حقوق الانسان الاردني تتجلى في التطبيق وليس في التقارير

مؤخراً، اصدر المركز الوطني لحقوق الانسان تقريره السنوي حول اوضاع حقوق الانسان في الاردن للعام 2014، حيث تضمن التقرير محاور اساسية، واشتمل على فصول وابواب تناولت الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، مغطياً بذلك مختلف جوانب الحياة الاردنية، والحياة العامة، والحياة التشريعية، وواقع السجون والمساجين والحجز الاداري ودور الحكام الاداريين.
كما تناول التقرير – وهو السنوي الثالث الذي يصدر عن هذا المركز – عرضاً لموضوع الحريات، وخصوصاً حرية التعبير، وحرية الصحافة وحق الوصول الى المعلومة، كما تناول ايضاً التعليم العالي والتعليم الالزامي في الاردن، واهم المشكلات التي يجب ان تعالج على المستوى الوطني في هذا القطاع.
وقبل استعراض ردود الفعل على التقرير، لا بد من الاشارة الى ان عمليات رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان، تعتبر عالمياً احدى الادوات الرئيسة التي تتبعها المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان في مراقبة حالة هذه الحقوق في اي بلد، مع مراعاة ان ترتكز تلك العمليات على الشفافية والموضوعية والمصداقية اثناء المراقبة.
ورغم هذا التعريف البراق، فان بعض الدول الكبرى توظف تقارير حالة حقوق الانسان في بلد ما لخدمة اهدافها في الهيمنة والسيطرة وفرض سطوتها على غيرها، ومن اجل الوصول الى هذه الغاية توظف تلك الدول مراكز ومؤسسات محلية تتبع لها وتكلفها باعداد دراسات وتقارير تؤشر على وجود تجاوزات واعتداءات على حقوق الانسان في الموضوع المدروس بالبلد المستهدف، بحيث تتخذ من تلك التقارير ”الملغومة” ذريعة لتدس انفها في شؤون ذلك البلد، معللة هذه الخطوة بالانتصار للضحايا وحمايتهم من عسف سلطات بلادهم، ثم تمعن في وضع الاشتراطات واصدار التعليمات الى السلطات المستهدفة لمجرد وعد بمنحها صك براءة وشهادة حسن سلوك، تعطيها لها جزئياً ومرحلياً، وكلما استجابت تلك السلطات للتعليمات والاشتراطات فعملت بها او نفذت بعضها، كلما امعنت الجهة الآمرة في غلوائها وتسلطها، فيصبح المستهدف يدور في حلقة مفرغة بلا بداية او نهاية، وهو امر يتطلب من مواطني البلد المستهدف عدم الانجرار وراء هذه ”البروبوغاندا” وادراك اهدافها ومراميها، والعمل على افشالها حماية لانفسهم ومجتمعهم وبلدهم من المخططات التآمرية التي تحاك ضدهم في الخارج بأدوات من الداخل.
هذا الرأي اكده المفوض العام لحقوق الانسان في المركز الوطني لحقوق الانسان الدكتور موسى بريزات، حيث قال في حوار شامل اجراه معه ”منتدى الدستور للفكر والحوار” ان التقارير الدولية سمتها – الى حد ما – البحث عن النصف الفارغ من الكأس، وتحمل جرعة سياسية، ومن ذلك على سبيل المثال ان تقارير منظمات الامم المتحدة والمفوضية السامية تخفف التعابير القانونية الملزمة لاسرائيل.
وقبل الخوض في الآراء التي تناولت التقرير بالانتقاد، واخذت عليه لغته الدبلوماسية، لا بد من التذكير ان الاردن بحسب تصنيف ثلاث مؤسسات مجتمع دولية هي معهد كاتو، ومعهد فريز، ومعهد الليبراليين التابع لمؤسسة فريد ريتش نومان للحرية- قد احتل في تقرير صدر منتصف الشهر الماضي المرتبة الاولى عربياً بحقوق الانسان، والمرتبة 87 عالمياً.
وتأتي اهمية هذا التصنيف من كونه صدر عن معاهد تعتمد معايير واسس صارمة، وليس من حكومات قد تتحكم بمعاييرها العلاقات الدبلوماسية والثنائية، وذلك رغم ان الاردن يقع في منطقة يرى المحللون الاستراتيجيون انها مقبلة على عدد من المتغيرات، اهمها استمرار الحروب الاهلية الداخلية، وخطر التقسيم جراء الحروب الطائفية والعرقية، وتعاظم مشكلة اللاجئين والنازحين، وتسلل المجموعات الارهابية والمتطرفة الى الدول التي تجري فيها النزاعات.
هذا الوضع اوضحه وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية الدكتور خالد الكلالدة حين قال – في كلمة القاها مندوباً عن رئيس الوزراء في مؤتمر : ”الاردن في بيئة اقليمية متغيرة – سيناريوهات المرحلة المقبلة” ان بروز ظاهرة تسلل التيارات والمجموعات الارهابية والمتطرفة في الدول المحيطة، ادى الى تردي الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية في تلك الدول، واضعف الانتماء الوطني فيها، وادى الى بروز الولاءات الدينية الضيقة والطائفية والاقليمية، ما ادى الى تسخير امكانات تلك الدول نحو قطاع الامن والتسلح على حساب القطاعات الاقتصادية التي تراجعت بشكل كبير بدل ان تكون عامل دعم.
وقد تقاطع رأي الكلالدة مع ما تضمنته كلمة النائب هيثم ابو خديجة نائب رئيس جامعة العلوم التطبيقية الذي قال امام المؤتمرين ”ان الاردن أملت عليه الجغرافيا ان يكون في دائرة الازمات المحيطة، وان الاجندة الاردنية حافلة بالمهمات والتحديات التي تبدأ بمعالجة التحدي الاقتصادي، ولا تنتهي بتعزيز مسارات الاصلاح السياسي، مروراً في الاصلاح الشامل في مختلف مناحي الحياة.
وبما ان الاصلاح بعناوينه المتعددة يضخ نتائجه في مجرى حقوق الانسان، وتصب آلياته في قنواته، فلا بد من التطرق الى ما قاله الدكتور مروان المعشر نائب رئيس الوزراء الاسبق في ندوة حوارية انعقدت مؤخراً في ديوان عشيرة التل بمدينة اربد حيث قال حين تطرق الى الاصلاح الاقتصادي : ان اقتصاد الاردن ريعي يعتمد على المساعدات الخارجية والضرائب، واننا وصلنا اعلى سقوفنا في هذا المجال، وان المديونية بلغت %85 من نسبة الناتج القومي، وهي بتزايد مستمر، وان العجز في الموازنة لم ينزل نقطة واحدة، بل يزداد كل عام، وان الاحصاءات الرسمية تشير الى ان البطالة لكافة الفئات العمرية بلغت %13، في حين بلغت بين الشباب نحو 33%، مؤكداً ان الاصلاح الاقتصادي لم يعالج التشوهات في الاقتصاد الاردني، لانه لا يمكن ان يكون هناك اصلاح اقتصادي دون ان يرافقه اصلاح سياسي.
وقد تقاطع كلام المعشر مع مضمون بيان صدر عن حزب جبهة العمل الاسلامي مؤخراً، متهماً الحكومة بتعطيل ادوات الحوار الجاد مع القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، ومؤكداً انها لم تلبّ مطالب الاحزاب والقوى السياسية في القوانين الناظمة للحياة السياسية، لا سيما القوانين المتعلقة بالاحزاب والبلديات واللامركزية، ما يؤكد غياب الارادة السياسية في احداث اصلاحات حقيقية تلبي طموحات الشعب الاردني، وتخرج البلاد من الازمات المتعددة التي تعيشها.
وبالعودة الى التقرير مدار هذا التحليل فقد اكد مراقبون انه صيغ بلغة ناعمة وحذرة، واستخدام تعبيرات دبلوماسية في وصفه لاوضاع حقوق الانسان في الاردن، وانتقدوا توضيح المفوض العام في المركز د. موسى بريزات الذي عقب على هذا الاتهام بالقول : ”من الصعب اطلاق توصيف محدد، لان ذلك سيثير ضجة” ما يعني ان اوضاع الاقليم ومخرجاتها كانت في ذهن العاكفين على اعداد التقرير ولذلك جاء ناعماً وحذراً وديبلوماسياً.
وقالوا ان التقرير – خلافاً لتقارير المنظمات الدولية التي تصنف الدول وفق حزمة معايير محددة، وتمنح الدرجات على اساسها- قد تجنب اصدار حكم قطعي حول مستوى الحريات في الاردن، وترك الباب مفتوحاً امام المختصين لوضع العلامة التي يرونها مناسبة بعد قراءة التقرير، ورغم الحرص على تجنب توجيه الانتقادات الحادة لم يجد كاتبو التقرير مفراً من القول : ”ان تشريعات مثل منع الارهاب والحق في الحصول على المعلومات، وحماية وثائق واسرار الدولة، قد ذهبت بعيداً في اغفال شروط حماية حرية التعبير والرأي، داعين الى مقاربة جديدة لحماية ”الحق في الحرية والامن”، مقرّين بوجود تطورات سلبية طالت حرية التعبير في البلاد، وداعين الى سن قانون واضح يحدد معالم الطريق لاصحاب الحق في حرية التعبير والرأي من حيث اين تبدأ مسؤولية الالتزام باعتبارات الامن وماهية الافعال التي تمثل تهديداً للامن الوطني، وتلك التي تعتبر من مستلزمات حرية التعبير.
وقال المراقبون من الواضح ان المركز لا يريد في تقريره استفزاز السلطات او الضغط عليها، لانه يتفهم بواعث القلق العام من تنامي خطر الجماعات الارهابية، وحاول عبر مقاربة ”الحق في الحرية والامن” التذكير بخطورة ترجيح كفة الامن على حساب الحرية.
اما ابرز توصيات المجلس التي اثارت جدلاً لدى المراقبين، فهي توصيته بالغاء عقوبة الاعدام، واعتبروها سقطة قانونية وشرعية، لان هذه العقوبة سطرها الله عز وجل في كتابه الحكيم بقوله : (.. ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون)، وقوله ايضاً (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى..) وقد فرضت هذه العقوبة لردع المعتدين، وكي تستمر الحياة ويتم الحفاظ على ارواح الناس وحقوقهم، في حين ان تعطيلها او التراخي في تطبيقها او الغائها سيؤدي الى تمادي الناس في الاعتداء على ارواح الاخرين لأتفه الاسباب، ما سيرفع من معدلات جرائم القتل، وما يؤدي في النهاية الى اراقة دماء بريئة، ثم فقدان الامن في المجتمع، ما يعني ان المركز بهذه التوصية يكون قد تجاوز على حقوق اشخاص آخرين بدلاً من حمايتها والدفاع عنها.
وقال المراقبون تعقيباً على هذه الدعوة، نحن في امس الحاجة الى تغليظ العقوبات من اجل الحفاظ على سلم المجتمع وامنه، في حين ان المركز في توصيته غير القانونية وغير الشرعية هذه جامل منظمات حقوقية ودولية ودولاً اممية، معتبرين ان مطالبته لا بد من التراجع عنها.
وبعيداً عن الانتقاد، فقد تضمنت صفحات التقرير العديد من المطالبات والتوصيات الايجابية، ومن ذلك الاسراع في وتيرة الاصلاح السياسي والاجتماعي، والعمل على رفع درجة وعي المواطن حول حقوقه وواجباته، وتعزيز قدرات المؤسسات المعنية بانفاذ القانون، وتوسيع وتعميق الشراكة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني.
كما طالب بحرية العمل الحزبي البرامجي، وبناء الاعلام الحر المستقل المهني، وضمان استقلالية القضاء وسيادة القانون، والاهتمام بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وعلى الرغم من كل ما قيل وسيقال حول اوضاع حقوق الانسان الاردني، سواء أكان قولاً ايجابياً او سلبياً، فانه وكل التوصيات والدعوات والندوات والمؤتمرات ستظل حبراً على ورق، ما لم تتوفر الارادة الرسمية الفاعلة لتطوير هذه الحقوق وحمايتها، وما عدا ذلك هو كلام انشائي للاستهلاك الاعلامي، واستعراض الخطط والاستراتيجيات امام الكاميرات، ثم تؤول الى الحفظ في الادراج، وتلفها غياهب النسيان.
وختاماً : طالما ان المواطن لم يلمس تطوراً وتحسناً بحقه في التعليم والعمل والصحة والسكن والبيئة النظيفة والمعيشة اللائقة، وعدم تجاوز اي كان على دوره امام شباك دائرة حكومية، والعثور على وسيلة نقل توصله الى منزله دون معاناة، والحصول على العلاج اللازم من اقرب مركز طبي او مستشفى دون ان يسكب ماء وجهه، طالما كل ذلك لم يحصل، فان مجمل ما يحدث وسيحدث في هذا السياق هو مضيعة للوقت والجهد والمال، ولا شك ان الوطن والمواطن في غنى عنه !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى