تجاهل حكومي تام لوثائق وتقارير دولية فضحت الفساد في الاردن

كشف تقرير لمنظمة الشفافية الدولية صدر مطلع الشهر الجاري وشمل ثماني دول عربية والاراضي الفلسطينية عن تزايد الفساد في هذه الدول، مشيراً الى ان %61 من مواطني الدول المعنية وهي : اليمن ومصر والسودان والمغرب ولبنان والجزائر والاراضي الفلسطينية وتونس والاردن، يعتبرون ان الفساد قد ازداد انتشاراً خلال السنة المنصرمة.
وفي التفاصيل قال التقرير ان نسبة الذين يعتقدون بازدياد الفساد قد بلغ في لبنان %92، و%84 في اليمن، و%75 في الاردن، مقابل %28 في مصر، و%26 في الجزائر، في حين اقر %77 من المستطلعين في اليمن، و%50 في مصر انهم دفعوا رشوة لقاء خدمة عامة، مقابل %9 في تونس، و%4 في الاردن.
وكان حديث الفساد المعلن والمسكوت عنه، قد طفا على سطح التصريحات الصحفية والتقارير الاخبارية واجتماعات المجالس والدواوين والصالونات في مختلف المحافظات خلال شهر نيسان الماضي، حيث حركت مياه هذا المستنقع الآسن جملة تقارير واحداث، من بينها صدور تقرير امريكي تم تداوله داخل الكونغرس حول الفساد في الاردن، وتصريحات د. عبدالله النسور رئيس الوزراء بخلو الاردن من الفساد خلال السنوات الخمس الاخيرة- اي طيلة عمر حكومته وقبل ذلك بعام-، ومحاضرة رئيس هيئة مكافحة الفساد محمد العلاف الذي اشار في محاضرة له بجامعة الحسين بمعان اواخر الشهر الماضي الى خلو الاردن من الفساد السياسي، مؤكداً ان القيم السائدة في الاردن تنبذ الفساد بالغريزة، ومشدداً على ان الفساد في البلاد ليس متجذراً، وانه تحت السيطرة، ومعتدل جداً قياساً الى دول اخرى ومنها بعض دول الجوار.
وقد اسهم في اثارة احاديث الفساد ايضاً، ذلك التحقيق الصحفي الاستقصائي الذي اصطلح على تسميته ”اوراق بنما”، حيث قالت تقارير ان ناشري الوثائق اختاروا الاردن لاجراء تحقيقات استقصائية ومتابعات صحفية طالت اثنين من كبار المسؤولين السابقين، لكن جرى تفريغ التقرير من مضمونه بتجاهله، علاوة على الكشف عن قائمة الـ 109 موظفين الذين استثنتهم الحكومة مؤخراً من تعليمات ديوان الخدمة المدنية لصالح استرضاء النواب، وهو ما دفع بأحد القانونيين لتسجيل شكوى لدى هيئة مكافحة الفساد ضد كل من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب.
وايضاً التحذير الذي اطلقته صحف خليجية لتنبيه مواطني دول الخليج من التملك في الاردن، استناداً الى ما يتم تداوله اعلامياً وقضائياً ومجتمعياً حول مشكلتي ”الجبيهة” في عمان، و”جناعة” في الزرقاء.
وكان رئيس الوزراء النسور قد صرح خلال استقباله رئيس مجلس الاعمال العراقي ووفد من رجال الاعمال والسياسيين العراقيين الراغبين في تأسيس منتدى اقتصادي يعالج قضايا ما بعد الازمة النفطية الاخيرة بانه ”لا يوجد قضية فساد واحدة خلال آخر خمس سنوات ولو حتى اشاعة”.
وفي تعقيبها على هذا التصريح الذي صدر اوائل شهر نيسان الماضي، قال المراقبون ان التوقيت والسياقات التي تحدث بها رئيس الوزراء عن هزيمة الفساد في الاردن من الممكن ان تعيد نبش عش الدبابير، اذ ان الاردنيين يستهويهم الخوض في الحديث عن ملفات الفساد، لكن الذي حصل هو ان الحديث الرئاسي مرّ بهدوء ولم يحظ بتعقيبات عرضية، ولو في حدود التنفيس، خاصة ان الحديث عن الفساد دون وثائق واثباتات اصبح مجرماً بعقوبة مغلظة، اي ان الفاسدين ”سيبرطعون” لان الاثباتات والوثائق ستكون صعبة المنال، وان اياً من المطلعين على فسادهم سينكص على عقبيه طالما انه لا يحوز ما يثبت دعواه او شكواه، او حتى ظنونه واشتباهاته.
ايضاً جاء في التعقيب على التصريح النسوري ان قضايا الفساد يجري الكشف عنها – في العادة- بعد رحيل حكوماتها، وكذلك فان تبرئه الاعوام الخمسة الماضية من الفساد يعني ضمنياً الاقرار باتهام الحكومات السابقة.
في ذات السياق قال المراقبون ان رئيس الوزراء نسي ان هيئة مكافحة الفساد قد تعاملت في تقريرها عام 2013 مع 230 قضية فساد، وفي عام 2014 مع 151 قضية، مضيفين قولهم انه من المحزن ان ينحصر الفساد في اختلاس الاموال، باعتبار ان ذلك فساداً مطلقاً، وما دونه محض هراء.
وقالوا اذا كان الفساد يقتصر على الاختلاس فقط، فما الذي يمكن ان يقال عن تعيين الاقارب والمحاسيب في الوظائف العليا ؟ وماذا عن احالة العطاءات وتلزيمها على مستثمرين ومقاولين بعينهم ؟ وماذا ايضاً عن حماية الفاسدين والكف عن ملاحقة الذين جرمهم القضاء وجلبهم الى ساحة العدالة ؟ وكذلك منع الاعلام من طرح الاسئلة ونشر الحقائق تحت طائلة المساءلة القانونية ؟ وحفظ الملفات واغلاقها دونما توضيح او شروحات للرأي العام ؟
ورداً على تلك التساؤلات قالوا ان الفساد المالي ليس الا نوعاً واحداً من الفساد، وهو وان كان موجوداً، لكنه ليس بعمق الانواع الاخرى لارتباطها بالقوانين وطريقة عمل المسؤولين من وزراء ونواب ورجال دولة، ويمكن الاعتراف بانه فساد مؤسسي حقيقي لا ينكره الا كاذب او مجافٍ للحقيقة والواقع.
اما مسألة استثناءات اقارب النواب، فكان من الممكن ان تمر دونما ضجيج لو لم تتخذ المراسلات اياها طابع السجال بين رئيسي الحكومة والنواب، وهذا الكشف في حقيقته يضع علامة استفهام على ازعومة خلو الاردن من الفساد في عهد الحكومة الحالية، مع ملاحظة انه ليس من الضرورة ان يكون اي من رجالاتها متورطاً فيه سواء أكان تورطاً مباشراً او متوارياً.
وكان رئيس مجلس النواب قد وجه كتاباً الى رئيس الوزراء يحمل الرقم م أ5/3/ ومؤرخ في العاشر من شهر آذار الماضي يطلب فيه استثناء قائمة تضم مجموعة من الاشخاص عددهم 109، من (تعليمات اختيار وتعيين الموظفين في الوظائف الحكومية من الفئات الاولى والثانية والثالثة والعقود الشاملة لجمع العلاوات للسنوات 2016/2014، لتثبيتهم على جدول تشكيلات الوظائف لمجلس النواب للعام 2016)، حيث قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الثالث والعشرين من آذار الماضي الموافقة على استثناء هؤلاء الاشخاص من التعليمات المذكورة، وكذلك الموافقة على تثبيتهم على جدول تشكيلات الوظائف لمجلس النواب للعام 2016.
والسؤال هنا : ماذا تسمى هذه الاستثناءات في الوقت الذي تتكدس فيه آلاف الاسماء في قيود وسجلات ديوان الخدمة المدنية منتظرة دورها في التوظيف مع ملاحظة ان بعضها امضى عدة سنوات في انتظار المخرج والفرج ؟
هذا السؤال يتقاطع مع سابقة هي الاولى من نوعها، حيث اقدم مؤيد المجالي الباحث القانوني في مركز احقاق للدراسات والاستشارات، يوم 2016/4/18 على تسجيل شكوى لدى هيئة مكافحة الفساد ضد رئيسي الحكومة والنواب يتهمهما بمخالفة القانون ومجافاة العدالة.
وقال الباحث المجالي في شكواه : ان رئيس الوزراء ومجلس الوزراء قد اقروا خطياً – استناداً الى رسالة رئيس الوزراء التي استفزت رئيس مجلس النواب واثارت المساجلة والتجاذب بينهما- بأنهم قد خالفوا القانون، وقد تجاوزوا رقابة ديوان المحاسبة، وقد حرموا اصحاب الحقوق المسجلين في ديوان الخدمة المدنية من حقوقهم القانونية، وبالتالي فانهم يكونوا قد ارتكبوا جرائم فساد وفق احكام القانون تتمثل فيما يلي :
1 – اساءة استخدام السلطة : حيث انهم غلبوا المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة العامة، فقد كانت هذه التعيينات من اجل استرضاء مجموعة من النواب بشكل عام.
2- قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقاً، وحقق باطلاً، وقد اهدروا حق اصحاب الحقوق المسجلين في ديوان الخدمة المدنية وحرموهم من حقوقهم القانونية، والمنافسة على هذه الوظائف العامة، وفق احكام الدستور والقانون التي قررت وجوب الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص ووجوب المساواة بين المواطنين امام القانون.
وفي الشكوى طلب المشتكي من مجلس هيئة مكافحة الفساد القيام بواجباته القانونية، واجراء المقتضى القانوني بالتحقيق في هذه الشكوى مع المشتكى عليهم، ومحاسبة كل من يثبت عليه المسؤولية القانونية وفق احكام القانون.
مسألة قائمة استثناءات الـ 109، ابعدت عن تقرير امريكي نشر مؤخراً حول الفساد في الاردن، أية تقولات عن وجود لما يسمى نظرية المؤامرة يمكن ان يحاول هذا الطرف او ذاك حرف ذلك التقرير عن حقيقة محتواه بحجة انه يأتي في سياق التآمر على الاردن او تشويه صورته امام الآخرين.
التقرير المشار اليه كان قد صدر عن دائرة الابحاث في الكونغرس الامريكي، وأفاد بأن الواسطة والمحسوبية تشهدان استخداماً واسع النطاق في الاردن، الامر الذي ادى الى تنامي الشعور بالاحباط لدى فئات الشباب، الى جانب ضعف الحراك الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن الفساد في مفاصل مؤسسات الدولة، ما دفع الكثيرين للبحث عن الهجرة خارج البلاد، خاصة الموهوبين منهم.
وبيّن التقرير الذي تمحور حول العلاقات بين الولايات المتحدة والاردن، ان من بين التحديات التي يواجهها الاردن منذ زمن، مشكلتي البطالة والفقر، حيث تقدر نسبة المشكلة الاخيرة – حسب التقرير – بنحو %14,4 جراء تنامي الفساد وتباطؤ النمو الاقتصادي، اضافة الى معدلات البطالة المرتفعة، بما في ذلك البطالة بين الاناث والتي تقدر بنحو %12,5، او بين %30-25 وفق رأي البعض.
وكانت احدى الاذاعات المحلية قد نشرت مؤخراً تحقيقاً استقصائياً عن قضية فساد كبرى سبق ان تم تحويلها الى القضاء، مضيفاً (التحقيق) ان الحكومات المتعاقبة تراخت في تدقيق سجلات شركات الاوف شور، وكان ثمن هذا التراخي قضايا فساد بملايين الدنانير.
اللافت في هذا التحقيق الاستقصائي انه نشر على الصعيد المحلي بالتزامن مع نشر ملفات ما يسمى ”وثائق بنما” عالمياً، والحديث عن دور شركات الاوف شور في تسهيل وتغطية تهريب السياسيين لاموالهم بعيداً عن الانظار والمعارضة والضرائب، وقد توقع المراقبون حين نشر هذه الاوراق وذلك التحقيق ان يكون لهما تداعيات كثيرة، لكن الذي حصل هو انه جرى تجاهلهما اعلامياً وسياسياً وكأنهما غير موجودين، ما ادى الى تناسيهما من قبل الجمهور الذي قال البعض ان ذاكرته منتهكة بحيث لا يستطيع ان يحتفظ بالقضايا الخلافية في هذه الذاكرة اكثر من 72 ساعة.
ومن المعروف ان شركات ”الاوف شور” قد تم تأسيسها في دول الملاذات الضريبية للحفاظ على سريتها وتسهيل انشطتها، لتعود لاحقاً وتدخل البلاد كشركات اجنبية لتنفيذ مشاريع وجدت من أجلها بعدما تم اقرار القوانين لصالحها، شأن اكثر من مئة قانون مؤقت صدرت في عهد احدى الحكومات السابقة يتعلق جلها بالاستثمار وما يدور في اطاره.
وحول ذلك قال المراقبون ان تردد الحكومة في الكشف عن اعمال شركات الاوف شور يقود المواطن للشك في تغلغلها وسيطرتها على مشاريع الدولة بمعرفة الحكومة وعلمها ومباركتها.
ويذهب المراقبون الى ما هو ابعد من شكوكهم حول علم الحكومة بانشطة شركات ”الاوف شور” المشبوهة في البلاد، بالقول ان الحكومة اذا ارادت نفي مسؤوليتها عن اعمال هذه الشركات الممنوعة، فما عليها الا فتح التحقيقات اللازمة حولها، وكشف هذه الشركات على حقيقتها، واظهار قيمة المبالغ الضريبية التي تهرب المسؤولون من دفعها وطبيعة الاعمال التي قامت، وذلك من منطلق ان الحكومة ذات مسؤولية قانونية واخلاقية عما يدور في الدولة.
وبالتواتر مع ما سبق يتوجب على الحكومة، من واقع مسؤوليتها المشار اليها اعلاه، ان تتصدى لتلك الشركات من خلال عدم السكوت على اي معلومات تتوافر في جعبتها عنها، وان تضع من القوانين والانظمة والتعليمات ما يحتم الغاء اي عطاء تشارك فيه شركات مجهولة الهوية ومسجلة في ملاذات ضريبية آمنة، وكذلك مغادرة حالة التوجس والتردد عند الحاجة- وهي دائماً قائمة – الى كشف الفاسدين وملاحقتهم في الداخل والخارج، بصرف النظر عن هوياتهم او مواقعهم التي كانوا فيها، او الحوائط والجدارات التي تحميهم ويستندون اليها، لانها في الغالب لا تدري عما قارفه هؤلاء الآثمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى