وقفة مع الحركة الإسلامية

لا شك أنّ طبيعة الأحداث والمستجدات على الساحة العربية والدولية تطلب منّا وقفة خاصة مع أخواننا بالحركة الإسلامية بما عليهم من ضرورات مراجعة سياساتهم وتحالفاتهم عبر الخمسين عاماً الأخيرة ، فليس معقولاً بعد كل الأحداث والانشقاقات التي حصلت في صفوفهم أن يعودوا إلينا اليوم بنفس الخطاب التقليدي الذي يختلف ظاهره عن باطنه.
لقد كانت الحركة الإسلامية هي رأس الحربة في تلك الأحداث المؤسفة التي أسموها ربيعاً عربياً رغم انها صعدت للحكم- وللإنصاف- بالانتخاب في دولتين شقيقتين هما مصر وتونس إضافة لنظام عمر البشير الذي يكفيه عاراً تقسيم السودان في عهده لسودانين، علاوة على انه لا يزال معرّض أيضاً للتقسيم وأصبح لهذه الحركة أثناء الأحداث المؤسفة رأساً في تركيا، وهو سيء الذكر أردوغان الحالم بإعادة مجد دولة بني عثمان الهالكة.
لقد كشفت الحركة الإسلامية عن وجهها الآخر الذي يريد الاستيلاء على كل شيء وما على الآخرين إلا التبعية والسمع والطاعة ، ولكن خلال عام من حكمهم في مصر انكشفوا على حقيقتهم وإذا هم أعجز من إدارة دويلة كمحمية قطر، فكيف بدول ذات عراقة في الحكم المدني كمصر وتونس الأمر الذي دعا من أعطاهم الثقة – اي الناخب- ليعود للشارع لسحبها منهم ، ممّا دعا القوات المسلحة للتدخل في الوقت المناسب وهكذا كانت ثورة التصحيح في 03 يونيو/حزيران التي أيّدها الجيش.
صحيح أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه الكثير من المآخذ والملاحظات ولكن غلطة الحركة الإسلامية هي التي أعادت الصحوة للشعب بحقيقة هؤلاء وما يسميه البعض ظلماً بحكم العسكر ، رغم أني لست من المؤمنين بهذا الوصف الذي أراه ظالماً لمصر وشعبها لما للجيش من دور مهم جداً في إنشاء مصر الحديثة بدءاً من محمد علي باشا وأسرته وصولاً لأحمد عرابي وجمال عبد الناصر وما بينهم وما قبلهم .
وفي تونس شهدت الحركة الإسلامية مثلاً مراجعات حقيقية تُحترم، حيث امتلكت القيادة هناك الشجاعة لتقول أصبنا وأخطأنا بينما الحركة الإسلامية في وطننا ورغم انقسامها لثلاث مجموعات ورغم الاستقالات الكثيرة بين كوادرها، إلا أنّ أحداً لم يدع لمراجعة سياسة هذه الحركة وممارسة نقد ذاتي لمسيرتها وتحالفاتها مع النظام طيلة أكثر من خمسين عاماً ولا موقفها من الربيع العربي حيث أدارت ظهرها لكل شركاء الأمس من القوى الوطنية الأخرى واكتفت بإلقاء اللوم على جهات أخرى تستهدفها وعلى رأسها أمريكا والأنظمة التابعة لها تحت شعار المؤامرات والمظلومية.
ورغم أن القيادات المنشقة عن الحركة الإسلامية الأم ليست بريئة من الارتباط بالحكومة وأجهزتها ولكن هذه القيادات لم تكن جانبية أو عابرة في تاريخ الحركة الإسلامية، والجناح الذي قيل رسمياً إنه صاحب الولاية على مقرات الحركة كان قائده ذات يوم المراقب العام للجماعة الإسلامية بالأردن.
صحيح أنّ الجماعة الأساسية بقيت متماسكة وهي التي يقودها الدكتور همام سعيد ولكن الآخرين لم يخلقوا من المجهول وبالتالي ما حدث كان ضربة قوية للحركة، متمنياً على قادتها أن يعودوا عن مواقفهم وان يمارسوا نقداً ذاتياً لتاريخهم ومواقفهم من شركائهم بالعمل الوطني وتحالفاتهم السابقة .
قبل أيام حضرت قيادة جناحهم السياسي لزيارة العقبة والالتقاء مع الجماهير وهذا شيء جميل يذكر ، حيث أدار الحوار خالد الجهني – وهو من كوادر حزب جبهة العمل الإسلامي بالعقبة- بموضوعية ورقيّ رائع، لكن المستهجن ان المتحدثين تجاهلوا ما تعرضت له الحركة من انشقاقات إلا بكلمات عابرة ونتيجة طلب بعض الحضور، ولا أعلم على من يخفون هذه الخلافات التي أصبحت حديث الشارع رغم أن الكثير من الحضور هم من المتعاطفين مع الحركة الإسلامية الأصلية التي تمثل الجانب الشرعي من الحركة على الأقل لدى الشارع المؤيد للحركة الإسلامية وعلى هذا الأساس وبعد كل هذه التجربة المريرة بما لها وعليها نجد أنّ الحركة الإسلامية الأصلية وليست تلك التي تحمل أختاماً من الحكومة وأجهزتها هي المطالبة باجراء مراجعة فكرية وممارسة نقدية لذاتها قبل غيرها.
إننا ندعو قادة الحركة الإسلامية لاجراء مراجعة أمينة لتاريخهم السياسي وتحالفاتهم لأن هذا التاريخ حافل بالكثير ممّا قيل لها وعليها شريطة ان يزيلوا الهالة القدسية عن كل سياستهم وكأنهم الوحيدون أتباع الصراط المستقيم ، لذلك لابّد من وقفة جادّة مع هذه الحركة وعلى هذا الأساس نطالب بوضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء باسمها الصحيح لأجل المصلحة الوطنية والقومية العليا، وستبقى هذه الحركة سواء اتفقنا أو اختلفنا معها جزءاً عزيزاً من مكونات شعبنا الأردني لأجل بناء تحالف وطني حقيقي لمواجهة ما تتعرض له الأمّة من مؤامرات الربيع العربي وإفرازاته ولا عزاء للصامتين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى