المنطقة العازلة جنوب سورية تشعل الجدل بين السياسيين الاردنيين

خلافا لما تشيعه تقارير ضاربي الودع السياسي، وما يطرحه عرافو الصالونات ومحترفو التنظير البعيد عن ارض الواقع ، جاءت مقابلة الدكتور عبدالله النسور رئيس الوزراء مع قناة العربية الفضائية لتصب ماء باردا على كل الرؤوس الحامية التي تحدّثت ونظّرت واوحت بوجود مخطط لتحريك الجيش الى خارج الحدود شمالا وشرقا .
الرئيس النسور الذي قال ل ”العربية ” بصريح العبارة ان القوات المسلحة الاردنية لن تدخل الاراضي السورية لا اليوم ولا غدا ولا في اي وقت ، اكد ايضا ان الاردن يدعم وحدة الجمهورية العربية السورية، وكذلك الجمهورية العراقية ، ويرفض على الاطلاق تقسيم البلدين .
وقبل ذلك ، وفي اوائل الثلث الاخير من الشهر الماضي على وجه التقريب ، اطلق الدكتور محمد المومني وزير الدولة لشؤون الاعلام / الناطق الرسمي باسم الحكومة تصريحات صحفية اكدت ان الاردن يحترم حدود جيرانه، وانه لانية عندالدولة الاردنية للتوسع خارج حدودها .
حقيقة الامر نحن نميل الى تصديق تصريحات الرجلين ، وحريّ بهذه التصريحات ان تهد ئ من روع الاردنيين ، وان تخفف من حدة الخلافات والتجاذبات التي عكّرت وكهربت المزاج العام خشية وقوع ما لا تحمد عقباه.
في هذا السياق يرى خبراء استراتيجيون ان الذين وسوسوا في تقاريرهم من اجل تحريك قوات من الجيش خارج حدود الوطن لتوسيع رقعة البلاد لضمان ابعاد خطر الارهاب عن البلاد والعباد، انما حملوا مباخر تمجيد هذه الخطوة استجابة لاجندات هم مأمورون بالترويج لها، وليس من منطلق الحرص على المصلحة الاردنية الصرفة.
وقد غاب عن ذهن هؤلاء ان البلد يواجه تحديات كبرى لم يسبق لها مثيل، حيث سببت التغييرات والصراعات العميقة في المنطقة ضغطا هائلا على الاردن سواء من النواحي الاقتصادية او الديمغرافية وحتى الامنية اذ يستضيف الاردن اكثر من مليون وثلاثمئة الف لاجئ سوري تقدر تكلفة رعايتهم خلال العام الجاري وفق تصريحات رسمية نحو 9,2 مليار دولار امريكي ، وهو مبلغ يوازي حوالي ثمانية في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في الاردن ، في حين ان النسبة التي يغطيها المجتمع الدولي لا تزيد على خمسة ونصف في المئة حتى شهر نيسان الماضي .
كذلك تعرضت الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها لضغوط شديدة ، ومن ذلك على سبيل المثال ان المدارس الحكومية المكتظة اصلا قد استقبلت ما يزيد على 140 الف طفل سوري ، وان تكاليف السكن في الشمال ارتفعت بنسبة 300 في المئة ، وهناك اكثر من 200 الف عامل سوري يشكلون حوالي عشرة في المئة من القوى العاملة في الاردن ،ينافسون بشدة في سوق العمل ويقبلون بأقل الاجور ، وكل ذلك يحدث في الوقت الذي تشكل فيه البطالة اكبر مشكلة تعترض قطاع الشباب والباحثين عن العمل ، مع ملاحظة ان اكثر من سبعة من كل عشرة اشخاص هم تحت سن 29 عاما ، بينما يحتاج الاقتصاد الى تحقيق نمو يزيد على ستة في المئة سنويا لاستيعاب الاعداد المتزايدة من الداخلين الى سوق العمل، في حين تتراوح معدلات النمو الحالية بحدود3 في المئة فقط وهو ما يشكل تحديا اضافيا يفاقم الازمة، وهذا يعني ان صانع القرار من الحصافة وبعد النظر لرفض ووقف اي تلميحات او ايحاءات غايتها توريط البلاد بتوسع خارجي له اكلافه الباهظة على مختلف الصعد، سواء اكان ذلك اقتصاديا او ديموغرافيا اوخدميا او امنيا.
النفي الرسمي لما يمكن ان يسمى مجازا التوسع الخارجي، تزامن مع احاديث متواترة عن اقامة مناطق حدودية عازلة او فاصلة مع جيراننا في الشمال ،حيث قال خبراء ومحللون ان الظروف الميدانية المتحركة في الداخل السوري هي التي تفسح المجال امام سيناريوهات اقامة مناطق عازلة على الحدود مع ذلك البلد العزيز، مبينين ان هكذا خطوة تحتاج الى قرار سياسي، اضافة الى اجماع وتحالف دولي واقليمي لأن التنفيذ الميداني لها يتطلب ضمانات وشروطا اساسية، منها على سبيل المثال تحديد الجهة التي ستتولى الحماية وتحديد الطرف الذي سيتحمل الكلفة المالية لإنشاء هذه المنطقة .
وكانت صحيفة” فايننشال تايمز” البريطانية قد نشرت تقريرا بعنوان ” لماذا يريد الاردن منطقة عازلة جنوب سورية؟ ” قالت فيه ان الاردن قد بدأ بالاعداد لإنشاء منطقة عازلة جنوب سورية ، وخلق اول منطقة انسانية عازلة للمسلحين واللاجئين.
وجاء في التقرير ان الهدف الرئيس من العملية هو اقامة منطقة آمنة على الحدود في الجنوب السوري تمتد لحدود محافظتي درعا والسويداء،بما في ذلك مدينة درعا ، مبينة ان الاردن مضطر لفعل ذلك بسبب الوضع العسكري المتغير داخل سورية .
وقد لفت خبراء الى ان المنطقة العازلة تختلف في وظيفتها عن المنطقة الآمنة في بعض الوجوه ، حيث ان المنطقة العازلة عبارة عن ساحة معينة تكون عادة من اقليم دولة ما تحددها الامم المتحدة او اطراف دولية بغرض السيطرة عليها عسكريا وفرض الحماية والوصاية الامنية عليها تحت مسمى حماية السلم والامن الدولي ، ومن ثم تحقيق اهداف عسكرية وسياسية انطلاقا من هذه المنطقة العازلة مثل حماية المدنيين من الصراع .
ووفق القانون الدولي فإن المناطق العازلة والمناطق الآمنة تتطلّب قرارا من مجلس الامن ، كما تتطلب ايضا فرض حظر جوي ، ووجود قوات على الارض ، ويتم فرض المنطقة العازلة اثناء النزاعات المسلحة للاتفاق بين الدول المتحاربة اثناء الهدنة .
ووفق ذات القانون فإن المنطقة الآمنة تفرض لحماية مجموعة لا تستطيع حماية نفسها ، ويتم فرضها بمقتضى قرار من مجلس الأمن ، كما يتم تكليف دولة او اثنتين بتنفيذ هذا القرار بالقوة ، اضافة الى انه يتم منع تحليق اي طائرات عسكرية حول هذا المكان لمنع تعرض السكان فيه للخطر .
وحسب الخبراء فإن إنشاء مثل هذه المناطق الامنة يهدف الى توفير التدخل الانساني عبر ممرات آمنة لحماية مدنيين حقوقهم مهدورة ويتعرضون للتعذيب من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن بناء على توصيات لجنة حقوق الانسان التابعة لمجلس حقوق الانسان .
مسألة المنطقة العازلة / الفاصلة تداولتها خلال الفترة المنصرمة تقارير صحفية نقلت آراء وتصريحات العديد من كبار المسؤولين السابقين على اختلاف رؤاهم وتوجهاتهم ، ففي ندوة حوارية حول ”آخر المستجدات السياسية على الصعيدين المحلي والاقليمي ” نظمها منتدى ملكا الثقافي في لواء بني كنانة دعا رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري (نفى ذلك فيما بعد) الى اقامة منطقة عازلة برعاية دولية ينقل اليها اللاجئون السوريون – كماحدث في مناطق كثيرة في العالم كانت قد شهدت نزاعات مماثلة – وذلك للتخفيف من المعاناة التي يتحملها الاردن جرّاء استضافته اعدادا كبيرة دون ان يرافق ذلك دعماعالميا كافيا .
وقال المصري ان الواجب الانساني الذي يقوم به الاردن تجاه اللاجئين السوريين بحاجة الى اعادة تنظيم لمواجهة الضغوط والتداعيات والانعكاسات التي وصفها بالخطيرة ، والتي بدأت اثارها تظهر بوضوح على مختلف الاوضاع الداخلية ،محذرا من ان ارهاب الجوع هو اشد فتكا وضراوة من الارهاب السياسي والفكري ،داعيا الى ضرورة رص الصفوف الداخلية والحيلولة دون دخول اي طامع من خلالها.
من جانبه قال عدنان ابو عودة رئيس الديوان الملكي الاسبق ان فكرة المنطقة العازلة مقبولة كونها ستنتج ” دينامية سياسية ” جديدة على الصعيدين الاقليمي والعالمي ، وسينظر لما حدث داخل سوريا بمنظار مختلف ، بحيث يصبح لزاما على التحالف الدولي ضد الارهاب حمايتها ، مبينا ان الاستراتيجية الاردنية تقوم على حماية حدودها واقتصادها الذي تضرر بشكل كبير بسبب الازمة السورية التي كان من ابرز نتائجها توافد اللاجئين بأعداد كبيرة ، وقال انه بوجود منطقة عازلة فإنهم – اللاجئون – سيبقون داخل اراضيهم ، وهو ما يخفف الضغط على الاردن، مؤكدا ان المنطقة العازلة ستغير نظرة العالم الى الازمة بالكامل ، وستضطره الى البحث عن حل لها.
اما الدكتور كامل ابو جابر ،وزير الخارجية الاسبق فقداعتبر ان المنطقة العازلة هي حل يخدم الاردن بحماية حدوده ،كما يخدم الدولة السورية لجهة محاولة ضبط الامور في الداخل ، مؤكدا ان حماية الاردن لحدوده سواء مع سوريا او العراق باتت ضرورة لحماية الوطن والمواطن .
وتوقع ابو جابر ان تلقى فكرة المنطقة العازلة ترحيبا ضمنيا من الجانب السوري لأنها ستساعده في ضبط الامور .
وفي السياق خالف استاذ القانون الدولي الدكتور ابراهيم الجازي تلك الدعوات حيث قال ان فكرة وجود منطقة عازلة على اراضي دولة اخرى مرفوض قانونيا من الناحية الشرعية، لكنه يندرج تحت ما يسمى الفصل السابع في ميثاق الامم المتحدة ، مبينا ان مبررات وجود مناطق عازلة يجب ان يكون نابعاً من رغبة وموافقة الدولة التي لها سلطة على تلك الاراضي ، لكن في الحالة السورية فان الامر مختلف في ظل تعدد الفصائل المسلحة الموجودة على الساحة ، بالاضافة الى الجيش السوري .
ورغم ذلك فإن الجازي يرى انه يحق للدولة الاردنية المحافظة على امن المواطن وعدم السماح للارهاب ان يهدد امن الوطن والمواطن ، مؤكدا ان الاردن يحترم الشرعية الدولية ، ولا يتدخل في شؤون الغير .
من جانبه يرى اللواء المتقاعد محمود ارديسات بأن الاردن لا يستطيع تحمل عبء كلفة انشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا على الرغم من انها خطوة جيدة تصب في مصلحة الاردن ، متسائلا هل للدولة الاردنية مصلحة بوجود هذه المنطقة جنوب سورية ، خصوصا في ظل تسارع الاحداث وما يرافقها من تطورات ومتغيرات عديدة ،لافتا الى ان مسألة اقامة المنطقة العازلة مرهون بصدور قرار دولي وخطة كاملة تتضمن آليات التنفيذ ، بالاضافة الى استراتيجية تحمل تفاصيل كاملة عن دور كل دولة من دول التحالف عند انشاء تلك المنطقة لضمان نجاح وتحقيق الهدف منها ، محذرا من ان انشاء منطقة عازلة دون غطاء ودعم دولي حقيقي يشكل نوعا من المغامرة التي تحمل مخاطر وتهديدات غير متوقعة.
ويشدد ارديسات على ضرورة ان يكون هناك اجماع دولي واقليمي لإقامة المنطقة العازلة ، وان تكون هذه الخطوة المتوافقة مع القانون الدولي ضمن الاجراءات الوقائية للمحافظة على امن الدولة ،وان تضمن منع تدفق اللاجئين ، وان تشكل ضمانة بقاء هؤلاء في ارضهم بالمنطقة العازلة ، وكذلك حماية محافظات الشمال القريبة من الحدود السورية بعد سقوط القذائف على مدينة الرمثا وبلدة الطرة.
خلاصة القول ..مطلوب من الاردنيين رص صفوفهم وتوحيد مواقفهم في مواجهة محاولات توريط وطنهم في الصراع الدائر شما ل وشرق بلدهم ، ونبذ اية عصبيات او عنعنات تسمح باختراق اجماعهم تمهيدا لتوريطهم او جرهم الى التعاطي مع افعال تجعلهم يندمون حيث لا ينفع الندم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى