مشروع قانون الانتخاب الجديد

 

ارتبطت فكرة الانتخابات بمفهوم الحكومة التمثيلية التي تستوجب الأخذ بالديمقراطية التي يختار بموجبها الأفراد الحكومة التي ستتولى حكمهم .

و الانتخاب هو أُسلوب الديمقراطية الحديثة المنظم لعملية اختبار الحكام من قبل المحكومين .

إن أيّ قانون انتخاب حتى يكون مقنعاً يحب أن يتصف بحق التمثيل لشرائح المجتمع بشكل عادل ، وأن يحقق العيش المشترك للجميع ،وأن يكون قانون التسوية و توازن في الحكم . وأن قانون النسبية هو الأقرب للعدالة . فهل جاءَ مشروع القانون الذي أعلنت عنه الحكومة في 31/8/2015 ملبياً لرغبات و تطلعات المواطنين ؟ أم جاءَ قانوناً معاكساً لهذه الرغبات و التطلعات ؟ . وهل جاءَ القانون ليعزز دور المواطن في المشاركة الشعبية ، في إطار المؤسسات و العمل الحزبي الوطني ، و المشروع الوطني الديمقراطي المطلوب ، للوصول إلى حياة سياسية سليمة ، تنهي أزمة النظام البرلماني الأردني ؟ .

إن إصلاح النظام الانتخابي يرتكز على اعتماد قانون الانتخاب الذي يفعّل الحياة الحزبية و يطورها . فقد ظلت الغاية الأساسية لمختلف الأنظمة الانتخابية الضيقة التي عُمل بها في المراحل السابقة تنطلق من مراعاة التقسيمات العشائرية و الأقليات الطائفية و المناطقية ، و تحدد مسبقاً طبيعة التمثيل السياسي وهوية المتنافسين على المقاعد النيابية ، بحيث تمكن المترشحون في الدوائر وبدعم عشائري بحصرية تمثيلها . وظل التوزيع المسبق للمقاعد النيابية عشائرياً قبلياً و طائفياً ، حصر المنافسة الانتخابية داخل العشيرة الواحدة ،و المنطقة الواحدة .

وساهمت القوانين الانتخابية المعمول بها في تعطيل قيام سلطة تنفيذية منبثقة من أكثرية سياسية برلمانية . وحالت دون قيام تحالفات بين الكتل قائمة على برامج حكم متكاملة . ونتج عن ذلك أزمة تمثيل سياسي بين النواب ، وجعل الدور الخدماتي على مجمل نشاطات النواب طاغياً على حساب دورهم التشريعي و الرقابي .

وفي ضوء ذلك ، فلا بد من النظر إلى موضوع الإصلاح الانتخابي على أنه جُزءٌ من عملية إصلاح متكاملة عناوينها الرئيسية اللامركزية الادارية ، و قانون أحزاب ديمقراطي ، و قانون بلديات عادل ، فيتحول المجتمع إلى مجتمع التحولات الديمقراطية التي تستوجب مشاركة الشعب في صنع القرار السياسي و القرار التنموي من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تضمن حق الشعب في تصريف شؤونه بنفسه، و توفر البيئة المناسبة للتحويل المنهجي في السياسة و الاقتصاد .

تؤكد القوانين الانتخابية المعمول بها في الدول الديمقراطية أن الأحزاب المنظمة هي بمثابة العمود الفقري بالنسبة للنظام البرلماني . و تحتم النظرية البرلمانية بضرورة تطبيق مبدأ فصل السلطات الذي لا يزال يحدد جوهر الحكومات الديمقراطية . وأثبتت التجارب أن مبدأ الفصل بين السطات الثلاث لا يزال الحقيقة المستمرة حتى الآن .

لقد جاءَ ظهور الحكومة البرلمانية في العالم نتيجة تطور مرحلي طويل ، تعددت أسبابه ، و اختلفت ظروفه ، وكانت بريطانيا هي مهد هذه الحكومة . فقد كان الملك البريطاني يختار الوزراء من بين أعضاء الأغلبية في البرلمان ، فنتج عن ذلك مجموعة من القواعد و الأصول تبناها البرلمان البريطاني ، وأصبحت فيما بعد المصدر الأول لجميع التشريعات الدستورية في العالم .

وإذا كان النظام النيابي قد تعثر في سيره ، فالأسباب عديدة أهمها عدم توافر الشرط الأساسي لنجاحه ، ونعني به عدم وجود أحزاب منظمة قادرة ، فالنظام البرلماني لم يزدهر إلا في البلاد التي تتنافس فيها الأحزاب . و وجود الأحزاب السياسية ضرورة وطنية تحتمها الرغبة في القضاء على مظاهر التخلف و طغيان النزعة الفردية التي ترسخت في نفس المواطن بفعل مؤثرات و ترسبات متباينة . وهذه النزعة لا يمكن التغلب عليها إلا بترويض المواطن على الحياة الجماعية ، و تدريبه على العيش داخل جماعة منظمة ، و تأتي الأحزاب السياسية في طليعة الجماعات أو الجمعيات التي تعلم المواطن التنظيم و الانضباط و التعرف على مشاكل الحياة العامة ، و التعود على الخضوع لرأي الأغلبية . في ضوء هذه الرؤية للعمل السياسي ، و النظام الانتخابي الديمقراطي ، فلا بد من الإضاءة على أهم ما جاء في مشروع القانون الانتخابي الجديد الذي سيُعرض على مجلس النواب السابع عشر .

تحتم مهمة مجلس النواب التشريعية مناقشة القانون مادةً مادة ، وطرحه على قوى  المجتمع الحزبية و النقابية و التعاونية و الشخصيات الوطنية ، لمناقشته. لأن هذه المرحلة هي مرحلة انتقالية تستوجب التدقيق و الحذر لبناء نظام سياسي مستقر ، يستند لقانون انتخاب دائم .

أما الملاحظات الاولية العامة على مشروع القانون فيمكن تحديدها بالنقاط التالية :

* لقد ألغى القانون الجديد الصوت الواحد الذي استمر العمل به قرابة اثنتين و عشرين سنة . و نتج عنه غياب المرشح البرامجي ، و ترسيخ الدائرة الفردية المعتمدة على أصوات العشيرة ، وإفراز أعضاء مجالس لم يتمكنوا من تطوير النظام البرلماني . بل كانوا جزءاً من أزمة النظام .

* جاءَ القانون الجديد الذي يعتبر بمثابة نقلة نوعية قياساً على القانون السابق ، وأكد على قانون انتخاب تعدد الأصوات ، وعلى توسيع الدائرة الانتخابية ، و القوائم المفتوحة على قاعدة النسبية .

*فتح القانون الباب لتعزيز المسار السياسي الذي تشارك فيه جميع الأطياف السياسية ، للمساهمة في تطوير الحياة الديمقراطية و التعددية السياسية . ما سيؤدي مستقبلاً إلى إفراز قيادات برلمانية سياسية مؤهلة .

أكد القانون على توسيع الدوائر لتصبح على مستوى المحافظة .

يعتبر القانون خطوة متقدمة يمكن البناء عليها . والقانون من أهم ركائز عملية التحول الديمقراطي وهو العمود الفقري الذي ترتكز عليه أي عملية إصلاح سياسي في الدولة.

*يظل الحكم النهائي على مشروع القانون  بعد الاعلان عن النظام الانتخابي ، وبعد مناقشته في مجلس الامة . الذي يجب أن يكون الحاضنة للحوار الوطني المزمع عقده لدراسة مشروع القانون .

*كما يعتبر مشروع القانون مدخلاً لإعادة إنتاج الحكومات البرلمانية ، و تداول الحكومات . و يمثل استعادة حق المواطن في المشاركة في صنع القرار و يعزز المسار الإصلاحي .

و يؤخذ على مشروع القانون :

* إلغاء قائمة الوطن التي تعزز دور الأحزاب في الانتخابات العامة . فلا بد من إعادة النظر عند مناقشة المشروع ، و العودة عن القرار الذي يضر بسير العملية السياسية.

* التحفظ على المادة رقم ” 9 ” من القانون و التي تنص على أن ” يقوم الناخب بالإدلاء بصوته لإحدى القوائم المرشحة أولاً ، ثم يصوت لعدد من المرشحين لا يتجاوز عدد مرشحي القائمة التي صوّت لها ابتداءً دون غيرها من القوائم ” !!! جاءت هذه المادة التي هي صُلب مواد المشروع ، مبهمة و غير مستكملة للمعاني التي يراد منها . كما إنها متناقضة مع جوهر المشروع الذي حرّر المواطن من قيد الصوت الواحد و لكنه عاد فقيده بالقائمة المفتوحة ، ثم عاد و خيَّره في الاختيار في انتخاب عدد من مرشحيها أو مرشح واحد فقط ؟. و هذا يعني العودة إلى قانون الصوت الواحد سيء الذكر ؟ .

*يحتاج القانون إلى توافق الأطراف السياسية ، لأن الاجماع عليه شبه مستحيل .

كما هو بحاجة إلى إدخال إضافات جوهرية تتمثل في :

1 – تقسيم عدد المقاعد مناصفة بين القائمة الوطنية النسبية المغلقة ، و مقاعد دوائر المحافظات ، أي 50% من عدد المقاعد للقائمة الوطنية النسبية المغلقة و50% من عدد المقاعد لدوائر المحافظات .

2 – جعل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة .

3 – إجراء التعديلات الضرورية على البنود الواردة في مشروع القانون .

4 – الاستجابة لمتطلبات المرحلة الإصلاحية عن طريق الحوار الذي يحترم جميع الآراء و التوجهات .

5 – تشكيل أوسع إجماع وطني ، يضمن مشاركة أوسع من القوى السياسية في الانتخابات القادمة  .

6 – التأكيد على أن يساهم مشروع القانون المقترح في توحيد المواطنين ، و تعزيز الوحدة الوطنية . والتركيز على نقاط الالتقاء و تقارب الأهداف الأساسية التي تلتقي عليها القوى الوطنية جميعها ، لتتسع دائرة الالتقاء حول مشروع القانون المنشود .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى