الوحدة الوطنية الركن الاساس للاستقرار والسد المنيع الذي تتحطم دونه كل المؤامرات

”عاصفة الفيفا ”التي كادت تصيب العلاقات الاردنية – الفلسطينية في مقتل ، ما كانت لتهب بهذه الشدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الالكترونية والورقية والمسموعة والمرئية لو لم يكن هناك من ينفخ في اوارها قاصدا التأزيم وبث روح الكراهية ،لتكريس واقع يخدم اهدافه ومخططاته الرامية حتما الى النيل من الاردن الآمن المستقر، دون النظر الى حجم الخطر وفداحة الجريمة التي يرتكبها من يقف خلف ذلك .
ويرى المراقبون في هذا الصدد ان ذلك ال ” احد ” الذي امتطاه الشيطان – كائنا من كان – يلعب بالنار منذ فترة ، ولم يكن تصويت ”جبرين ”الرجوب لصالح بلاتر في انتخابات الفيفا سوى قميص عثمان الذي غطى بصر وبصيرة الكثيرين، فاطلقوا التصريحات والتعليقات والاقتراحات عشوائيا وعلى غير هدى لينالوا، في غفلة من الوعي، من اللحمة الاردنية – الفلسطينية الشعبية التي تكرست وتصلّبت عبر سنوات عديدة حتى قبل ان يرتكب البائسان سايكس وبيكو جريمتهما التقسيمية والتفتيتية ، التي تكاد تتكرر اليوم بأدوات جديدة ومغانم تصب في قناة دولة الاحتلال الصهيوني ورعاتها وحماتها اينما كانوا.
قبل ” عاصفة الفيفا ” كانت هناك ”زوبعة الاقصى ” التي تطاولت على الشيخ الدكتور احمد هليّل قاضي القضاة وامام الحضرة الهاشمية حينما تم منعه من القاء خطبة الجمعة في ذلك المسجد المبارك والتشويش عليه من قبل فئة او جهة او اشخاص لم ترق لهم رؤية هذا الشيخ بما يجسده من رمزية قضائية وامامية اردنية ،وهو يعتلي ذلك المنبر بكل ما يمثله ويحمله من معاني الايثار والاخوة والفزعة والرعاية ، فكان ان اقدموا على فعلتهم النكراء – ربما بتحريض دول عربية او اقليمية مسلمة او غير مسلمة – لإحداث شرخ في العلاقات بين الطرفين الرسميين الاردني والفلسطيني ، وصولا الى توتير الشارع الاردني واستفزازه بقصد بث روح الكراهية بين الناس وجرهم الى المواجهة على المدى المتوسط تحت تأثير الاحتقان والانفعال والشعور بالتهميش وغير ذلك من المظاهر السلبية .
وقد سبق ذلك جملة تسريبات وتلميحات واشاعات تفيد بأن سلطة رام الله تجري مفاوضات سرية مع الاسرائيليين من وراء ظهر الاردن ،رغم اهمية ان تكون عمان على علم بما يجري خاصة انها معنية به مباشرة على مختلف الصعد ، وهذه التسريبات والتقولات – سواء أكانت صحيحة ام لا – تصب في ذات الهدف الرامي الى فرض مستجدات توهن علاقة الشعبين الشقيقين، وتضرب الوحدة الوطنية التي يجب ان نعض عليها بالنواجذ في الصميم-.
وفي محاولة لقطع الطريق على المتصيدين في الماء العكر ، وابراء الذمة من عقابيل ما حدث، جاءت ”جاهة عباس وصحبه” الى منزل الامير علي بن الحسين الذي قال كلاما وادلى بتصريحات في غاية الرقي والوعي ، لو استوعبها المتنطحون للكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي وما لف لفها، لما اوغلوا السير في طريق يقود الى نفق مظلم يلف بسواده كل اواصر الاخوة والمحبة بين ابناء الشعبين الشقيقين.
ايضا اعرب رامي الحمدالله رئيس الوزراء الفلسطيني خلال التقائه يوم السادس من الشهر الجاري في عمان مع رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور عن امتعاضه من الاجواء السلبية التي رافقت انتخابات الاتحاد الدولي لكرة القدم / فيفا ، مؤكدا انها سحابة صيف ومرّت ، وان الرأي العام الفلسطيني موقفه معلن وواضح تجاه هذا الامر.
وفي تعقيبه على ما واجهه الوفد الاردني برئاسة الشيخ هليّل في المسجد الاقصى قال الحمد الله ان الرعاية الهاشمية للمقدسات امر مقدر ، وهو عامل مهم جدا في حفظ وصون هذه المقدسات ، معربا عن شكر وتقدير القيادة والحكومة والشعب الفلسطيني للملك عبدالله الثاني على هذه الرعاية التي تهدف الى الحفاظ على الاقصى والمقدسات الاسلامية .
وفي اشارة مهمة الى وجود اصابع تسعى لتحريك الشر من اجل خلخلة بنيان العلاقة الاردنية – الفلسطينية شعبيا ورسميا شدد الحمدالله على ضرورة عدم السماح لأي كان بتعكير صفو العلاقات الاخوية والروابط الوثيقة بين البلدين والشعبين الشقيقين ، مشيرا بهذا الصدد الى ما جرى على خلفية انتخابات الفيفاوقال ” نحذر انفسنا جميعا بأن لا نقع في اي اخطاء من شأنها التأثير على هذه العلاقات ”.
المصطادون في الماء العكر ومطلقو الاشاعات المغرضة ، ومن منطلق ان سيدهم الشيطان يكمن في التفاصيل قالوا ان الاردن بصدد سحب الرقم الوطني من ثلاثين قياديا فلسطينيا ، ردا على ماجرى في زيوريخ والقدس، وعلى ما يقال بخصوص قنوات اتصال سرية فلسطينية خ اسرائيلية ، وهو ما تم نفيه رسميا في عمان ، لكن النفي الاهم هو ما نقلته صحيفة ”دنيا الوطن” عن نمر حماد مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي نفى الخبر ، مؤكدا ان هذه الانباء عارية عن الصحة ، ومعتبرا انه في ظل عدم وجود روابط وضوابط لدى بعض المواقع الالكترونية وصفحات الفيس بوك ، فإن الاخبار التي تهدف الى الاصطياد في الماء العكر تتزايد.
حماد ذهب الى ابعد من ذلك ، فقال في تصريحه ذاك ان بعض الجهات تحاول خلق فتنة بين الاردن وفلسطين ، متهما اسرائيل بالوقوف خلف ذلك بالتزامن مع انجرار البعض خلف اهداف مشبوهة تتساوق مع الرواية الاسرائيلية ،فيما ينجرّ البعض الآخر لأسباب صبيانية .
المراقبون الذين توقفوا عند هذا التصعيد ” المشبوه” لفتهم غياب موقف المعلقين والمحتجين سواء أكانوا نوابا او افرادا من ”عرب الفيفا ” الذين جاهروا وفاخروا بانحيازهم الى بلاتر ولم يقيموا وزنا لفكرة الاجماع العربي ووضعوا عن تعمد ووعي بإثم فعلتهم العصي في دواليب مشروع الاجماع ، وكان السؤال لماذا الكيل بمكيالين ؟ ولماذا تنمّر هؤلاء على الاخوال والاصهار ورفاق الدرب وشركاء المصير ، فأخذوهم بذنب شخص اقل ما يقال فيه انه ”زلمة ” التنسيق الامني مع العدو الاسرائيلي الذي ما توانى عن التضحية بأبناء جلدته على مذبح ذلك التنسيق اللعين ؟ وعند فرز الاجابات على هكذا تساؤلات يظل القول ان الانسياق وراء بروباغاندا الجهات المشبوهة التي تعمل في الظلام للنيل من الاردن هو الدافع ، علاوة على حضور الشخصنة والاناوية حيث تتقدم هذه وتلك على ما عداهما.
وكرر المراقبون السؤال بصورة ابسط واوضح قائلين لماذا السكوت على الخلايجة – الذين جبل تراب بلاد بعضهم ورملها بدماء وعرق الاردنيين دفاعا وبناء – وسواهم من عرب آسيا وافريقيا وهم ينحازون للاجنبي ، ثم توجيه سهام النقد والتجريح للفلسطينيين جراء مغامرة ” جبرين ”الذي لم يستشرهم في فعلته اصلا ، أليس في الهجوم هنا والسكوت هناك ما يثير الريبة والاشتباه ؟ الا يحتمل ان يكون كل هذا التأجيج ناجماً عن وجود اجندات خفية تخدمها ايد تدفع بالناس الى اصطفافات ومواجهات غايتها النيل من وحدة الشعبين وجرهما الى مواجهة لا تصب الا في قناة الدواعش ومن لف لفهم ، علاوة على قناة العدو الصهيوني الذي يتربص بكل ما حوله.
في مواجهة هذه الانتقائية التي لاتنطبق عليها مقولة العتب على قدر المحبة ، قال المراقبون انهم استغربوا واستهجنوا تلك العاصفة التي ضربت العلاقات الاردنية – الفلسطينية في الصميم، وهددت باحداث شرخ بين شعبين شقيقين ، وقالوا انهم شعروا بالصدمة من موقف بعض البرلمانيين ومعهم جمع القلة المتوافقين مع طروحاتهم ومواقفهم المؤذية الساعية الى توسيع الخرق على الراتق خدمة لآفكار وطروحات لا تعود بالنفع والفائدة على الوطن بمكوناته الديموغرافية كافة بل ربما تكرس بينها شيئاً من العداء والكراهية.
في سياق هذه العاصفة وما سبقها وما تلاها ، حذر المراقبون من وجود حالة غير صحية على الساحة الاردنية بحاجة الى اصلاح جوهري ، حتى وان اتخذ هذا الاصلاح بعدا تدريجيا ، داعين الى عدم ترك المعادلة الوطنية تحت رحمة المشاعر المسكونة بالمظلوميات، (باعتبارها المحفز الرئيس للاحتقان والتطاول على القانون والتنمّر على الدولة)، والعمل على بناء تيار شبابي يمثل نواة للجماعة الوطنية التي تخرج من دائرة حسبة الاصول والمنابت ، وترسخ هويتها الاردنية خارج هذه الازمات .
ان ما حدث يستدعي ان تلتفت الجهات الرسمية المعنية ، ومعها المكونات الشعبية الى ضرورة قطع الطريق على انتشار مرض الكراهية لما له من آثار ونتائج مرعبة على الوطن والمواطن ، وهو مرض ليس من المستبعد ان يصب في قنوات التدعيش بدافع من نكاية هذا الطرف بذاك، وبالنتيجة يصبح كل منهما حطبا لنار تلظى يشعلها الاعداء بصرف النظر عن لونهم ولبوسهم ، وذلك بهدف جرّنا الى الساحات والافات التي تقودنا الى التهلكة.
ان ما كشفت عنه الايام الاخيرة يجب ان يدفع الحكومة الى التعاون مع الخبراء والاكاديميين والجهات ذات العلاقة لاجراء دراسات معمقة تؤسس لبناء استراتيجية تربوية شاملة تعلّم الاجيال قيم التسامح وقبول الآخر واعلاء شأن التواد والمحبة بين مكونات الوطن الديموغرافية ، كما يستوجب استنفار واستثمار الجامعات والمدارس والاحزاب والجمعيات والمنتديات وارباب الفكر والقلم والاعلام للتحذير من مخاطر مرض الكراهية ، ومن الذين يقبعون في الظلام ينشرونه بعدائية ولؤم من اجل بث الوقيعة بين الناس التي تقود الى التدابر والتنافر ، وصولا الى الوقوع في احضان جماعات ما قامت الا من اجل هدم البنيان وتدمير الاوطان .
وبعد..
الوحدة الوطنية ضمانتنا ، فعضوا عليها بالنواجذ ، واجعلوها السد المنيع الذي تتحطم دونه كل المؤامرات والمكائد.. فهل تعقلون ؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى