الموضوع فيه ” إنّ ” وما أدراك ما ” إنّ “

 

يقال: إنّ..

الخلق اجتمعوا كلهم ليشكلوا حشدا يعقدون به مؤتمرا لمحاربة الإرهاب. دهشت للوهلة الأولى. ثم تساءلت: كيف يحارب الإرهاب من يدعم الإرهاب، وساهم عبر سنين طويلة في تغذية منابعه حتى بات سرطانا ينهش في روح الأمة؟ حين ننظر إلى خريطة العالم العربي، نرى الدماء تغطي كل وجوه المساحات؛ ليبيا، تونس، مصر، السودان، الصومال، اليمن، العراق، سورية.. هل هو قدرها، أن تخطط أمريكا والصهيونية منذ ما يقارب العشرين عاما، لتفتيتها، ولم يعدموا الوسائل لتنفيذ أهدافهم الإجرامية. والأكثر قبحا، أن وسائلهم كانت من الذين يدّعون العروبة، فخلقوا الإرهابيين والخونة من شتى بقاع الأرض، و( فتّوا ) عليهم من الأموال ما يكفي لإطعام كل جائعي الكرة الأرضية.

نعود قليلا لموضوع” إنّ ” دون أخواتها. وقد حدثني صديق بها ، إذ قال:

كان في مدينة حلب أمير اسمه علي بن منقذ، وكان تابعا للملك محمود بن مرداس. وقد حدث بينهما خلاف. أدرك الأمير أن الملك يريد به شرا، فهرب إلى مدينة دمشق. عندئذ، طلب الملك من كاتبه أن يكتب رسالة إلى الأمير علي بن منقذ يطمئنه ويستدعيه للرجوع إلى حلب بكل أمان. وكانت وظيفة كاتب الملك تُمنَح عادة لشخص بليغ فصيح اللسان، يحسن صياغة الرسائل، بل قيل إنه أحيانا يصير ملكا إذا مات الملك ولم يكن له وريث. شعر الكاتب بأن الملك يريد شرا بالأمير الذي كانت تربطه به علاقة حسنة. فكتب رسالة عادية، لكنه ختمها  بعبارة:” إنّ شاء الله تعالى” بتشديد النون.

قرأ الأمير الرسالة، وتوقف متعجبا عند نهاية الجملة. فهو يعرف بلاغة الكاتب ومهارته في اللغة العربية، فأدرك أن الكاتب يريد أن يحذره من أمر ما وذلك بتشديد حرف النون. ففطن إلى قوله تعالى:” إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك “. فردّ الأمير جوابه برسالة عادية يشكر فيها الملك لثقته به، وختمها بعبارة: “أنّا الخادم المُقِرُّ بالإنعام” بتشديد نون أنا.

فلما قرأها الكاتب، فطن إلى أن الأمير ابن منقذ قد تنبّه إلى تحذيره المبطّن، وأنه يرُدّ بقوله تعالى” إنّا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها”.

إذا الموضوع فيه”إنّ”. فالمجتمعون  بشأن مكافحة الإرهاب ينوون شرّا بسورية. سورية العظيمة التي صمدت خمس سنوات تحت نار جهنم، وشرورهم وتآمرهم، ولم يستطيعوا أن ينالوا منها، يحملون شعارا واحدا وهو تنحي الرئيس(الدكتاتوري) عن الحكم، ودمروا سورية تحت هذا الشعار القميء، وكأنهم كلهم ينعمون بالديمقراطية، وتنعم شعوبهم بالحرية وحقوقها، والأنكى من ذلك أن تركيا، وهي ضمن هذا الحلف، تطالب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، والمعارضة تريد وضع حد للإرهاب وهي التي استنفدت كل وسائلها لتدمير بلدها سورية. أزقة ملتوية يتوهون فيها، ولا يدرون أي زقاق يقودهم إلى مبتغاهم. ولن يصلوا أبدا، “وعيش يا جديش”، فالجيش العربي السوري البطل لهم بالمرصاد، والشعب السوري الصامد يرى الضوء الساطع في نهاية هذا النفق .

هم أنفسهم تآمروا على العراق، البلد الجميل، بكل كبريائه وبهائه، وجلبوا لتدميره كل بهائم الدنيا، وكبّوا أموالهم على من يدمر أكثر. ودعموا بوش وبلير في حلم أساطيرهم. واليمن السعيد أصبح حزينا بعد أن صبوا حقدهم  وبطولاتهم الوهمية للفتك بهذا الشعب المسالم ذي التاريخ العريق. وما زال فأر الحقد يلعب في عبّهم تجاه سورية، فروسيا، بقائدها العظيم بوتين، دخلت على الخط لتبعثر مخططاتهم وتمحو أحلامهم الوهمية إلى غير رجعة.

وهات يا مؤتمرات..

هي استكمال الحرب على سورية، وليس مكافحة الإرهاب، لأنهم هم أنفسهم، بكل ما يملكون من عقليات متخلفة تآمرية، إرهابيون. فكل بلد عربي سالت فيه دماء عربية، لن ينسى أفعالهم، وسيرتد الإرهاب، ذات يوم ليس ببعيد، عليهم.

لم يبق إلا القليل، وستعود سورية جميلة كما كانت، ويبني أبناؤها ما دمرته الحرب القذرة. وسيذهب أبناء الأمة في”سيران” إلى المدن السورية، ويكتب التاريخ في صفحاته الخالدة أن مرّ غزاة وغزاة على هذا البلد، وكلهم أضحوا في مزابل التاريخ، وأن الذين يخونون أوطانهم، والذين يخونون أمتهم، ستأكلهم الكلاب جيفا.

سورية ستنتصر، بإرادة أهلها، وبالالتحام الحميم بين القيادة والجيش والشعب.

تقول الأديبة السورية غادة السمان:

“أعرف أنني مهما ركبت من طائرات وقطعت من محيطات ورقصت بين القارات، ما زلت أتسكع في الزقاق الشامي الذي ولدتُ فيه جيئةً وذهاباً منذ طفولتي وحتى أموت…

ومهما اغتسلت في مياه التايمز والدانوب والسين والميسيسيبي والراين، لا تزال مياه بردى تبللني وحدها ولا تجف عني..أعرف أنني أينما كنت، ما زلت في بيتي الدمشقي تحت ظل عينيك يا حبيبي الوحيد، يا زين الشباب، يا قاسيون الأبد”…

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى