هل اغتيل شارل ديغول؟

يقول المبدع هادي دانيال الكاتب والشاعر السوري، المقيم في تونس، في مقدمة كتابه “قراءاتي في الأدب العالمي ونصوص أخرى”:”.. إن الكتب التي قدر لها أن تكون”عينات” من آداب شعوب العالم (نثرا وشعرا) توفرت على إثارة أسئلة مفتوحة على غيرها من ثمار الأدب العالمي وعلاقة تلك الأسئلة بالقارئ العربي وواقعه وأحلامه. ولذلك فإن الدافع الرئيس لإصدار هذا الكتاب هو الأسئلة التي تتوهج بها فصوله وليس عرض كتب أو إبراز كتّاب أو شعراء، تم اختيارها أو انتخابهم خضوعا لإملاءات ذائقة ذاتية. إنها أسئلة لا نملّ من طرحها مرارا وتكرارا بمناسبات وإلهامات وأشكال وصيغ مختلفة ما دامت هذه الأسئلة تبحث عن أجوبة ناجعة في إنارة المعتِم من الحقيقة وإغاثة المُضام من الحقّ”.

وقد صدر هذا الكتاب حديثا عن دار بيرم للنشر والتوزيع في تونس.

سأكتب اليوم عن محاولة اغتيال الرئيس شارل ديغول، كما يذكر هادي دانيال في قراءته  لرواية تتعلق بالقصة الجنائية وهي”يوم ابن آوى” The day of the jackal للكاتب البريطاني فردريك فورسيث (كاتب ومحلل سياسي  بريطاني، وكان طيارا في سلاح الجو الملكي البريطاني قبل أن يمارس الكتابة، وعمل كمراسل لرويترز وبي بي سي، ونشرت الرواية 1971 ترجمها عدنان كيالي وإيلي لاوند، وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر)،حيث يسجل المؤلف، كما يقول هادي:” تفاصيل محاولة اغتيال ديغول التي دبرتها منظمة الجيش السري الفرنسي عن طريق قاتل محترف يدعى ابن آوى”. وفي أحد أجزاء الكتاب، يتحدث المؤلف عن كيفية إحاكة المؤامرة التي تفضي إلى اغتيال الرئيس الفرنسي ديغول، مبتدئا بالتحدث عن إفشال مؤامرة سابقة قادها ليوتنانت كلولونيل جان ماري سباستيان تيري، أحد أعضاء منظمة الجيش السري المناهضة لديغول والتي اتهمته بالخيانة الوطنية لأنه فاوض أحمد بن بيلا ووافق على استرداد الجزائر لاستقلالها، حيث يعتبر الجيش السري أن الجزائر فرنسية. ومنظمة الجيش السري إرهابية فاشية، فشلت في فرنسا الجزائر كما أحبطت محاولاتها الاغتيالية داخل فرنسا وخارجها. والجدير بالذكر أن معظم أفراد هذه المنظمة إما قضوا حياتهم يقاتلون في الجزائر، أو ولدوا فيها. والمهم أنهم في الأصل يكنون عداء شديدا للعرب، ومن ثم لديغول باعتباره، حسب رأيهم، هو الذي سمح للجزائر بأخذ استقلالها، كما يذكر هادي دانيال.

يستعرض دانيال تفاصيل المؤامرة التي حيكت بذكاء خارق، كما وردت في الكتاب، وهو كتاب يشدك بكل تفاصيله المثيرة. ويذكر أن فورسيث قد نال جائزة “دوغر”(خنجر) الماسية لجهوده في مجال القصة الجنائية، وقال بيتر جيمز، رئيس جمعية المؤلفين الجنائيين إن فردريك فورسيث هو أحد أكثر الفائزين جدارة بهذه الجائزة ، وإن كتابه”يوم ابن آوى” يعد أحد أكبر كتب الرعب في عصرنا.

بعد تفاصيل مثيرة يرويها دانيال عن أحداث الرواية”يوم ابن آوى”، وبينما القاتل يطلق الرصاصة من نافذة بناية في الطابق السادس يوم الأحد الخامس والعشرين من آب 1963، وهو اليوم المعروف الذي يقضيه ديغول في مكان معين،، وهو اليوم الذي كان المجرم ابن آوى في انتظاره، يوم تحرير باريس.وقد مر الاحتفال بالقرب من قوس النصر كما كان مقررا له بالضبط، ووصل موكب الرئيس تتقدمه الدراجات النارية إلى ساحة نوتردام قادما من قصر الإيليزيه. يطلق القاتل الرصاصة، لكن الرئيس ديغول أحنى رأسه تلك اللحظة لتقبيل الرجل المحارب الذي كان يقلده وسام التحرير. يقول هادي دانيال: الرواية ممتعة جدا، وللمؤلف فضل تحويل تفاصيل محاولة الاغتيال هذه إلى واحدة من أروع الروايات البوليسية لدرجة الشك بإمكانية حدوث بعض وقائعها…

هذه واحدة من مقالات وقراءات هادي دانيال في كتابه الممتع” قراءاتي في الأدب العالمي”، سأتطرق لاحقا إلى بقية المقالات.

والجدير بالذكر أن غابرييل ماركيز، في كتابه”نزوة القص المباركة” الصادر عن منشورات وزارة الثقافة- المؤسسة العامة للسينما في الجمهورية العربية السورية 1999، وقام بترجمته عن الإسبانية صالح علماني، حول الورشة التي كان يعلّم فيها كتّاب سيناريو كيف يكتبون القصة، أشار إلى رواية ابن آوى التي أخرجت فيلما نال شهرة كبيرة، يرى ماركيز بأن “ابن آوى” كانت ستعتبر إحدى أعظم روايات هذا القرن (القرن العشرون) لو أن عملية الاغتيال تمت. وهي رواية وقصة متخيلة. لكن طريقة موت ديغول(الطبيعية)، لا تترسخ في الذاكرة، بينما القصة المتخيلة، لو تم فيها اغتيال الجنرال، لترسخت في الذهن.. ومن الصعب أن تنسى” وهكذا يكون هناك مجال، بمرور الوقت، لأن يتعلم الأطفال في المدارس في أحد الأيام بأن الجنرال ديغول قد مات على يد قاتل متوحد.. هذا هو الأمر الجيد في الأدب، أن يتوصل إلى أن يكون أكثر واقعية من الواقع نفسه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى