ديمقراطية الخنازير

تحدوني رغبة بين الفينة وأختها، للعودة لقراءة رائعة جورج أورويل ” مزرعة الحيوان ” التي صدرت عام 1945 في بريطانيا. لقد طغى الإنسان وبغى، وما عاد بمقدور الحيوانات في المزرعة أن تتحمل قسوة البشر جراء السياط الذي يهدد حياتها. هل شعرت حقا بهذا الظلم، أم بدأ الشعور بالظلم بعد أن استدعاها العجوز الخنزير ميجر، الملقب بالحكيم العجوز، للاجتماع في الحظيرة ليلقي خطبته قبل وفاته، ويقول بأن بؤسهم وشقاءهم سببهما الإنسان، ولا سبيل لنيل حريتهم إلا بالثورة عليه، والتخلص منه.

يقول: هل بلدنا فقير فقرا مدقعا حتى لا يستطيع أن يمنح للذين يقيمون فيه حياة كريمة ولائقة؟ كلا أيها الرفاق.. خصبة أرض إنجلترا وملائم مناخها. من الممكن تغذية عدد من الحيوانات بوفرة أكثر بكثير من الذين يعيشون هنا. هذه المزرعة وحدها يمكن أن تلبي حاجيات دزينة من الأحصنة، وعشرين بقرة، ومئة خروف، كلهم يمكن أن يعيشوا في رفاهية الحياة الكريمة. المشكلة هي أننا غير قادرين على تخيل شيء مثل هذا. لكن بما أن هذه هي الحقيقة المحزنة، لماذا نحن دائما خاملون في وضعية تثير الشفقة؟ لأن الإنسان يسرق كل نتاج عملنا، أو جلّه. أيها الرفاق، هنا يوجد الجواب عن مشاكلنا. كل شيء قائم في كلمة واحدة: الإنسان. لأن الإنسان هو وحده عدونا الحقيقي. لنعمل على إزالته، وهكذا نستأصل جذر الشر… ينبغي أن نعمل نهارا وليلا، جسدا وروحا، لإسقاط الجنس البشري، هذه هي رسالتي، أيها الرفاق. لنقم بثورتنا!.. لكن قبل كل شيء، بلّغوا قناعاتي لمن سيأتون بعدكم حتى تتابع الأجيال القادمة النضال حتى النصر النهائي.. لا تنصتوا لمن يقول لكم إن هناك مصالح مشتركة تجمع بين الإنسان والحيوان(نبوءة تحققت حين طغى الثوار ووضعوا أيديهم في يد الإنسان لتحقيق المصالح المشتركة)، هذه مجرد أكاذيب… ثم علمهم النشيد الوطني الذي حلم به بعنوان”حيوانات إنجلترا”. ووضع لهم الدستور الجديد لمزرعة الحيوان والتي كانت تسمى مزرعة القصر. وعلق الدستور على جدار الحظيرة: كل من يسير على قدمين هو عدو، كل من يسير على أربعة أقدام وكل طائر هو صديق، يمنع على الحيوانات ارتداء الملابس، يمنع على الحيوان النوم فوق سرير، يمنع على الحيوان شرب الخمر، يمنع على الحيوان قتل حيوان آخر، ثم، كل الحيوان متساوية.

وتمر الأيام والحيوانات تكدح وتتعب، لأجل توفير لقمة عيشها، بعد أن طُرد صاحب المزرعة جونز، واستولت على قصره، ولأول مرة تشعر بأن لها كرامة تنسيها كل الشقاء. لكن مع مرور السنين، لاحظت الحيوانات أمورا غريبة تحدث في المزرعة، إذ بدأت تشعر بطغيان الخنازير الذين قادوا الثورة،(الثورة بدأت تأكل أبناءها) والذين وضعوا الكلاب الضخمة الشرسة لتحميهم من غدر مواطنيهم. ورجع السوط في أيدي كبار الخنازير، بالإضافة إلى البندقية. لكن الحيوانات صبرت، فإحساسها بكرامتها كان كبيرا بالإضافة إلى الامتياز في كونها أعضاء في مزرعة الحيوان، وهي المزرعة الوحيدة في جميع أرجاء إنجلترا التي تمتلكها وتديرها الحيوانات.

ثم بعد حين تغير الدستور، إذ لاحظت الحيوانات أن كل يوم يجري إضافة عبارة على العبارات الموضوعة على الدستور المثبت على الجدار. وأكثر ما فاجأها حين وجدت الخنازير تمشي على قوائمها الخلفية بكبرياء، فانفجرت الخراف بثغاء عظيم:” الخير في الأقدام الأربعة، والخير الأكثر في القدمين..”. الفرس المهرة”كلوفر” وقد بدأت تشيخ، تسأل الحمار الفيلسوف” بنيامين” هل الوصايا السبع ما زالت على حالها يا بنيامين؟

يحظر على الحيوانات شرب الخمر، ولاحظوا أن كلمتين أضيفتا : حتى الثمالة. إذ بدأت الخنازير والكلاب يقيمون الحفلات داخل القصر، برفقة سماسرة بشر، ويسكرون من صناديق الويسكي التي ملأت أقبية القصر. وابتدؤوا يلبسون ملابس البشر. وأصبح نابليون، الخنزير المسؤول، يقيم في البيت الذي يضم جناحا خاصا به، ويقوم على خدمته كلبان، وأصبح يتناول وجباته وحيدا في الأواني الخزفية.. وأعلن أن دفعة من الرصاص ستطلق من بندقيته للاحتفال بعيد ميلاده. وأحد بنود الدستور يقول: يحظر على حيوان قتل حيوان آخر، أضيفت لها عبارة”من دون سبب معقول”.. وابتدأت الخنازير تنام على الأسرة في القصر. حتى فوجئت الحيوانات في النهاية بآخر تعديل على الدستور، جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها. وتغير اسم المزرعة من مزرعة الحيوان ليعود كما في السابق مزرعة القصر.

في نهاية الرواية المثيرة التي سالت فيها دماء كثيرة من الحيوانات بعد أن طغى رجال الثورة(الخنازير)، وتم ذبح وقتل الكثير من الحيوانات بتهمة الخيانة للثورة، تلصصت الحيوانات عبر نوافذ القصر لمشاهدة احتفال كبير يجمع السيد بيلنغتون صاحب المزرعة المجاورة ونابليون(الخنزير) زعيم الثورة، يلعبان الورق،وحولهما حاشية كلا الجانبين. “كانت هناك مشاجرة جارية، كان هناك صراخ، وضرب شديد على المائدة، ونظرات شك حادة، ورفض وإنكار في اهتياج، وظهر أن أصل المشكلة وهو أن كلا من نابليون والسيد بيلنغتون قد لعبا ورقة “الآس” في وقت واحد”..

” لا حاجة للسؤال الآن، عما حدث لوجوه الخنازير، وتتطلع الكائنات(الحيوانات) في الخارج إليهم، وتنقل نظراتها من خنزير إلى إنسان، ومن إنسان إلى خنزير، ثم من جديد من خنزير إلى إنسان. لكن أصبح من المستحيل التمييز بين الإنسان والخنزير..).

والآن، إذا نظرنا حولنا، نتساءل بعد أن طغى الإنسان وبغى: هل تصلح هذه الرواية لكل زمان ومكان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى