حوارات جنيف ستنجح رغم محاولات إفشالها 

 

فقد ( التحالف الدولي ) لما يسمى مكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عنصر المبادرة في مختلف قضايا المنطقة وبخاصة في سورية، وذلك بنتيجة عدة أسباب، من بينها ثبوت عدم جديته في مكافحة الإرهاب ، بل ودعمه له بكل أسبابه ، عسكرياً وتدريباً وتمويلاً وتسليحا وسياسياً وإعلامياً، وهو أمر طبيعي ، فواشنطن واتباعها هم من صنّعوه، منذ الحرب الأفغانية, وأعادوا إنتاجه في المنطقة العربية عبر داعش والنصرة ( الإبنة الشرعية للقاعدة ) وما تولد عنهما من فراخ ، وقبل ذلك بعقود كان إرهاب العصابات الصهيونية من هاتكفاه والأرغون وغيرهما وما ارتكبت من مجازر ضد الشعب العربي الفلسطيني تهون تجاهها النازية والفاشية ومآسي  الحربين العالميتين الأولى والثانية.

لقد أثمرت جدية روسيا الإتحادية وتحالفها الدولي خلال فترة وجيزة في تحقيق انتصارات مهمة على الإرهاب وبخاصة في سورية، حيث تم تنظيف مساحات واسعة من العصابات الإرهابية فيها، بالتزامن مع إنتصارات مماثلة في العراق، ومع تقدم مماثل للتحالف المناهض للتحالف السعودي في اليمن، وللجيش الليبي الشرعي في ليبيا, رغم أن التقدم في اليمن والعراق وليبيا لا يندرج تحت مظلة كل أطراف التحالف الروسي ، لكنه يندرج بمواجهة التحالفات الأمريكية والصديقة لها بالمنطقة.

ويزيد من فشل التحالفات والجهات المعادية لمحور المقاومة والتحالف الروسي؛ الأزمات الإقتصادية التي تمر بها أوروبا، وتراجع مكانة واشنطن وتكشّف مواقفها وتشرذم العواصم التابعة لها, فضلا عن الإختلافات العميقة بين أطراف ما يسمى (المعارضة السورية)، وانتقال الإرهاب إلى داخل العواصم التي طالما صنّعته أو دعمته، والغباءات المفرطة للجماعات الإرهابية التكفيرية الوهابية الإخوانية المذهبية في تعاملها مع البيئات المحلية التي وقعت تحت سيطرتها، وفي المواجهات الدموية التي نشبت فيما بينها في غير ساحة صراع حتى اللحظة ، وأخيرها في جرود عرسال والقلمون بين النصرة وداعش.

لهذه الأسباب مجتمعة أصبحت الأمم المتحدة وواشنطن والعواصم الأوروبية الرئيسة ، غير قادرة على تقديم رؤية مقبولة ممكنة علنية بديلة ، لما يطرحه التحالف الروسي،  ليس لأن التحالف الأمريكي قد تخلى عن شركائه التابعين في الإقليم وعن العصابات الإرهابية, ولكن لأن هؤلاء الشركاء والعصابات بعد 5 سنوات من الحرب والدعم ، لم يقدروا على تحقيق انتصارات حاسمة ، بل فقدوا حواضن شعبية واسعة ظنت لبعض وقت أنهم بديل أفضل للدولة الوطنية السورية، ولم يكسبوا حليفاً جديداً سواء كان إقليمياً أو دولياً ، بل قدموا صورة بائسة جعلت أطرافاً عديدة تتخلى عنهم بالكامل أو لم تعد متحمسة لهم ، فضلاً عما أحدثوا من دمار هائل للبنى التحتية والمعالم الحضارية والضحايا من قتلى وجرحى، ولنقلهم إرهابهم الى عواصم داعميهم.

وتستكمل الجماعات التابعة (المعارضة) فشلها الذريع المتتالي سياسيا وعلى الأرض، باشتراطات مستحيلة، فمعارضات الفنادق لا تمتلك تعبيرات شعبية أو جغرافية مستدامة على الأرض ، وهي تثير السخرية، أما العصابات الإرهابية فتعاني من هزائم ومن كراهية الشعب السوري لها بفضل ممارساتها القادمة من خارج الزمان والحضارة ، وما بينهم جميعا من اختلافات جوهرية وشكلية معاً .

وسواء حضرت هذه الجماعات والعصابات أو لم تحضر اجتماعات جنيف التي بدأت يوم الجمعة الماضي، سنجد أن اختلافاتها البينية كبيرة جداً، لا تقل عن خلافاتها مع الدولة الوطنية السورية، حيث أنها تابعة لعواصم تعاني من فقدان الحكمة والروية والرؤية الحضارية, ومحكومة بعقلية ثأرية متخلفة وظلاميات تزعم أنها إيمانية ، فيما هي مأزومة بمواريث جهالية غير صديقة لعقل وازنٍ أو دين .

لا بد أن بدء حوارات السوريين فيما بينهم.. دولة وطنية سورية ومعارضة وطنية من الداخل والخارج، قد لا تنتج حلولاً سحرية عاجلة لكل القضايا المطروحة، لكنها ستسهم في توحيد الجهود ضد الإرهاب والفكر التكفيري الجهالي الوهابي- الإخواني، وقد يتوفر المتحاورون على حلول ومراجعات قيمة تساعد على استعادة ألق سورية أو هكذا يفترض، واجتراح حلول توافقية تحفظ لسورية وحدة ترابها الوطني واستقلالها وسيادتها، وتكريس مؤسساتها الوطنية مجتمعة من إدارة وجيش ومقدرات، واستقلالية قرارها السياسي والاقتصادي الخ، وأن يكون الشعب في الجمهورية العربية السورية لا سواه، هو صاحب القول الفصل في انتخاب رئيسه وممثليه في مجلس الشعب, وفي اختيار نظامه السياسي ودستوره الدائم بحرية كاملة.

إن تراجع قدرة الولايات المتحدة ومحورها الدولي والإقليمي, ومعها العصابات الإرهابية والمعارضة التابعة، على التدخل الواسع في الشأن السوري، سيتيح امكانية التوصل الى حلول ناجعة، طالما أن الأطراف المحاورة للدولة  تؤمن بالحوار السياسي, وترفض اللجوء للسلاح وتقاوم الإرهاب, وترفض التبعية وتحسم خياراتها على قاعدة الإنتخاب وصناديق الإقتراع .

يبقى التأكيد على أن خروج سورية من أزمتها ـ التي قادت إليها دول وأطراف خارجية معادية ـ وفق الرؤية آنفة الذكر ، سينعكس إيجابيا على مناطق صراع ساخنة في المنطقة العربية, وفي المقدمة القضية الفلسطينية ولبنان ومن بعد العراق واليمن وليبيا .. ومن هنا (ولأسباب اخرى) تحرص الأطراف المعادية سراً وعلنا  على الحيلولة دون الوصول الى حلول سواء في سورية أو غيرها, رغم زعمها خلاف ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى