عـدنـان القصـاب : رحيـل نجـم سـاطــع

واخيرا ترجل فارس الكرخ وابن العراق البار عدنان علي القصاب من صهوة جواده التي امتطاها مناضلا عنيدا طوال عقود زخرت بالعطاء والتضحيات والصبر والدفاع عن العروبة ، لكنه بقي متصدرا قطار المجد والخلود لان ذاكرة التاريخ تشهد له بحروف متوهجة بانه كان من المؤسسين لاجيال تعشق العروبة وتناضل من اجل وحدة العرب وتحررهم . منذ كنت صبيا في الثانية عشر من عمري في عام 1956 كنت اعرف عدنان فارسا بعثيا سلاحه الاقوى في كسب الانصار للحزب هو ابتسامته التي تتداعى بأزاءها كل ركامات الحياة ومواطن العتمة ، كان عدنان القصاب داعية كبير لقضية كبيرة في عصر جديد لامة العرب ولهذا لم يهتم بكبار السن فقط بل اهتم بالشباب ورعاهم ومكنهم من تحطيم ابواب التردد والانخراط بمسيرة البعث .

عندما اتذكر مسيرة البعث في الكرخ اجد نفسي امام ثلاثة وجوه تتوهج بالنور : وجه الشهيد خالد ناصر الذي ( كسبني) للحزب وانا في الثانية عشر من عمري لكنه قال لي انتظر قليلا ، وكان يزودني بمنشورات الحزب ويتحدث لي عن البعث ، وكانت اول صلة فكرية بالحزب مقال القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق الموسوم ب( بماذا تتسم حركتنا ) اعطاني اياه في عام 1956 بعد العدوان على مصر ، وبقيت انتظر حتى عام 1958 بعد الثورة وعندها ارتبطت بالحزب وكان خالد ناصر اول مسؤول لي . الوجه الاخر كان فائق الحاج توفيق الذي يتميز باللطافة والادب الجم لانه كان مسؤولا عن حلقات حزبية صرت في احداها فيما بعد .

لكن الوجه الثالث الذي حفر في نفسي اعمق الاثر هو عدنان القصاب الذي لم يكن يتردد كثيرا على مقاهي الكرخ مثل باقي البعثيين وانما كنا نراه في مناسبات معينة فقط ، كان يأتي لانه اكبر مسؤول حزبي وقتها في منطقتنا وكنا نعرف انه قيادي في الحزب ولذلك كنا نهابه ونجله ونسر برؤيته ، وكان من حسن حظي ان صلة قرابة تربطني به . كان عدنان القصاب يأتي غالبا ايام الجمع ليجلس معنا او نراه لدى المرحوم خليل الحلاق فادخل المحل وابقى اتحدث معه وهو جالس تحت موس الحلاق وعندما ينتهي يغادرنا بابتسامته الرائعة .

عدنان القصاب من البعثيين الطهريين الاصلاء : بعثي العقيدة والسلوك والانضباط ، علمنا كل ذلك بسلوكه ولم نراه يوما الا وهو يبتسم حتى في اخطر الظروف . واذكر انه في يوم 8-2-1963 عندما بدأت ثورة رمضان ضد الديكتاتور الشعوبي قاسم ، الذي اشعل الحرب الاهلية في العراق ، ذهب المرحوم عدنان القصاب بسيارته المتواضعة الى بيت المرحوم عبدالسلام عارف ، وايضا كان عارف ابن محلتنا مثل عدنان القصاب ، وقال له ( هيا ابا احمد ارتد بدلتك العسكرية فقد طلبت مني قيادة الثورة اخذك الى مقر الثوار في الاذاعة ) ، خرج عارف مسرعا وركب في سيارة عدنان والتحق بثورة لم يكن يعرف عنها اي شيء لكنها اختارته رئيسا للجمهورية لمواقفه القومية ضد قاسم الشعوبي .

عدنان الذي كان احد اهم مؤسسي البعث في الكرخ كذلك اسس لدولة البعث عندما صار مسؤولا فعمر البصرة عندما صار محافظا لها وفيها ، وبقي اينما يحل يبني ويعمر لانه يعثي والبعثي الحقيقي هو قبل كل شيء معمر وبناء وليس مطلق قصائد فقط ، كان مهندسا في السياسة مثلما كان مهندسا في بناء المؤسسات ، لذلك عندما تذكر اسم عدنان القصاب امام احد فسوف يتذكر فضائله في البناء والخدمة العامة واحترام الناس صغارا وكبارا .

بل عبر عدنان القصاب عن بعثية متجذرة تعلمنا منها الكثير وابرز ما تعلمناه انه ليس مهما موقعك في الحزب والدولة لان الاهم هو ان تخدم من اي موقع وباي مستوى ، فحينما فقد منصبه الكبير لم يتردد في العمل في مجال بالغ البساطة مثل عمله في طريبيل على الحدود موظفا بسيطا يقطع التذاكر ! ورغم هذا التبدل في وظيفته من قيادي في الدولة والحزب الى موظف في اصغر الوظائف ، ورغم اصابته بالسكري الذي اخذ ينهش جسده النحيل لم يتخلى عن تلك الابتسامة التي لا اتذكره الا وهي تعتلي قسمات وجهه ، تذكرت تلك الابتسامة اليوم عندما سمعت نبأ وفاته فرأيته جالسا في محل عمنا خليل الحلاق يبتسم ويتحدث بهدوء ، لم لا وهو بعثي عقائدي يكتسب قيمته من ذاته المندمجة بالعقيدة والعروبة وليس من وظيفته او مستواه الحزبي .

عندما يذكر البعث امامي فأول الوجوه التي تترى امامي بعفوية هي وجوه هؤلاء الثلاثة : الشهيد خالد والمرحوم عدنان والاستاذ فائق الحاج توفيق اطال الله عمره ان كان حيا ورحمه الله ان توفاه ، لكن وجه عدنان عندي هو الاكثر عمقا في الروح فقد كان منارة عالية تشع نورا وبقي حتى وفاته وستبقى منارته تنير الدرب للقادمين .

رحم الله الفقيد الكبير عدنان علي القصاب واسكنه فسيح جناته وانا لله وانا اليه راجعون .

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كان رئيس الشركة العامة للمقاولات الانشائية التى نجح في تطويرها حيث عملت فيها لمدة 18 عاما .. لا اعرف ان المرحوم شغل منصب محافظ البصرة كما يقول الكاتب الذى ركز في مقاله عن حزبية الراحل فقط التى لايمكن مقارنتها بخدمته المهنية..
    رحم الله المهندس المبدع عدنان علي حسين الفصاب وادخله واسع رحمته

زر الذهاب إلى الأعلى