مطلوب التحوط من عواقب انخفاض تحويلات ابنائنا العاملين في دول الخليج

اواخر الشهر المنصرم اعلن البنك المركزي ان تحويلات الاردنيين العاملين في الخارج قد ارتفعت بنسبة واحد ونصف في المئة العام الماضي، مؤكداً ان هذه التحويلات ارتفعت الى ثلاثة مليارات و798 مليون دولار في عام 2015، مقارنة مع ثلاثة مليارات و743 مليون دولار في عام 2014، حيث تسهم هذه التحويلات الى جانب الدخل السياحي في رفد الاحتياطات من العملات الاجنبية، وتحسين الحساب الجاري للبلاد.
يأتي ذلك في وقت يرجح خبراء اقتصاديون تراجع حوالات هؤلاء الذين يتخذون من دول الخليج مقراً للعمل والاقامة والذين تبلغ نسبتهم نحو %5,79 من مجموع المغتربين الاردنيين، وذلك بسبب اضطرار دول الخليج لتقليص نفقاتها، ما يعني التوقف عن انشاء عدد من المشاريع المستقبلية، او اعادة هيكلة بعض الشركات والمؤسسات، وبالتالي تراجع فرص العمل والتشغيل.
ويقول المراقبون ان دول مجلس التعاون الخليجي بدأت تعاني من استنزاف مواردها جراء انخفاض حاد في اسعار النفط من جهة، والحرب في اليمن وسوريا وسواهما من جهة اخرى، وانها جراء ذلك صارت تتكيف مع هذه المستجدات، بل وذهبت الى فرض الضرائب ورفع اسعار الطاقة واستخدام الاحتياطيات، في حين تفكر بعضها بالذهاب الى الاقتراض، الامر الذي يقود الى توقف بعض المشاريع التي تجنح نحو الرفاهية والترف، وبالتالي تقليص الانفاق الحكومي، ما سيؤدي الى انخفاض الطلب على العمالة الاجنبية او التخلص من بعضها، وهذا ما سوف يؤثر سلباً على هذه العمالة، بما في ذلك حوالات الاردنيين هناك او تسريح بعضهم.
وقد دعا المراقبون حكومة النسور الى اخذ هذه التطورات بعين الاعتبار والاستعداد للاسوأ في ظل سياسة الاستقطاب الخليجي وتوظيف المساعدات والمنح المالية، والعمالة كأدوات ضاغطة على الدول في حال اختلاف المواقف وتنافر المصالح والتحالفات، واعادوا الى الاذهان التجربة المريرة التي عانى منها الاردن عندما وجد نفسه مضطراً لاستقبال معظم الاردنيين العاملين في الكويت وبعض الدول الاخرى في الخليج بعد دخول الجيش العراقي الى الكويت.
الى ذلك لاحظت تقارير اعلامية، ان انخفاض اسعار النفط غالباً ما يكون مصحوباً باندلاع حروب تمر بها دول المنطقة، ما يؤدي الى تأثر موازنات الدول النفطية العربية، فتتراجع او تتأجل تبعاً لذلك العديد من المشروعات الاقتصادية في تلك الدول، وكتحصيل حاصل يتراجع الطلب على العمالة من الدول العربية غير النفطية، وتقل تحويلات عمالة الدول غير النفطية.
في هذا السياق – ونضع ذلك برسم انتباه حكومتنا الموقرة- يقول المراقبون ان اياماً صعبة تنتظر العمالة الاجنبية في دول الخليج العربي، لافتين الى ان الهبوط الحاد في اسعار النفط قد تسبب، على سبيل المثال، بتسجيل عجز في الموازنة السعودية للعام الجاري مقداره 87 مليار دولار، فيما بلغ عجز الموازنة الكويتية لهذا العام 40 مليار دولار.
ويتوقع المراقبون – وهنا بيت القصيد الذي يجب اخذه على محمل الجد- ان تتجه العمالة الاجنبية في الخليج الى مواجهة ضغوط متزايدة اذا ما استمر انخفاض اسعار النفط على المديين القصير والمتوسط، حيث اتجهت بعض الدول الخليجية لترشيد النفقات وخفض العمالة ووقف تنفيذ المشاريع، جراء تراجع اسعار النفط الخام بنسبة %70 منذ منتصف عام 2014 هبوطاً من 120 دولاراً للبرميل الى اقل من ثلاثين دولاراً في شهر كانون الثاني الماضي، وفق ما اشارت اليه وكالة انباء الاناضول في تقرير لها من دبي.
الضغوط الزائدة على العمالة الوافدة في دول الخليج يعتبرها خبراء اقتصاديون خليجيون مسألة طبيعية لانها انعكاس سلبي لما تواجهه تلك الدول من ازمات اقتصادية بدأت تطل برأسها في العديد من الدول وفي عدة مجالات، مشيرين الى وجود خطط لاعادة توطين العمالة كأحد الحلول للقضاء على البطالة في دول الخليج، وهي بطالة ترشحها الدراسات الى مزيد من الارتفاع خلال الاعوام المقبلة، ما يعني ان الاجراءات ضد العمالة الوافدة في منطقة الخليج ستأخذ منحنى تصاعدياً.
وفي ظل الازمة الاقتصادية التي بدأت تطل برأسها وترخي بظلالها على دول الخليج تطوعت دراسات واحصائيات لتبيان مدى اعتماد تلك الدول على العمالة الخارجية، حيث اشارت الى ان اكثر من 17 مليون اجنبي يعيشون في ست دول خليجية تشكل قوام مجلس التعاون، ويرتفع العدد الكلي الى اكثر من ثلاثة وعشرين مليوناً بعد اضافة افراد أسر العمالة الاجنبية ”الوافدة”، اي قرابة نصف عدد سكان دول المجلس، والبالغ حوالي 49 مليوناً، يحولون الى بلدانهم ما يزيد على مئة مليار دولار سنوياً، وهو رقم يكلف اقتصادات الخليج الكثير من الاعباء، وقد دفعت هذه الاكلاف بعض دول المنطقة الى التفكير في احلال العمالة المحلية مكان العمالة الوافدة، حيث تصل البطالة (كنسبة من اجمالي القوى العاملة) في كل من السعودية %5,7، والبحرين %7,4، وعُمان %7,9، فيما تصل الى %3,8 في الامارات، و%3,1 في الكويت، و% 0,5 في قطر.
على صعيد ذي صلة تشير احصاءات البنك الدولي الى ان العمالة الاجنبية في السعودية تشكل 84%، وتصل في سلطنة عمان الى %24,5، وفي البحرين %54، وفي الامارات %89، بينما كان تسجيل النسبة الاعلى من نصيب دولة قطر وبواقع %91.
في هذا السياق يشير الخبراء الى ان العاملين الاجانب في الخليج – عرباً وغير عرب- سيواجهون اياماً صعبة اذا ما استمر انخفاض اسعار النفط، وبالمقابل ارتفاع التضخم وبقاء الاجور دون زيادة، ذلك ان هذه الدول سوف تجد نفسها مضطرة لوقف العديد من المشروعات القائمة رغبة منها في تقليل النفقات في اطار محاولة السيطرة على عجز الموازنة، ما يعني التخلص من العمالة غير الضرورية في الادارات الحكومية، بالاضافة الى تقليصها لدى القطاع الخاص المرتبط بحجم الانفاق الحكومي، اضافة الى تأثر هذه العمالة باجراءات حكومية اخرى لمواجهة ازدياد معدلات التضخم مثل رفع الدعم، ورفع الرسوم على بعض الخدمات الحكومية وهو ما يسبب ضغطاً على اجورهم ورواتبهم، وهي اجراءات تشكل عوامل طرد للعاملين من اصحاب الخبرات والمهارات، وتزيد من رغبة معظمهم في تغيير اعمالهم، او مغادرة المنطقة، وفق ما يقول الخبير الاقتصادي الكويتي ابراهيم الفيلكاوي.
ليست الاوضاع الاقتصادية والخوف من تداعياتها هي العامل الوحيد ”الطارد” للعمالة الاجنبية في منطقة الخليج، بل يرى الخبراء ان اسباباً سياسية وامنية وتحالفات اقليمية واطماعاً دولية تلعب دوراً كبيراً في انخفاض اسعار النفط انخفاضاً حاداً، شأن ما هو حاصل حالياً، حيث ان المنطقة ملتهبة والاخطار العسكرية متوالية من كل الجهات، بدءاً من الازمة السورية، مروراً بقضايا الارهاب في اليمن والعراق وليبيا وغيرها، علاوة على الصراع ”البارد” الناشب ما بين المعسكر الشرقي الذي تقوده روسيا وايران وحلفاؤهما، والمعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية ومن يدورون في فلكها.
هذه التحالفات وما ترعاه من احترابات في طول وعرض العديد من الدول المبتلاة بآفة الارهاب ”الموجه” ولدت حروباً اقتصادية، كان الانخفاض الحاد في اسعار النفط احد صورها، حيث ركب جميع منتجي الذهب الاسود في قارب مثقوب فاصبحت امواج العجز تتلاعب في موازنات دولهم، ما يعني اللجوء الى التقشف وشد الاحزمة، واعادة النظر في ابواب الانفاق في الوقت الذي تتحمل فيه بعض هذه الدول اكثر من ”بطيخة” مواجهة في يد واحدة ما يعني المزيد من الاعباء التي تصب روافدهما الاهم في قنوات اجتماعية، سواء أكانت تخص رعايا الدول ذاتها، او المكونات السكانية للدول الشقيقة والصديقة التي تتلقى مساعدات وقروضاً تحت مسميات ويافطات عديدة تحكمها ابجديات المصالح البينية.
هذا يعني ان المجتمعات الشعبية تدفع في العادة ثمن الصراع بين الدول والحكومات، وتتحمل وزر الاستقطاب والتجاذب سواء أأقبلت عليه ام ولت الادبار طلباً للنجاه مما يحاك لها ولوطنها، وبالتالي فان المجتمعات العربية تدفع اليوم ثمن الصراعات في غير مكان، وقد اصبحت منقسمة فيما بينها، ما بين مؤيد ومعارض لهذا الطرف او ذاك، دون ان تلتفت الى ما يمكن ان يجره على وطنها هذا الانقسام من تداعيات قد لا تحمد عقباها، ناهيك عن الاختراقات واختلال التوازنات.
ما يجب اخذه بعين الاعتبار هو ان الحروب الاقتصادية التي المح اليها المراقبون لم تقف عند حد ”مكاسرة الدول” المتصارعة، بل تعاظمت لدى بعضها عقدة ”اليد العليا” و”الانا” التي تستوجب الاطاعة والامتثال، ونحت الى مساومة الدول المتلقية للهبات والمعونات والفاتحة اذرعها للاستثمارات، للسير في ركابها والعمل وفق اجنداتها، وبغير ذلك فلا بد من ”اغلاق الحنفية” واحدث وابرز دليل على ذلك تراجع السعودية عن دعم تسليح الجيش اللبناني والتلويح – وفق بعض التقارير- بقيام دول مجلس التعاون بطرد او ترحيل العمالة اللبنانية، التي ينتمي افرادها الى الطائفة الشيعية، وذلك كعقاب جماعي لعدم الرضى مما يحدث على الاراضي اللبنانية وقبل ذلك وبعده في سوريا.
خلاصة الكلام، ندعو الحكومة الى النظر بجدية الى ما يمكن ان تتعرض له عمالتنا الاردنية في دول الخليج في ظل ظروف تثير الكثير من الرمال المتحركة في تلك المنطقة، وان لا ننام على حرير الاطمئنان، وان يكون لنا عبرة بما واجهناه في هذا المجال عام 1990م حين عاقبنا الاشقاء الخلايجة على مواقفنا التي كانت خارج صندوق تفكيرهم.
وبعد.. نستأذن الاستاذ طاهر المصري رئيس الوزراء الاسبق بان نستعير جزئية من مقالته المهمة التي نشرتها صحيفة الغد مؤخراً، ونضع عليها توقيعنا حيث يقول دولته : ”… نحن بحاجة ماسة الى التفكير خارج الصندوق، وبحاجة اكثر الى توافق وطني يجمع فئات المجتمع السياسية والاجتماعية ويشعرها بأنها شريكة في القرار، هذه اللحظات التاريخية تحتاج معالجات سياسية واجتماعية عميقة ومستدامة، كما انها تحتاج مرجعيات مؤسسية ودستورية ذات قدرة على التعامل مع هذه الخيارات بجدية ومسؤولية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى