هدوء الشارع الأردني… لماذا؟

لم يعد سراً تكاتف دول عربية وإقليمية ودولية، ضد سورية والعراق واليمن، وهي ما رفضته على سبيل المثال الأحزاب القومية واليسارية الأردنية في بيانات معلنة محذرة من التورط في التحالف الأميركي ـ السعودي، كما رفضه بذات القدر المتقاعدون العسكريون الأردنيون الذين لا يمكن احتسابهم على المعارضة ولكنهم يدركون بحس وطني عال، أن هذا الانزلاق لا يشكل خطراً على سورية أو العراق واليمن فحسب, وإنما أيضاً على الأردن وأغلب المتدخلين في التحالف إن لم يكن جميعهم.

وهناك شخصيات عديدة داخل وخارج مؤسسات الدولة الأردنية، من مواقع وخلفيات متباينة يدركون هذا الخطر ويحذرون منه همساً وعلناً.

لكن الرفض الشعبي الأردني لهذا التدخل لم يعد بذاك الزخم «الشارعي» الذي كان عليه قبل سنة وأكثر، ولم يعد ليتجاوز حدود إطلاق البيانات والتصريحات الصحافية والمقالات والحوارات على الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى ولذلك أسبابه، ففي ذروة الصعود الأردني المعارض لسياسات الحكومات المتعاقبة وقبل أن يتبلور الانخراط الأردني في التحالفات الدولية على نحو ما هو عليه الآن استقوى الإخوانيون على الدولة والمجتمع الأردنيين، وقاموا بتحركات استعراض للقوة بمواجهة النظام والشارع الأردني وحلفاء الأمس, وفكوا تحالفهم بتنسيقية أحزاب المعارضة، وعرضوا على الحكومة الأردنية الحديث مع سلطة مرسي العياط لاستئناف ضخ الغاز للأردن، في رسالة استفزازية أخرى غير مقبولة.

وأمام ما كان يحدث في تونس الخاضعة لسلطة إخوانية وقتذاك وممارسات الإخوانيين في عهد العياط في مصر، ودعوتهم لتوريط الجيش المصري في سورية، وإطلاق صفة الصديق العظيم على بيريز في حين تم إغلاق السفارة السورية في القاهرة، وما كان يحدث في سورية على يد العصابات الإسلاموية الإرهابية المسلحة، وما حدث في ليبيا من انهيار للدولة وانتشار العصابات الإرهابية المسلحة في كل مكان فيها، وصعود القاعدة في اليمن ودعوات العودة لـ التشطير .

وفي الأردن تعرض أردنيون أصدقاء لسورية في مدينة إربد الشمالية لاعتداء إسلامويين بالسلاح الأبيض، على مرأى من رجال أمن, وقام من يسمون بالسلفيين «الجهاديين» بمسيرة بالسيارات في ياجوز وهم يحملون رايات «داعشية» أو «نصروية» وظهرت أشياء شبيهة في معان والرصيفة. وفي الزرقاء حدث التحام بالسلاح الأبيض بين جهاديين ورجال أمن أمام مسجد، ذات يوم جمعة.

كما ظهرت مستودعات أسلحة ومصنع لها في الشمال وكثر اقتناء السلاح على نحو غير مسبوق مع تعاظم الشجارات العشائرية والجامعية وانتشار سرقة السيارات وتهريب المخدرات وتجارة البشر.

كل ما سبق أقنع الشارع الشعبي الوطني الأردني، بضرورة الخلود إلى التهدئة، لكي لا ينزلق البلد إلى مثيل لما حدث في بلدان أخرى نتاج الخريف الأميركي وصعود المحسوبين على الإسلام من تكفيريين ووهابيين وإخوانيين وتفريخاتهم «الداعشية» و«النصروية»، بخاصة أن البديل عن النظام السياسي الأردني، هو الأخونة في أحسن الحالات، وهو ما شهد الشارع الأردني نماذج له دموية وفتنوية ومذهبية وطائفية وتمييزية وجهالية ظلامية، مما هو مرفوض جملة وتفصيلاً، وبكل المقاييس، وكرّس هذه القناعة استقواء إخوانيي الأردن على الشارع وانحيازهم إلى جانب إخوانيي سورية والعراق، ومحاولات اقتحام السفارة السورية بالقوة في حين تجاهلوا السفارة الصهيونية الضاغطة على قلوب الأردنيين.

وحيث أن الأخونة عادت للفشل في كل من تونس ومصر، وتم حظرها في السعودية لتنافس على الدور وفي الإمارات ومصر تبعاً لها، وحيث حدث انشقاق كبير داخل الأردن شجعته الحكومة الأردنية, فقد تراجعت فعالياتهم التظاهرية، ما عكس تراجعاً مماثلاً على صعيد القوى القومية واليسارية أحزاباً وتيارات، ولذات السبب الذي أشرنا إليه آنفاً سلكت القوى القومية واليسارية طريق تجنيب البلد ما حدث في بلدان عربية عديدة، وبالتالي حرص القوميون واليساريون على الحيلولة دون خلق الظروف الملائمة لحلول إسلامويين محل النظام السياسي الراهن أو مشاركتهم في الحكم في حين دعت شخصيات ليبرالية أردنية محسوبة على واشنطن إلى إشراك الإسلامويين في الحكم على الأقل مطلقين المحسنات البديعية في ذلك والمعلقات بأنهم لا يشكلون خطراً على الدولة الأردنية .

لقد وجدت القوى القومية واليسارية في الأردن، نفسها بين خياري الخريف الأميركي والإسلام الأميركي الصاعد، وبين القبول بالنظام السياسي على علاته خشية الانجرار إلى حالة الفوضى المرسومة بدقة، على رغم كل الملاحظات المعلنة على النظام، وما هو عليه من واقع التبعية، وانحيازه ضد سورية، على رغم البيانات السياسية الجميلة التي تتحدث عن الحل السياسي ووحدة سورية أرضاً وشعباً، مكتفية هذه القوى بالمعارضة الهادئة في حدود سقفها المتمثل في البيانات والتصريحات والمسيرات المحدودة المتباعدة.

وقد استفاد الأردن الرسمي من فشل الإخوان في تحقيق اي إنجاز في سورية, ومن تراجع حالتهم في مصر وتونس، ومن سوء النموذج الذي قدموه في غير ساحة عربية وصلها إرهابيون إخوانيون أو قاعديون أو داعشيون وأمثالهم، ومن حظر غير دولة عربية لهم وما اعتراهم في الأردن من شرذمة ورفض الشارع الشعبي لطقوسهم واستقوائهم عليه، ومن حالة الهدوء التي مارسها القوميون واليساريون خشية انزلاق البلد إلى ما لا تُحمد عقباه… فانخرط الاردن الرسمي علناً ومباشرة وبالقدر المطلوب منه، في التحالف الأميركي ـ السعودي، على نحو بات يهدد أمنه القومي ونسيجه الوطني، سواء حقق الأميركيون غاياتهم النهائية في سورية وفي العراق واليمن وليبيا ومصر أم لم يحققوا.

ففي حال حقق الأميركيون خططهم في تمزيق المنطقة وإقامة دول مذهبية طائفية إثنية، فإن هذا سيعكس ذاته على الأردن، من حيث امتداد حالة عدم الاستقرار إليه، ومن حيث استغلال الكيان الصهيوني للحالة الناشئة هذه أشرت إلى تفاصيلها في مقالة سابقة ومن حيث أيضاً أن واشنطن لن تعود في حاجة للدور الأردني الوظيفي، فسيكون هناك أكثر من خادم مجاني في المنطقة.

وفي حال فشلت أميركا في تحقيق الدور, وهو المرجح، فستكون هناك شروخ مع سورية والعراق، وبقدر أقل في اليمن والبحرين، وسيكون المنتصر أقدر على فرض شروطه كما هي قوانين الحرب والسياسة، وستكون فيروسات المرض التي قلنا إننا بصدد القضاء عليها والانتفاع بنتائج ذلك، قد انتقلت عدواها إلينا، ونخرت عظامنا.

بكلمات، إن الخلاص من هذا المازق، يكون بمواجهته، بعدم الانخراط فيه، فكلف عدم الانخراط أقل بكثير من أكلاف التورط، بل إن عدم احتراق الأردن في لجة الفوضى الإقليمية الخلاقة التي أعلنتها كونداليزا رايس قبل نحو 10 سنوات, سيبقى على حاجة الأميركيين له، كما لن يكون لسورية والعراق مع الأردن أي نوع من الثارات، ولن تتاح لفيروسات الإرهاب الانتقال للجسد الأردني، بإحكام الحدود مع الخارج وبالتنسيق في ضبطها مع الجيوش الوطنية في دول الجوار العربية، لا مع التحالف الأميركي ـ السعودي.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لكن نذكر الكاتب المحترم , بأن عزت الدوري الأمين العام للبعث في العراق أعلن تأييده للعدوان على اليمن , وكذلك جناح البعث التابع له في الأردن !

زر الذهاب إلى الأعلى