الذكرى الــ63 لثورة 23 يوليو المجيدة  

كلما هلت الذكرى السنوية لثورة 23 يوليو تموز المجيدة تنتعش الذاكرة العربية وتنشط الأقلام ويكثر المتحدثون عبر الشاشات المختلفة عن تلك المناسبة العظيمة وينقسموا ما بين مؤيد ومعارض وان كانت الأغلبية العظمى تصب في الاتجاه الأول ، ولكن ما يجمع عليه الطرفان هو الأهمية التاريخية لتلك الثورة المجيدة وما تركته من آثار عظيمة في تاريخ الأمة رغم المدة الزمنية القصيرة التي عاشتها حيث استمرت من 23 يوليو\ تموز 1952م ، إلى  28 سبتمبر\ أيلول 1970م ، حين رحل قائدها ومفجرها الزعيم جمال عبد الناصر  .

وما حدث بعد ذلك هو استمرار للثورة المضادة داخل الثورة التي تمكنت في غفلة من الزمن والشعب من تغير مسار الثورة 180درجة بعد انقلاب 14 مايو\ أيار 1971م ، بدعم من الامبريالية العالمية والرجعية النفطية ومنذ ذلك التاريخ وثورة 23 يوليو ليست مستمرة إلا بالاسم ولأجل إعطاء النظام الرجعي الانقلابي “السادات- مبارك” شرعية هما بحاجة لها ، ولكن مصر عادت على ارض الواقع إلى ما هو أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة 23 يوليو المجيدة .

لقد استمرت الثورة المضادة أكثر من أربعين عاما حتى تصحرت الحالة السياسية المصرية, ورغم وجود معارضة ولكنها مع الوقت دجنت وأصبحت جزءا من النظام المحنط وجفت البركة السياسية حتى لم يبق بداخلها إلا الحجارة التي ستكسر رقبة من يغريه النزول إليها حسب التعبير الحرفي للأستاذ والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل .

وبقيت هذه الحالة مستمرة حتى كان البركان الشعبي الكبير وغير المنظم للأسف في 25 يناير\كانون الثاني حيث نجح في إزالة نظام الثورة المضادة التي استمرت أكثر من أربعة عقود كما أسلفت ، ولكن ما هو ملفت للانتباه أن البركان الثوري يوم 25 يناير كان ناصريا في طرحه وبكل شعاراته ، وإذا بالشارع المصري الذي مورس عليه من الكذب والتضليل في إعلام الثورة المضادة ، يخرج فجأة عن صمته ويزيل كل تلك الطغمة السياسية الفاسدة التي أفسدت مصر وجعلت منها سمسرة لرأس المال الطفيلي وتابعة لأمريكا ، حتى أن أحد فلاسفة نظام كامب ديفيد المقبور وأحد أبرز مثقفيه ويدعى مصطفى الفقهي قال بصريح العبارة ( أن أي رئيس قادم لمصر يجب أن يكون من البوابة الأمريكية والرضا الإسرائيلي ) وهذا ما انتبه إليه الفريق الشهيد عبد المنعم رياض حيث قال  ومصر في عز حرب الاستنزاف وكأنه يرى بوادر الثورة المضادة لثورة 23 يوليو ( إذا لم نستعد أرضنا المحتلة بالقوة التي احتلت بها ستصبح بلدنا في الليل سمسرة وملاهي وفي النهار غسيل أموال على حساب الشعب المصري) .

وللأسف هذا ما حدث ، حتى أن ثورة يناير التي قلبت الأوضاع رأسا على عقب وأحدثت الفراغ الكبير الذي طالما حذر منه الكثير من الكتاب والسياسيين ومنهم محمد حسنين هيكل وحمدي قنديل والكاتب الإسلامي فهمي هويدي والوزير السابق أمين هويدي وغيرهم ، حيث استغلت أكثر القوى تنظيما وهي جماعة الإخوان المتأسلمون وتمكنت تلك الجماعة من الوصول لرئاسة الدولة والبرلمان في عملية انتخابية لا زالت تثير الكثير من الجدل السياسي حتى اليوم ، رغم أن جماعة الإخوان لم تشارك في الثورة إلا بعد أن تأكدت أنها أصبحت حقيقية وخيارا للشعب وبعد ان كانوا في الأسبوع الأول من الثورة يفاوضون نظام المخلوع عبر نائبه المرحوم عمر سليمان على الحصة التي يمكن أن يحصلوا عليها   وأنهم كانوا على استعداد لطعن الثورة بالظهر ، وهكذا كان للأسف بعد استيلائهم على الرئاسة والبرلمان حيث توقعوا أن عصرهم قد بدأ ، وكان هناك التنسيق مع الأمريكان والأوروبيين وفوق ما يحتمله العقل ، وهم من أخذ على ثورة يوليو حوارها مع الأمريكان ونسجوا من خيالهم المريض الكثير من القصص والخرافات وسمح لهم النظام السابق بنشرها سواء بالكتب الساقطة التي ملأت الأرصفة والشوارع أو في لقاءاتهم مع وسائل الإعلام المختلفة، ولكن في عام واحد فقط تشاء الأقدار أن يفضح الله كل أكاذيبهم وتحالفهم المشبوه مع الأمريكان حيث انقلب عليهم الشعب ساحبا ثقته بهم, وما كان من القوات المسلحة بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي إلا أن تكون كما هو دورها حارسة للشرعية الشعبية التي انطلقت في 30 يونيو\ حزيران وما عرف بالثورة التصحيحية وكانت كل شعاراتها كشقيقتها 25 يناير ناصرية الفكر والتوجه ومرجعها ثورة 23 يوليو كما كانت ثورة 25 يناير ، وهذا يثبت أن الثورات العظيمة في تاريخ الأمم التي تغير مجرى التاريخ لن تموت حتى وان تراجعت عقود من الزمن ولكن انجازاتها ستدافع عنها، وثورة 23 يوليو ليست حالة استثنائية من ذلك وهي في تاريخنا العربي والإنساني لها انجازات خالدة ويكفيها فخرا أنها أنجزت سياسة التصنيع وجعلته لأول مرة في التاريخ واقعا ملموسا في مصر وبنت مئات المصانع وخاضت التجربة النووية السلمية التي بدأت عام 1964م ، قبل الكثير من دول المنطقة ، إلا أن هناك العقبات الكثيرة التي منعت مصر من متابعة برنامجها النووي، وأهم هذه الأسباب رحيل الزعيم جمال عبد الناصر ونجاح الثورة المضادة التي قادها انور السادات فأرجع مصر للحضيرة الأمريكية، كما أنجزت ثورة 23 يوليو الإصلاح الزراعي وأصبح هناك آلاف من الأراضي الزراعية وأعادت قناة السويس وبنت السد العالي وأجلت الاستعمار البريطاني عن أرض مصر وحاربت سياسة الأحلاف  الامبريالية بقيادة أمريكا والغرب وأرست التعاون العربي ودعمت حركات التحرر بحيث أصبح لمصر أقوى التنظيمات في كل بلد عربي وهو تنظيم غالبية الشعب أي الشارع العربي الذي أصبح مصريا ناصريا بامتياز ، بعد أن كان التأثير المصري لا يتعدى القوى الناعمة فقط الفن والثقافة وأصوات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وأدب نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وطه حسين وبديع حقي .

ووجدت المرأة العربية والمصرية بشكل خاص في ثورة 23 يوليو النصير الأكبر لقضاياها ، ولأول مرة في التاريخ العربي في الساحة السياسية وأصبحت هناك الوزيرة  وهي الدكتور حمكت أبو زيد رحمها الله وهي أول أمراه عربية تصبح وزيرة في مطلع ستينيات القرن الماضي في الوقت الذي لم تكن نظيرتها في أمريكا وصلت لمثل ذلك الطموح وأصبحت بعد ذلك القاضي والنائب وكل المواقع ، هذه الانجازات وغيرها جعل من ثورة 23 يوليو تصمد أمام  كل العقبات وتتحدى كل المؤامرات سواء في فترة الزعيم جمال عبد الناصر أو بعد الثورة المضادة ورغم كل الأموال التي دفعت وشراء الذمم وارتداد المرتدين ، إلا أن ثورة 23 يوليو بقيت خالدة في تاريخ الأمة العربية والقارات الثلاث التي ساهمت في تحريرها ، لأن ثورة 23 يوليو هي النموذج ألأممي ، كما قال كبار حركات التحرر في العالم من الثائر العظيم جيفارا ورفيق دربه فيدل كاسترو ونلسون مانديلا ونكوروما وأحمد سكارنو  وشوان لاي وتيتو ونهرو وأنديرا غاندي وأحمد بن بيلا وغيرهم الكثير .

لذلك ستبقى ثورة يوليو هي القائدة والرائدة لكل ثورة حرة في وطننا العربي لأن ثورة 23 يوليو ضمير الشعب وصوته المتكلم .

وفي ذكراها العطرة نحي قادتها العظام وكلهم في رحاب الله وذمته وعلى رأسهم الزعيم جمال عبد الناصر ، ونبارك لأهلنا وشعبنا في مصر هذه الذكرى العطرة التي نأمل من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يكون حاملا لوائها ورائد حرك التصحيح الحقيقي لمسارها وإعادة الاعتبار إليها لتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الثورة المضادة باسمها زورا وبهتانا ، وستبقى ثورة 23 يوليو خالدة في تاريخنا خلود النيل والأهرامات ودجلة والفرات لأنها تعبيرا عن أصالة مصر الحضارة والتاريخ وكل عام وشعبنا في مصر وأمتنا العربية بألف خير .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى