طارق عزيز .. علو في الحياة وفي الممات !

كنا نعرف أنهم لن يطلقوه حيا ولن يحترموا شيبته وتاريخه, فالذي بينه وبينهم هو العراق العربي وعروبة العراق وحريته ، ذلك هو موطن النزاع بين قامته وتاريخه وبين حكم العملاء . كانوا يثأرون منه عندما يمنعون عنه الدواء، أو عندما يسلطون عليك مسخاً ليقاضيه ويجلبه بالبيجاما الى قاعة المحكمة ويقاطعه بجلافة، ويمنع عنه الإشادة بقائد العراق أو استعماله لكلمة رفيق .

وكأن هذا الثأروهذه الخسّة هو ما تبقى لهذه الزمر الطائفية المتعفنة, وهذه الحثالات والحشود الطائفية المتحشدة في مدن العراق لاغتيال الروح والتاريخ العربي واصطناع عراق عميل مختلف .

إنها تصفية الحساب البائسة والقذرة التي طالبت ايران عملاءها في العراق بمباشرتها مع قادة الحكم الوطني منذ عام 2003  وترتب عليها  قتل النسر- الطيار والجندي – على الأرض والسياسي الذي دافع عن كرامة العراق بعد عدوان خميني عام 1980 وفقا لقوائم سلمتها ايران لهؤلاء ، وكان الانتقام شديدا ووحشيا  من الأسرى والعزّل ومن قادة حزب البعث العربي الاشتراكي وكل من وقف بوجه الحملة الصفراء الخمينية ، فقاموا بقتل وتشريد أكثر من مائة وستين ألفا من الشهداء من أعضاء الحزب ومات في الأسر انتقاما الكثير من الشهداء الذين تحدوا الجلادين والعملاء ولم يبدلوا تبديلا, وكان على رأسهم المناضل الشهم الشهيد المرحوم طارق عزيز .

كان طارق عزيز نمطا من المناضل والسياسي المثقف المحنك الذي تساوق لديه الفكر بالممارسة, وترابطت لديه قضايا الأمة واشكالياتها فكان فصيحا وهو يدافع عن العراق بقدر ما كان بليغا في الدفاع عن فلسطين ، ذلك أنه انخرط في النضال والعمل السياسي والثقافي منذ نعومة أظفاره وحقق في هذه المجالات الكثير وعبر عن الدور الخلاق والحضاري للمثقف العربي الثوري وإمكاناته في الدفاع عن قضايا الأمة ،  كما كان دبلوماسيا مميزا يليق به أن يكون ممثلا لأمة ناهضة, ومعبرا عن تاريخها ذلك أنه انطوى على معرفة بالسياسة المبدئية الصادقة النظيفة المحبة للشعب والأمة, وكان مجادلا متحديا ومدافعا عن قضايا الأمة الكبرى, والجميع يتذكر تلك المقابلة المشؤومة مع “بيكر” الذي أراد التعرض لكرامة العراق من خلال تقديم ورقة لعزيز وعليها الإملاءات الاستعمارية ودفع عزيز للورقة بوجه بيكر رفضا وتحديا ً، وكأن ذلك مما زاد وأجج الحقد علية لدى الأمريكان وأذنابهم, ولذا ميزوه في الأسر بتعذيب جعله بدون أسنان لفترة طويلة ومن دون رعاية صحية أدت في النهاية الى وفاته.

كان طارق وفيا لوطنه العراق ولحزبه ولرفيق دربه الشهيد المجيد صدام حسين, فلم يخلع صاحبه رغم الاغراءات الكثيرة التي عرضت عليه ، ووقف وقفة رجولة نادرة أمام محكمة العملاء مشيدا بقيادة العراق المؤمنة المناضلة, ومتفاخرا بانتمائه لمثل هذه القيادة الوطنية الأمر الذي جلب عليه السخط وإمعان القاضي في إذلاله أمام المحكمة والتضييق عليه في الأسر .

للعراق العربي أن يفخر بمآثر طارق عزيز النضالية المتحدية في الحياة وفي الممات ، وللنخيل أن يحزن وهو يودع نخلة سامقة مثل طارق ، وللبعث العزاء بهذا الفقدان الكبير لمناضل عاش ورحل مدافعا عن الأمة وعن عروبة العراق وحريته ، وللأسرة الصغيرة أم زياد وزياد وأفراد العائلة كل مشاعر العزاء والأسى والمحبة من كل قلب عربي نابض بالعروبة وحب الأمة .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى