بعد إعدام الشيخ النمر .. إلى أين تمضي المنطقة ؟

شكل (الاعتداء) على السفارة السعودية في إيران ، أكثر من فرصة للتصعيد ضد إيران،وشيطنتها، بين قطع للعلاقات من قبل دول هامشية أحياناً، ومدركة بعضها لأهمية الرياض لها على صعيد المساعدات والمنح والاستثمارات ،وبين استدعاء السفراء وإصدار البيانات المستنكرة لما حدث .

لا شك أن الاعتداء على السفارة عمل غير مقبول على صعيد القانون الدولي، وبغض النظر عن حالات مشابهة حدثت لم تقم لها الدنيا أو تقعد، لكن السؤال هل ما حدث كان نتاج قرار إيراني رسمي حتى يواجه بهذا الحجم من الإستنكار والرفض والتهديد بالويل والثبور، أو كان نتاج ردة فعل شعبية هوجاء غير محسوبة تجاه إعدام  الشيخ النمر ؟

من الواضح أن ردة الفعل تجاه الاعتداء على السفارة السعودية كان أكبر من حجمه ونوعه، وقد اتخذت طابعاً رسميا كان من الممكن ضبطها أو تجنب حدوثها،ولم تكن نتاج ردات فعل شارعية من الصعب احتسابها، وشكلت فرصة لتزويق الاختلاف ضد إيران وتسويغ الصراع معها وتأجيجه ، ودعوة لإعادة النظر في الاتفاق النووي معها ، وتصعيداً للحرب ضد اليمن ، وفي الطريق لاحقاً تطوير الصراع ضد المحور الذي تشكل إيران جزءاً مهماً منه ، والذي يعرف بمحور المقاومة .

لا خلاف على أن قضية إعدام النمر ، ( شأن داخلي ) في السعودية ، ولكن هل كلّ شأن داخلي لا علاقة أو لا انعكاسات إيجابية او سلبية له على الخارج ، لقد حذرت إيران السعودية من مغبة اعدام الشيخ النمر ، كما العديد من الهيئآت الدولية التي لا علاقة لها بـ ” سنة ” أو ” شيعة “وبعضها جهات صديقة للسعودية .

لكن السعودية أصرت على تنفيذ حكم الاعدام  بالنمر مع 46 آخرين اتهموا بالإرهاب وليس هناك ما يؤكد أو ينفي هذه الإتهامات وفق المعايير الدولية للإتهام والتحقيق وصدور الأحكام القضائية ، لكن الذي أثار جهات عديدة ودولا كبرى وصغيرة ،هو تنفيذ الإعدام بالشيخ النمر ، باعتبار انه لم يرتكب فعلاً مسلحاً ،  وجل ما عمله هو التعبير سلمياً عن وجهات نظر تتصل بحقوق وحريات عامة تتعلق بالشعب في السعودية.

وحيث أن الشيخ النمر شيعي فقد أثار إعدامه الشيعة على مساحة الكرة الأرضية ، ما شكل الإعدام استفزازا غير مطلوب ولا مرغوب وله انعكاسات سلبية على الاستقرار المجتمعي في الدول والمجتمعات الإسلامية ، وأشغل الجميع في قضايا جانبية ، وحرف البوصلة عن اتجاهاتها الوطنية والقومية والإيمانية الصحيحة .

وحيث أن إيران أعلنت رفضها لحادث الاعتداء وعزمها تقديم المسؤولين عنه الى القضاء ، يفترض أن يتوقف التصعيد، بخاصة وأن السعودية بدأت تعاني منذ فترة، من تداعيات وارتدادات الحرب على اليمن ، الأمر الذي ينذر بنتائج غير ملائمة ، بالتزامن مع عجوز مالية ( بحسب المصادر السعودية ) ذاتها ، وخلافات تحت الرماد بين الأمراء السعوديين ، وتراجع نسبي في العلاقة مع ( الصديقة ) أمريكا ، في حين هي تتوطد مع إسرائيل ، الأمر الذي يثير ردات فعل غير مناسبة للمصالح السعودية حتى لدى المحسوبين عليها ، عدا عن أكلاف الدعم الكبيرة لما يسمى ( المعارضة المعتدلة ) العاملة في سورية والعراق.

إن السعودية التي ارادت بتخفيض أسعار النفط توجيه ضربة لإقتصادات إيران وروسيا وفنزويلا ، المخالفة لسياساتها العامة، مجتمعة ومنفردة بخاصة في سورية ، بدأت ترتد على اوضاعها الإقتصادية هي بأكثر مما ارتدت على خصومها ، فهذه الدول مع اهمية النفط لها ، لها  مصادرها الإقتصادية الأخرى ولها حلفاء أقوياء إقتصاديا، فيما حلفاء السعودية إما هم في حاجة لدعمها فهم عبء عليها، او طامعون ببترولها وأسواقها ، كـ الولايات المتحدة وغرب اوروبا ، هم خطر عليها .

وفي الواقع ليس للسعودية مصلحة في تصعيد الخلافات مع إيران ، التي تتسع دائرة علاقاتها وقوتها متعددة الجوانب ، فيما أضحت مصادر قوة السعودية في تراجع واضح في الخارج والداخل ، بدخولها في أكثر من دائرة صراع ، وهو ما أضحت تعاني من ارتداداته .

لقد كان ممكنا تحاشي إعدام الشيخ النمر، وكان من الممكن الإبقاء عليه حياً بل وإكرامه ، وأن يكون مصدر قوة لها لا مصدر ضعف ، وعنوان حسن نوايا ومصالحات واسعة تبعد عنها مخاطر هي والمنطقة في غنى عنها ، وبخاصة في الظروف الراهنة محلياً وإقليمياً .. وبهذا المعنى فقد كان تنفيذ حكم الإعدام ، ليس صائباً ولا حكيماً، قد يجر السعودية والمنطقة إلى احترابات جديدة أشد قسوة وعنفاً وأكثر تخريباً ودماراً ، ودخولها إلى مناطق جديدة ، كانت تظن نفسها في منأى عنه ، باعتبارها مصدرة وحامية له.

إن ما نقله فلكيون عن أحوال المنطقة، وقد أدمجوا تنبؤاتهم برغباتهم وقراءآتهم السياسية ، يثير قلقاً بالغاً ، ويعطي نتائج متشابهة إلى حد بعيد رغم تضارب مصادرها وتعددها وتباين نتائجها التفصيلية، من حيث كونها شيئا كضرب الخيال والجنون وغير المعقول ولا المأمول في آن ، لكنها تجمع على حدوث كوارث ونكبات وزوال أنظمة وخرائط جديدة, ما يستدعي الحكمة قبل الإقبال على أي تصرفات قد تودي بأصحابها إلى التهلكة.

بكلمات، ينتظر أعداء المنطقة دخولها مجدداً في حروب لا تبقي ، كـ حرب البسوس ومعركة الجمل وما أشبه ، بعد أن جربوا هم لقرون حروباً أدمتهم كثيرا كـ حرب ألـ 200 عام وألـ 70 عاماً ، والعالميتين الأولى والثانية ، لكنها حروب لم تنفع غيرهم ، كحروبنا القائمة والمنتظرة ، بل أعطتهم دروسا في توريط الآخرين ، بمثلها ، وكانت أمتنا وما تزال الضحية الأولى لحروبهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى