السلامة اول شروط السعادة في الاردن ولكن ضمن معطيات اخرى

استبقت شبكة الامم المتحدة للتنمية المستدامة حلول يوم السعادة العالمي الذي يصادف يوم العشرين من آذار سنوياً، فأصدرت منتصف الشهر الماضي، النسخة السنوية الرابعة من تقرير مؤشر السعادة الدولي.
هذا التقرير كشف ان الاردن احتل المرتبة 80 عالمياً، وبالتالي فقد تقدم تصنيفه بمقدار درجتين عن النسخة الثالثة السابقة من التقرير، حيث كان يحتل المرحلة 28 عالمياً.
وبحسب التقرير الذي شمل 157 دولة حول العالم، احتلت الدنمارك المرتبة الاولى، تلتها سويسرا، ثم ايسلندا، والنرويج، وفنلندا على التوالي، بينما حلت تركيا في المرتبة 78 على مستوى العالم متقدمة بدرجتين على الاردن.
عربياً.. احتلت دولة الامارات المركز الاول والمرتبة 28 عالمياً، فيما حلت السعودية الثانية عربياً و34 عالمياً، وقطر الثالثة عربياً و36 عالمياً، والكويت الرابعة عربياً و41 عالمياً، والبحرين الخامسة عربياً و42 عالمياً.
دولة الاحتلال الصهيوني المغرقة في الاجرام والعنصرية والظلم حلت في المركز الحادي عشر عالمياً، متقدمة على الولايات المتحدة التي حلت في المركز الثالث عشر، وبريطانيا التي حلت في المركز 23 عالمياً، ما يطرح العديد من الاسئلة حول مصداقية المعايير التي استند اليها معدو التصنيف، ومن ذلك سؤالنا البريء حول ما اذا كانت تلك العنصرية والعدوانية والعنجهية الصهيونية هي التي دفعت القائمين على هذا التصنيف الذي ترعاه الامم المتحدة لوضع اسرائيل في هذا الترتيب، ام ان ”عين المحب عمياء” فكان لا بد ان تتقدم هذه الدولة الشريرة على امريكا وبريطانيا في التصنيف المذكور ؟
تقرير هذا العام طالب الدول بادراج سعادة الانسان في جدول اعمال كل حكومة على اعتبار ان السعادة والرفاهية تعتبران بداية لتحقيق التنمية المستدامة للشعوب، واللافت ان اربع دول حتى الآن قد عينت وزراء للسعادة هي : الامارات، وبوتان، والاكوادور، وفنزويلا.
اردنياً.. يعني تصنيفنا في المركز الثمانين من بين 157 دولة احتوتها القائمة الاممية التي تقرر من هم السعداء والاقل سعادة، اننا نقع في منتصف القائمة، وبالتالي فاننا بحسب المثل الدارج ”نروج ولا نقع”، ورغم ذلك، فموقعنا في التصنيف العربي معقول، اذا ما لاحظنا ان دول الخليج التي تحتل المراكز المتقدمة تقودها دولة الامارات، التي عينت هذا العام وزيرة للسعادة، بينما حكوماتنا تتملص من اعادة العمل بوزارة التموين لضبط هيجان الاسواق وردع الغش والجشع.
السؤال الذي يطل برأسه في هذا المقام : كيف حسبنا الذين وضعونا في التصنيف سعداء، فيما نحن نعاني مديونية عالية، فنحن مثلاً نصرف كدولة على آلاف اللاجئين، في الوقت الذي لحس العالم تعهداته لنا بالمساعدة منذ اول لاجئ تجاوز حدودنا الشمالية منادياً الغوث الغوث.
ألم ”يظلمونا” حين وضعونا في هذا المركز ونحن نعاني مشاكل النقل العام، والتعليم، والصحة، والعمل والبطالة، وارتفاع الاسعار، والعنف بالوانه المختلفة، والضرائب الجبائية، وبالمجمل، نحن ندور في واقع اقتصادي واجتماعي غير واقعي ومرهق، في الوقت الذي تتشاطر فيه حكوماتنا المتعاقبة بتبنيها لخطابين احدهما داخلي يحث المواطن على شد الحزام، وبذل المزيد من التضحية، وضرورة ان يلهج لسانه بالشكر على نعمة الامن والامان، مع ان لا فضل ولا دور لارباب السياسة فيها، بل اشاعها سهر وتعب العسكر ورفاقهم في المؤسسات الامنية الاخرى.
اما الخطاب الآخر، فهو خارجي موجه للعالم الاجنبي – ان جازت التسمية- حيث يزين لاولئك الناس ان الحكومات الاردنية تتبنى منطق عمل يقترب من المواصفات الغربية، بما فيها من ديموقراطية ورفاه وحقوق، واننا لولا ”كمشة” اللاجئين التي ارهقتنا لكنا نعوم في خير عميم.
من زاوية اخرى، وضمن نظرية نصف الكأس المملوء، نحن سعداء حقاً، بل ربما نحتل اقليمياً مراكز متقدمة، خاصة اذا ما ربطنا السعادة بالسلامة، معتبرين ان السلامة هي اساس السعادة، اما على الصعد الاخرى فالحال لا يسر البال.
نحن نعيش في محيط ملتهب، بل تجاوز حد درجة الغليان الى امكانيات التبخر، ومع ذلك فالامن والامان وسلامة الناس والممتلكات، والتصدي للارهابيين والمجرمين عنوان اردني، لا يمكن ولامكان للمساومة عليه شعبياً وعسكرياً وامنياً، وهنا لابد من ملاحظة اهمية السلامة التي جعلت الشعبي يوقع تفويضاً للامني والعسكري، وهل في غير الاردن يمكن ان تتواءم المعادلة الصعبة التي اطرافها قلة المداخيل والرواتب، وغير ذلك من الازمات السياسية والمجتمعية والمعيشية مع حالة الامن والامان، لو لم تكن السلامة هي اساس السعادة، ومن لا يصدق فليسأل المجاورين، وحتى اولئك الذين تقدموا علينا في التصنيف الاممي بدرجات كبيرة.
في ظل تداعيات ما يحدث في الدول الشقيقة التي ابتليت بما اسموه ظلماً وزيفاً ”الربيع العربي”، دعونا نبتدع مقولة ان السلامة هي اساس السعادة، وان نضعها موضع التطبيق الفعلي.. ولكن هل ستوافق الجهات التي اشغلت العالم باختراع الفكرة، وهي التي قالت في تقرير السعادة العالمي للعام الحالي، ان سكان ليبيا والعراق اكثر سعادة من المصريين، مع ان سلامة الليبيين والعراقيين مفقودة على ارض الواقع، نظراً لان وطنهم نهب الاقتتال والارهاب والصراع الدموي.
بعيداً عن الهمين الاردني والعربي وتداعياتهما وانعكاساتهما، فان السؤال الذي يفرض نفسه يتعلق باصل حكاية تصنيف السعادة وكيف تبلورت المسألة حتى وصلت الى ما هي عليه الآن ؟
في الاجابة عن هذا السؤال نستذكر قيام الامم المتحدة، وبناء على مبادرة من دولة بوتان الجنوب اسيوية، بعقد اجتماع في شهر نيسان من عام 2012، على مستوى رفيع، وتحت عنوان : ”السعادة ورفاه المجتمع والنمودج الاقتصادي الحديث” وذلك اثر نجاح تلك الدولة الاسيوية الصغيرة الغافية على السفوح الشرقية لجبال الهملايا، بزيادة الدخل القومي منذ سبعينيات القرن الماضي حيث اعتمد نظامها الاقتصادي شعاره المشهور القائل بان السعادة الوطنية الشاملة هي اهم ناتج قومي للبلاد لملء عالمنا بالسعادة.
في اعقاب تلك المبادرة البوتانية، اتخذت الامم المتحدة قرارها 66/281 تاريخ 28 حزيران عام 2012، بعنوان : ”السعادة ورفاهية المجتمع والنموذج الاقتصادي الحديث باعتماد يوم 20 آذار من كل عام يوماً دولياً للسعادة، اعترافاً منها بأهمية السعي للسعادة اثناء تحديد أطر السياسة العامة، وضرورة اتباع نهج اكثر شمولاً لتحقيق التنمية المستدامة.
وقد دعا القرار الدول الاعضاء في الجمعية العامة والمنظمات الدولية والاقليمية الاخرى والمجتمع المدني، الاحتفال باليوم الدولي للسعادة بطريقة مناسبة، وذلك لأن الامم المتحدة تدرك ان السعي الى تحقيق السعادة هدف انساني، وان السعادة هدف ومطمح لشعوب العالم اجمع.
في هذا السياق قال بان كي مون الامين العام للامم المتحدة : ان العالم بحاجة الى نموذج اقتصادي جديد يحقق التكافؤ بين دعائم الاقتصاد الثلاث : التنمية المستدامة، والرفاهية المادية الاجتماعية، وسلامة الفرد والبيئة، ويصب ذلك في تعريف ماهية السعادة العالمية.
وفي العودة الى ”بوتان” الدولة صاحبة الفكرة تبين ان اول من اطلقها عام 1971 تحت مسمى ”السعادة القومية الاجمالية” هو الملك ”وانج تشوك” وهو الملك الرابع لهذه الدولة، الذي شدد على ان السعادة القومية الاجمالية هي اكثر اهمية من الناتج المحلي الاجمالي.
هذا المفهوم يعني ان التنمية المستدامة لا ينبغي ان ترتهن فقط بالمؤشرات الاقتصادية للرفاهية كمقياس للتقدم، ومنذ ذلك الحين أثر مفهوم السعادة القومية الاجمالية على سياسات بوتان الاقتصادية والاجتماعية، حيث اكد المسؤولون ان بلادهم وضعت نظاماً لقياس التقدم من شأنه ان يحفز الحكومة والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص لزيادة السعادة القومية الاجتماعية، اذ يتضمن مؤشر هذه السعادة المجالات التقليدية للاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية، كمستوى المعيشة والصحة والتعليم، فضلاً عن الثقافة والصحة النفسية.
وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن انعقاد اجتماع في مدينة ”تيمبو” عاصمة بوتان، برعاية رئيس وزرائها ”جيجمي ثينلي” ، الذي يعتبر احد قادة التنمية المستدامة واكبر داعم لمبدأ السعادة المحلية الاجمالية، وبمشاركة عشرات الخبراء من اجل التأمل في سجل تلك الدولة، وقد اتفق الجميع على اهمية السعي للحصول على السعادة بدلاً من السعي للحصول على الدخل الوطني، وخلصوا الى ان فكرة السعادة كخيار جديد يمكن ان تساعد في ايجاد طريق جديد مختلف يجذب الانتباه.
الفكرة البوتانية والتنفيذ الاممي، قوبلا بدعم سويدي، جاء في صورة تأسيس منظمة تكرس نفسها لمساندة الفكرة والترويج لها ونشر الوعي بالسعادة، وقد قدمت نفسها بالقول : ”.. ان السعادة شيء ثمين، فيجب الاخذ في الاعتبار العوامل التي تجعلنا سعداء، وكيف يمكن ان نعمل لكي نزيد من السعادة الشخصية والقومية والعالمية”.
وفي بريطانيا أسس حزب العمال ”مجموعة العمل على الرفاهية” بهدف التفكير في كيفية جعلها افضل وقد تم وضع تقرير توصل الى استنتاج نهائي بأن الرؤية الاقتصادية التي تقيس رفاهية المجتمع غير كاملة، وفي بعض لاحيان مضللة، واعلن بان السعادة يجب ان تؤخذ في الاعتبار على انها واحدة من العوامل الرئيسية لرفاهية المجتمع، بالاضافة الى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وانه يجب على السياسيين اخذ نتائج ابحاث السعادة مأخذ الجد.
في بريطانيا ايضاً ثمة حديث عن ”اعصاب السعادة”، حيث توصل باحث بريطاني اسمه البروفيسور ”فرانسيس ماكجاون” الى ان هناك اعصاباً في جسم الانسان مسؤولة عن السعادة، وتتأثر باللمس والاحتضان، وترسل اشارات عصبية تزيد من السعادة، وقد سماها ”حزمة الاعصاب سي”، وهي غير موجودة في الكف او أسفل القدم، وفائدتها ان تعالج الالم في حالات الالام المزمنة.
وفي السياق اشار علماء آخرون الى ان السعادة ترتبط بالذكاء الوجداني، اذ تزيد بزيادته، وقالوا انهم وجدوا ان ذوي الذكاء الوجداني المرتفع، هم اكثر نجاحاً في حياتهم المهنية، مبينين ان الذكاء الوجداني هو عبارة عن تحكم الفرد في انفعالاته وتنظيمها مع ما حولها، واكتساب مهارات اجتماعية وانفعالية تساعد على النجاح المهني والاجتماعي، وفي الحياة بصورة عامة.
ما تقدم يقود الى طرح السؤال التالي : هل تستطيع الحكومة ان تجعل الشعب الذي تحكمه وتدير شؤونه سعيداً ؟
البعض اجتهد في الاجابة وقال : ”نعم.. ولكن”، فيما قال البعض الآخر ”لا.. ولكن” تاركين لكل دولة او حكومة ان تختار ما بين هذين النقيضين !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى