غايات أمريكا  الراهنة.. وخياراتها

ما الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقه في المنطقة العربية وجوارها ؟ قبل التوصل أو العبور إلى أي تسوية أو حل أو إنفراج أو حرب أو تعويم أو تثبيت للواقع أو تغييره ؟

علينا أن نتذكر أن الكيان الصهيوني هو هدف واشنطن الأول ، مهما تهيأ ( لنا ) غير ذلك أو لغيرنا، ومهما حاولت الولايات المتحدة الإيحاء بغيره أو توصيله، وحتى في حال حدوث تباينات في الرؤية أو المواقف ، فليس لأن لواشنطن غاية غير أمن واستقرار واستمرار تفوق  الكيان الصهيوني ، وإنما لأنها أحرص من الكيان الصهيوني من ( شوية عيال ) يوشكوا أن يتورطوا ويورطوا معهم كيانهم في ألعاب صغيرة أو كبيرة ليس وقتها ، ولا تلك أدواتها .

وتعلم واشنطن جيداً أن وراء تلك التباينات ( إن صدقت ) مزايدات ودوافع استهلاك داخلي انتهازي صهيوني ، لغايات الحكم ، يغذيه ضعف العرب ، وهو ضعف يغذيه أيضاً تطرف الصهاينة وتشددهم ورفضهم تحقيق أي حلول للقضية الفلسطينية؛ حتى في حال كانت تلك الحلول ( وهي غالبا كذلك حلولاً تصفوية) ، ما دفع لظهور عصابات إرهابية تكفيرية جهالية وهابية وإخوانية (في جملة أسباب اخرى ) خَلّقَتْها واشنطن وباريس ولندن وبون وحلفائها من (العرب ) ودعمتها ومولتها ودربتها وسلحتها ومدتها بما يلزم من معلومات وإعلام نشط وفكر تضليلي وضلالي ..

بهذا المعنى فالتباين ( الإسرائيلي ) الأمريكي ، على قدر من الضرورة ، على أمريكا ومن يتبع تنميته ودعمه ، بما يكرس من تطرف ظاهرٍ مقابلٍ ، من منشأ عربي وإسلامي مفترض ، وعلى أمريكا المبالغة في تصوير حجم ( تناقضها ) ومخاطر هذا التناقض على مستقبل العلاقة الأمريكية (الإسرائيلية ) إستراتيجياً ، بما يبرر لهؤلاء ( العرب ) داخليا وضع كل بيوضهم في سلة  واشنطن ، وبما تَعِدُ  الأخيرة هذه العصابات ( منذ الأيام الأولى للفوضى الأمريكية الخلاقة في المنطقة أواخر سنة 2010 ) باستلام الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية ، واستمرار إمارة حماس في غزة ، وعلى أن تمتد بعد حين يسير إلى الضفة أيضاً.

ذلك في مقابل الانشغال عن الكيان الصهيوني باتجاه إيران ، وتحويل بوصلة الصراع  كلياً من عربي صهيوني إلى عربي إيراني وسني شيعي..

أما بالنسبة لدولٍ ( عربية ) بعينها ، تدعم هذه العصابات ، فإنها تجد لنفسها مبرراً ( مضحكاً ) إنطلاقاً من ان أمريكا تخلت بحسبها عنها وعن ( إسرائيل ) لصالح اتفاق نووي مع إيران ، ، ما يستدعي عدم الركون على تبعيتها المطلقة لواشنطن ؛ ( الظاهر طبعاً ) بمواجهة خطر طهران ، وما يقولون انها أطماعاً إيرانيةً فارسية صفويةَ تشيّعية ، وبالتالي التحالف مع ( إسرائيل ) (المُتَخَلّى) عنها أمريكياً !؟، لأجل إقامة توازن إستراتيجي إقليمي!؟

وبالطبع فإن توزع الأدوار هذا ، يعجب الأمريكان ومن يليهم جداً ، طالما ، أن الدماء والأموال التي تهدر في ساحات الصراع هي عربية وبعضها إسلامية إبتداءً من ماليزيا وأندونيسيا حتى المغرب مروراً بالشيشان والجمهوريات السوفيتية السابقة، فضلا عن الجماعات الإسلامية في قارات الأرض ألـ 6،وهو التغيير الذي وعد به أوباما الأمريكان ، والذي خرجت ملايينهم في عهد بوش الإبن رافضة المزيد من إهراق دماء أبنائهم وأموالهم  في العراق،  فوفر اوباما عليهم ذلك ، مبقياً على حروب واشنطن في المنطقة ولكن بالوكالة ، بل ضاعف ساحاتها بدماء وأموال العرب والمسلمين .

وها هو ذاك الذي خطب في بداية ولايته الأولى في جامعة القاهرة ، مطمئناً العرب والمسلمين ؛ بسمرته وبعض جذوره الإسلامية المنسية ، يدخل مؤخراً مُدْحَلاً (ذكياً) جديداً ، بتحالف بعض العرب مباشرة مع الكيان الصهيوني، وبتلقي بعض العصابات الإرهابية الدعم من أطراف عربية دون أخرى ، فيما تحارَبُ من أطراف أخرى .. في تمهيد خبيث ؛ لإقتتال هذه الدول أيضاً فيما بينها ( بعد حسمها الصراع في ساحاته الراهنة ) على خلفية تبنيها لأجنحة إرهابية دون اخرى ، بل وحظرها ، وعلى قاعدة اقتسام الغنائم ، المتوهمة ، فيما هي باقتتالاتها المقبلة ، وتحولها إلى دول فاشلة ، هي التي ستنتهي كـ ( دول منتهية الصلاحية ).

ومن المرجح أن الولايات المتحدة الأمريكية ، لن تقبل على تطور آخر جديد ، قبل أن تتجذر علاقة بعض (دول العرب ) بالكيان الصهيوني ، وبعد أن تتجذر العصابات الإرهابية في المنطقة العربية أو أن تندحر، فواشنطن لم تحقق موضوعياً أهدافاً استراتيجية من أي نوع بإطلاقها الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية وجوارها ، أما الدماء والأموال والبنى التحتية المدمرة كل ذلك يمكن تعويضه ، وحلفاء واشنطن والغرب خسروا حتى اللحظة أغلب آمالهم بمجيء انظمة خالصة لهم .. فعلى جبهات القتال في سورية والعراق واليمن وليبيا ، تتحق انجازات مضطردة غالباً لا تخدم بحال مصالح الغرب بعامة ، رغم بعض الانتكاسات ، كما وتتفاقم كراهية الأمة ضدهم والوعي الوطني والقومي والإيماني والإنساني الرافض لهم .

 

لقد باتت أمريكا امام احد خيارين مقبلين قد لا يكونا وشيكين ، إما الانسحاب من ساحات الصراع في المنطقة ، بخاصة بعد فشل حزب التنمية والعدالة التركي في الإمساك مجدداً بالحكم بكل تداعيات ذلك التراجع غير المبشرمن وجهة واشنطن ، والتي قد تنقل تركيا إلى ساحة صراع محتدم جديد بما فتح النظام السياسي على ذاته من أبواب واحتمالات غبية صعبة ـ وإما الانتقال الى مرحلة تدخل بري مباشر ، بعد فشل سياسات الحرب بالوكالة ، وفي هذه الحالة ستواجه واشنطن ، بتعارض مصالحها مع ( حلفاء) الأمس على الأرض .

في هذه الأثناء يتوقع أن تستمر واشنطن في المماطلة بتوقيع اتفاق نهائي حول الملف النووي ، فاستمرار المفاوضات والتلويح بقرب تحقيق اتفاق، ليس هدفه الحقيقي (حتى في حال التوصل إليه ) الاتفاق بذاته ، وإنما تعميق حالة ومشاعر الخطر الإيراني الموهوم عند بعض العرب ، وتكريس التحالف مع ( إسرائيل ) وما يستتبع من تحولات وإهراق دماء وهدر أموال وتعميق التورط أكثر قي اليمن الخ .

كما أن امتداد المفاوضات مع إيران، سيجعل طهران في ظن الغرب ، تتريث في اتخاذ قرارات أكثر جرأة تجاه ساحات  الصراع المفتوحة ، رغم أن هذا الظن الغربي ليس دقيقاً .

وفي هذه الأثناء أيضاً، ستزداد الضغوط ( العربية ) والأجنبية التابعة ؛ على السلطة الفلسطينية، لإستئناف مفاوضاتها العبثية مع الحكومة الصهيونية ، ليس لغرض التوصل إلى حلول عادلة ، أو أقل من عادلة بكثير ، ولكن استباقاً لأي تحولات درامية في المنطقة على الصعيد الشعبي والمقاوم ، ولتضليل الشارع الفلسطيني والعربي وإمتصاص مشاعر الاحتقان الوطني ولإسقاط أو تأجيل أي انفجارات يرجح حصولها بالتزامن مع ما تحققه الجيوش الوطنية العربية والمقاومات الشعبية من إنجازات مشرفة على غير ساحة .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى