“التدويل”، استراتيجية وفشلت…فماذا بعد؟!

لم يك علينا أن ننجِّم ولا أن نضرب في الودع عندما حكمنا سلفاً على مآل ما تدعى ب”استراتيجية التدويل”، وحينما قلنا أن اللجوء الأوسلوي للأمم المتحدة المحكوم بذات السياقات المرتكزة على وهم استثارة نخوة ما يدعى “المجتمع الدولي”، لايعدو هروباً فاشلاً من تداعيات موضوعية لخيارات تسووية تصفوية هى ليست فاشلة اصلاً فحسب، وإنما أقل ما يقال فيها أنها كارثية ومُدمِّرة بالنسبة لأعدل قضية عرفتها الإنسانية وخذلتها هذه الأمم اللامتحدة.هاهو صاحب هذه الاستراتيجية يقول مثل هذا بنفسه دون أن يقصد ما قلناه وهو يلقي بكلمة فلسطين من على منبرها، حين ذكَّر، حيث لاتنفع الذكرى، بأن قضيتها هى “من أولى القضايا التي طرحت على الأمم المتحدة ولكنها لم تحل حتى الآن”.
لاداعي للتذكير بأن هذه الهيئة الدولية هى بذاتها من شرَّعت عملية اغتصاب فلسطين وكرَّست جريمة نكبتها المستمرة عندما اعترفت بالكيان الصهيوني ورفعت علمه إلى جانب اعلامها بعيد افتعاله، ومن ابتلع ارشيفها عشرات القرارات التي اصدرتها بشأن الحقوق الفلسطينية المستباحة لتتآكل جميعها تحت طبقة من غبار الزمن ولم يُنفَّذ ولو واحد منها. واليوم، وبعد كل ماتلى من عقود، إذ تتكرَّم علينا ب”لفتة سلمية”، وفق توصيف أبومازن لرمزية رفع العلم الفلسطيني على سارياتها، فإن هذا المشهد المرحَّب به، رغم أنه لايتعدى كونه معنوياً ولايسمن ولايغني من جوع عملياً، لن يحجب حقيقةً بدت ساطعةً أكثر من أي وقت مضى في هذه الدورة بالذات للجمعية العامة للأمم المتحدة، مفادها أن كل المآسي الفلسطينية مهما عظُمت وامتدت، مثلها مثل عدالة القضية ومنذ أن كانت، لن تحرِّك شعرة واحدة في بدن عالم يستبدل ضميره دائماً بمصالحه، مادام الواقعين المزريين العربي والفلسطيني على ما هما عليه راهناً.
إنها حقيقة تقول، إنه في غياب التزام قومي بقضية الأمة المركزية في فلسطين أولاً، وغياب استراتيجية نضالية وطنية ترتكز الى برنامج اجماع وطني مقاوم، الحائل دونها نهج انعدام البدائل لصالح خيار”المفاوضات حياة”، ثانياً، اضف اليهما انشغال الأمة بلعق جراحها المتكاثرة وانشغال انظمتها بتغييبها، وتراجع القضية إلى آخر ما تحفل به قائمة قطرياتها، يصبح من العبث مواصلة المراهنة على العدالة الدولية ومضيعة للوقت وللحقوق محاولة اللجوء لفيئها…
في هذه الدورة بالذات، بدا عياناً أن هذه القضية لم تعد على جدول اعمال الأمم، ذلك ببساطة لأنها لم تعد كذلك بالنسبة لركام النظام العربي، ولانعدام البدائل لدى الأوسلويين فلسطينيين وعرباً، وتناسي من يدسون رؤوسهم في تراب التسويات أن من يتم اللجوء لعدالتهم الغائبة لم يعترفوا بعدالة القضية إلا وأهلها يقاومون ولا يساومون، وحيث كان قومها يعتبرونها قضية قضاياهم. وعليه، ما الغرابة في أن يتناسوها بعد أن ساوم عليها اوسلويوها وتناساها عربها؟! لقد كان من المضحك المبكي، مثلاً، أن من هؤلاء من صُدموا لتجاهل اوباما في كلمته امام الجمعية العامة كلياً للقضية الفلسطينية، بل ولاموه ولم يلوموا انفسهم!!!
سبق الانعقاد شبه البروتوكولي الصاخب للدورة شبه الفلكلورية للدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتتالى بالتزامن معه ثم تلاه كل هذا الذي يجري في القدس من تهويد وتفريغ لها من اهلها واستفراد بمن صمد مرابطاً فيها، وتتابع فيها خطى لتطبيع ممنهج ومدروس لاحلال واقع جديد يتجلى في وضع اليد تدريجياً على الأقصى والبدء عملياً في تقسيمه زمانياً ومكانياً، عبر غارات قمعية متلاحقة تسبق اجتياحات قطعان غلاتهم لحمايتهم، وكله تنفيذا لسياسة مرصودة منذ سنين ويتم الآن تطبيقها بتسارع قياسي يستغل ظرفاً مناسباً يتيحه الواقعان الأبئسان العربي والفلسطيني اللذين تمت الإشارة اليهما، إلى جانب مستمر الحصار الإبادي الرهيب المضروب صهيونياً والمردوف عربياً ويتم الآن تعزيزه مائياً على غزة، هذه التي تضم الآن بعد الحرب الأخيرة عليها نصف مليون مهجَّر من مجموع مليون وثمانماية غالبيتهم لجأت إثر النكبة إلى محشرها، وتتعرض الآن للغارات الليلية، وكانت تقارير الأمم المتحدة، ما سواها، قد اعلنتها مكاناً لم يعد صالحاً للعيش بعد خمسة اعوام.
…وبالتوازي معه، لم تجد سلطة “اوسلو ستان”، التي باتت امتداد موضوعي للاحتلال، بلغ حد أن لايتورع امنها الوقائي الدايتوني من الانهيال ضرباً على طفل تظاهر في بيت لحم نصرةً للقدس، في جعبتها سوى اللجوء إلى معتاد التسريبات المقصودة ذات الهدف التحذيري للمحتلين والتخديري للمواطنين، وإثبات وجود ولو بفرقعة بلا طحن، عبر سيل من التكهنات حول تصريح سبق لرئيسها قال فيه أن لديه قنبلة سوف يفجِّرها من على منبر الأمم المتحدة لم يكشف حينها عن ماهيتها. إذ انهالت التفسيرات لكُنه هذه القنبلة، الذي تم ابلاغ الصهاينة به سلفاً، وفقما سُرِّب عن لقاء تم في مكتب المنسِّق المدني للسلطة حسين الشيخ، حضره من الجانب الصهيوني مئير شطريت والأوسلوي رئيس الحكومة الحمدلله. في هذا السيل تبارى المقرَّبون، من اعلان “فلسطين دولة تحت الاحتلال”، إلى حل السلطة، وايقاف العمل باتفاقات اوسلو، مروراً بإيقاف التنسيق الأمني…لكنما مصير هذه القنبلة لم يختلف بعد انعقاد الجمعية العامة عن مصير رفع الدعوى المتعلقة بجريمة حرق عائلة الدوابشة إلى محكمة الجنايات الدولية، إذ انتهى إلى تسريب لاحق بأن جون كيري هو من منع ابومازن “من تحديد سقف زمني لتهديداته”، وبالتالي وحده يتحمل مسؤلية تحويل قنبلة الأخير إلى صوتية…وعليه، ومالذي يمنع نتنياهو من موالاة عربدته التهويدية؟؟!!
لانجد جواباً إلا لدى المرابطين والمرابطات في القدس وفدائيي عملية نابلس الأخيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى