق المواطنين في البلاد.

نود في هذه المذكّرة أن نعرض لدولتكم أبرز دواعي القلق التي تساورنا وتساور قطاع واسع من المواطنين حول أوضاع حقوق الإنسان في بلدنا، وذلك من خلال رصدنا المستمر لهذه الاوضاع منذ سنوات، ومن خلال ما نتلقاه من شكاوى.

أولاً : القضايا المرتبطة بالتوقيف : يتعرض يومياً مواطنون للتوقيف لأسباب مختلفة ؛ وهذا أمر طبيعي إذا ما خالف المواطن القانون أو ارتكب جريمة أو طالته شبهة لضلوعه في جنحة أو جناية. اما ما هو غير طبيعي ومخالف لحقوق الإنسان أن يتم توقيف مواطنين بدون إعلامهم بالسبب أو الأسباب التي أدّت إلى توقيفهم ؛ فالتوقيف هو حجز لحرية المواطن لا بد أن يكون له مسوّغ او سبب واضح. أكثر من ذلك، يمنع على الموقوفين الإتصال بذويهم لطمأنتهم عليهم، ولا يسمح لهم الإتصال بمحامين لكي يكونوا إلى جانبهم أثناء التحقيق معهم، وكما هو منصوص على ذلك في الإتفاقيات الدولية التي صادق الأردن عليها ونشرها في جريدته الرسمية.

تجدّد الجمعية و”ميزان” مطالبة السلطة التنفيذية بإتخاذ الإجراءات الضرورية في أقرب وقت ممكن لضمان إعلام الموقوف بسبب توقيفه والسماح له بالإتصال بذويه وكذلك الإتصال بمحام.

ثانياً : إساءة المعاملة، التعذيب، الإفلات من العقاب وتعويض ضحايا التعذيب : يتعرض عدد ممن يتم توقيفهم إلى إساءة معاملة وضرب وشتم وأحياناً للتعذيب، خاصة في دوائر البحث الجنائي ومكافحة المخدرات والمخابرات، لإجبارهم على الإعتراف بتهم أو للضغط عليهم للإدلاء بمعلومات أو لغيرها من الأسباب، بل وأحياناً بدون اسباب، وهذا ما تؤكده العديد من الشكاوى التي تصل إلينا ونرفع كتباً بشأنها إلى الجهات المختصة ونادراً ما يفتح تحقيقات بشأنها ولا نعرف ما هي نتائج تلك التحقيقات إن فتحت [الجمعية و”ميزان” مستعدتان لتزويد دولتكم بنسخ من تلك الكتب]. وفي كثير من الأحيان لا يصل أصحاب الشكاوى إلى حقوقهم أو إلى إزالة الإنتهاك عنها. وتقف البيئة القانونية والسياسية والعملية (الممارسات) سداً منيعاً لكي يبقى الظلم جاثماً في قلوب الضحايا ولكي يبقى مرتكبو التعذيب محصّنون ويتمتعون بالإفلات من العقاب، فضلاً عن عدم امكانية الضحايا من الحصول على أي تعويض جرّاء ما تعرضوا له من إساءات تمس كرامتهم الإنسانية وتعذيب وأحياناً عاهات وفي بعض الحالات يموتون تحت التعذيب، كما هو موثّق في ملفاتنا.

لقد عالجت توصيات لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي صدرت في كانون أول 2015 في اعقاب مناقشة التقرير الدوري الثالث في جنيف (تشرين الثاني 2015) عن مدى التزامه واحترامه للإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب جميع الجوانب المشار إليها أعلاه.

تتمنى الجمعية و “ميزان” على دولة رئيس الوزراء الإيعاز لمن يلزم من أجل تجاوز القصور الذي تعاني منه القوانين الأردنية في معالجة موضوع التعذيب والإفلات من العقاب وتعويض ضحايا التعذيب، وتوفير إطار قانوني يتمتع بالحيادية والإستقلالية والعلانية من أجل محاكمة المتهمين بممارسة إساءة المعاملة أو التعذيب والمسؤولين عنه..

ثالثاً: الحق في التجمع. يتعرض حق المواطنين في التجمع والتظاهر والإعتصام إلى انتهاكات متكررة. ففي حين ينص قانون الاجتماعات العامة على ضرورة “الإشعار” بعقد اجتماع أو تنظيم مظاهرة أو اعتصام، فإن الحكام الإداريون اصبحوا يتجاوزون هذا النص ويمنعون عقد اجتماعات أو ندوات بدون إبداء الأسباب، وخلافاً لنص القانون.

تناشد الجمعية و “ميزان” الحكومة وضع حدٍ لممارسات الحكام الإداريين والأجهزة الأمنية التي تمنع المواطنين وقوى المجتمع النقابية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني من ممارسة حقهم في الإجتماعات وفقاً للقانون الخاص بذلك.

رابعاً : فرض القيود والتضييقات على منظمات المجتمع المدني . ينطوي العديد من القوانين الناظمة للحق في التجمع والتنظيم (قانون الجمعيات، قانون الاحزاب السياسية، قانون العمل / الشق المتعلق بالنقابات..) على قيود كثيرة تحول دون تشكيل المنظمات والأحزاب وتفسح في المجال للأجهزة الحكومية بالتدخل في عمل هذه المنظمات وتقييد حركتها ونشاطاتها بإشكال مختلفة . وأدى ذلك، من بين أسباب عديدة، إلى ضعف منظمات المجتمع المدني ومحدودية دورها في المجتمع. [ الجمعية و “ميزان” على استعداد لتزويد دولتكم بدراسة تفصيلية عن قوانين الجمعيات والأحزاب والنقابات وإثبات مدى مخالفتها للدستور خاصة الفقرة 1 من المادة 128 ، وكذلك تعارضها مع العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الذي صادق عليه الأردن ونشره في جريدته الرسمية].

تناشد الجمعية و “ميزان” الحكومة الموقّرة العمل على تعديل القوانين المذكورة بحيث تنسجم مع الفقرة 1 من المادة 128 من الدستور ومع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وفي هذا الإطار، تأمل المنظمتان من الحكومة تفعيل الفقرة 2 من المادة 16 من الدستور والتي تسمح لجميع فئات الشعب على الإطلاق تشكيل نقابات خاصة بها وضرورة سن قانون للتنظيم النقابي لهذا الغرض.

خامساً : حرية الرأي والتعبير والصحافة. منذ سنوات طويلة وحرية الصحافة والرأي والتعبير تتعرض لتقييدات متزايدة من جانب الحكومات المتعاقبة. ولم تكتف الحكومة بفرض “الرأي الواحد” على المواطنين عبر سيطرتها المطلقة على وسائل الإعلام والقيود التي تفرضها من خلال القوانين، بل أصبحت تحاسب المواطن على ما يكتبه في صفحات التواصل الإجتماعي في الوقت الذي إعتبرت فيه قوانين بلدان ديمقراطية عديدة بأن مواقع التواصل الإجتماعي لا يجوز أن تخضع للمراقبة أو الإدانة أو المحاسبة على ما يرد فيها، لأنها تعامل كملكية شخصية، تماماً كملف ورقي يملكه شخص ما في منزله. ولا يفوتنا في هذا المجال لفت الإنتباه إلى قانون منع الإرهاب وتعديلاته الذي ينطوي على مواد عديدة فضفاضة وغير محددة تفسح المجال واسعاً لتفسيرها بأوجه متعددة بحيث يستخدم هذا القانون سلاحاً من جانب السلطة التنفيذية من أجل محاربة النشطاء السياسيين ومعارضي الحكومات. وهناك حالات عديدة تثبت ذلك.

تطالب الجمعية و “ميزان” الحكومة بإعادة النظر في العديد من القوانين ذات العلاقة بالإعلام وحرية الصحافة والحق في تداول المعلومات بحيث تصبح منسجمة مع الفقرة 1 من المادة 128 من الدستور ومع التزامات الاردن الدولية، وان تنص بصورة واضحة على عدم جواز حبس الصحفي لأسباب تتعلق بمهنته.

سادساً : قانون منع الجرائم . منذ عقدين أو أكثر ومنظمات حقوق الإنسان والعديد من منظمات المجتمع المدني تطالب بإلغاء قانون منع الجرائم الذي يُجمع القانونيون على أنه مخالف للدستور ولابسط مبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان. وبالرغم من ذلك تجاهلت الحكومات هذا المطلب دون أن تقدم حججاً مقنعة أو منطقية لتبرير تمسكها بهذا القانون المجحف الذي يتناقض مع استقلالية القضاء والفصل بين السلطات ويمنح سلطات قضائية للسلطة التنفيذية. ومما يزيد من قلق منظمات حقوق الإنسان وقطاع واسع من المواطنين توجّه السلطة التفيذية لقوننة بعض الإجراءات العشائرية مثل الجلوة وتقطيع الوجه وغيرها ، وهو الأمر الذي ينطوي على مخالفات جسيمة لحقوق الإنسان.

تجدّد الجمعية و “ميزان” وبالحاح مطالبة الحكومة إلغاء قانون منع الجرائم والتخلي عن التوجه الرامي إلى قوننة بعض العادات الإجتماعية والبحث عن وسائل وإجراءات اجتماعية وسياسية لمعالجتها ووضع حد لها خصوصاً وانها أصبحت محدودة وتخالف تطور الحياة المدينية الذي أصبح يغطي الأغلبية الساحقة من سكان الأردن.

سابعاً : الحقوق الإقتصادية والإجتماعية. كثيراً ما يردّد المسؤولون بان الحفاظ على الأمن هو أيضاً لتوفير الأجواء المناسبة لتحقيق التنمية. والأردن يتمتع بالأمن بفضل سهر الأجهزة الأمنية وقواته المسلحة وتضحياتهما. لكن المواطنين يتساءلون : أين هي التنمية الشاملة لكل مناطق الأردن ؟. يعاني المواطنون يومياً من مشكلة المواصلات والنقل التي اصبحت مزمنة والتي تؤدي إلى هدر الوقت والجهد والمال، كما ان العنف يضرب اجزاء من جسم المجتمع ، وإرتفاع الأسعار يجعل المعيشة أكثر صعوبة لقطاعات متزايدة من المواطنين.  وموقع الأردن في المؤشرات العالمية في تراجع مستمر الأمر الذي يضع العديد من تصريحات المسؤولين موضع الشك، حتى مع الأخذ بعين الإعتبار المشكلات المعقدة الناجمة عن تدفق اللاجئين إلى بلدنا.

بإختصار ، في نظر قطاعات واسعة من المواطنين ـ تبدو الحكومات في بلدنا غير قادرة على التعامل مع الهموم اليومية للمواطنين، ومعالجة القصور والتراجع في تمتعه بحقوقه الإقتصادية والإجتماعية من صحة وعمل وتعليم وسكن وغذاء ومواصلات وبيئة إلخ..تأمل “ميزان” والجمعية من الحكومة إعادة النظر في النهج الإقتصادي المعتمد  بحيث يعطي الأولوية للحقوق الإقتصادية والإجتماعية المذكورة آنفاً.

دولة رئيس الوزراء،

قد يعتقد البعض بأن تطوير حقوق الإنسان يتعارض مع أولوياتٍ يفرضها الواقع على الدولة الأردنية في هذه المرحلة، مثل توفيرالأمن وحماية الحدود وتماسك الجبهة الداخلية.

إننا على يقين راسخ بان تعزيز احترام حقوق الإنسان هو من بين الروافد الرئيسة التي إذا ما طبقت على الوجه الصحيح فإنها ستزيد من استقرار وأمن المجتمع والدولة. ولدينا في ما جرى في ذيبان قبل أيام مثال ساطع على ذلك : إن سعي الحكومة لتوفير العمل لعشرات آلاف الشباب المتعطلين عن العمل هو الذي سينزع فتيل تهديد الأمن، بالإضافة إلى عوامل أخرى عديدة مثل الاهتمام بمحاربة التطرف فكرياً، ومراجعة مضمون الكتب المدرسية في هذا المجال لتنقيتها من كل ما يمكن أن يشجع على التطرف ؛ وكذلك الاهتمام بالقطاع الأوسع من شباب الوطن اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، والعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بها في وسائل الإعلام ومن جانب منظمات المجتمع المدني.

وأخيراً فأننا اذ نقدر الجهود التي بذلت في السنوات القليلة الماضية لإظهار الاهتمام الحكومي بحقوق الإنسان، وآخرها “الخطة الوطنية ” والتي تقدمنا بملاحظاتنا وآرائنا بشأنها وكيفية تنفيذها، فأننا نأمل أن يتم ترجمتها الى أفعال تسهم في حفظ كرامة المواطنين ووضع حدٍ للتجاوزات على حقوقهم، وتحسين حياتهم في إطار دولة القانون وحقوق الانسان من أجل تحقيق العدالة وإشراك الجميع للمساهمة والاستفادة من التنمية الشاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى