مطلوب تفعيل دور المساجد في مواجهة ”ايديولوجبا فقهاء الدماء والدمار”

يرى مراقبون ان بعض المساجد باتت تشكل مراكز التقاء وانطلاق لعديد من اصحاب الفكر المتطرف الذين تمكنوا جراء ذلك من بناء شبكة علاقات اجتماعية امتدت عبر المحافظات والمدن ، واسسوا بالتالي ما نعتوه بـ ” مجتمع الموحدين ”، ثم تمكنوا من نسج شبكة علاقات اخرى مع جماعات متطرفة في دول الجوار .
هذه الجماعات التي تتخذ من ارض الوطن مقرا بشكل عام، او ممرا في بعض الاحيان تستقطب العديد من الافراد الذين يرغبون في الالتحاق ببؤر القتال في الخارج بعد التغرير بهم، وتصوير ذلك القتال بما يتخلله من عنف مرضي وجرائم يندى لها الجبين بأنه جهاد في سبيل الله، او دفاع عن الشعوب المضطهدة .
ما تقدم يعني ان فئة من تلك الجماعات تنبري من خلال المساجد وحلقات الدرس للتغرير بالافراد واستقطابهم وتجنيدهم، وتقديم الدعم اللوجستي لهم ، ثم تسفيرهم فرادى وجماعات الى بلد المقصد بتدبير وتنسيق مسبق ناجم عن امتداد وتواصل تنظيمي بين الطرفين تشد اواصره وتدعم ترابطه ” ايديولوجيا فقهاء الدماء ” التي تضرب على غير هدى من الشرع الحنيف ، وبعيدا عن مراميه ، وخلافا لما يقوله النص .
ويقول المراقبون ان تسمية ”مجتمع الموحدين ”التي اطلقوها على انفسهم يمكن ان ينظر اليها من خارجهم على انها عبارة عن ”مجتمع اسلامي النكهة ” ، وفق تعبيرهم.
د. بسام العموش الذي بيّن ان جماعات هذا الغيتو تعتبر كل من لا يفكر على طريقتها ويقول بقولها ولا يتبنى مواقفها هو واقع في خطأ او حتى خطيئة قد تصل الى درجة الكفر عند بعضهم ، مؤكدا ان عقلية الغيتو هذه ليست من الاسلام في شيء.
هذا” الغيتو او مجتمع الموحدين ” ان لم يتم تجفيف منابعه فإنه سيتعولم اكثر مما هو حاصل الان ، حيث اصبح العالم اليوم اشبه بساحة مفتوحة لانتقال من يحلو لهم ان يتسموا – ظلما وعدوانا – بالمجاهدين بأجسادهم وافكارهم وافعالهم، غير مكترثين بالحدود التي يعتبرون انها صنيعة الاستعمار، وانهم وظفوا العالم الافتراضي لكسرها عبر مختلف الحواضن سواء اكانت اجتماعية او فكرية او دينية او عسكرية او امنية ، ثم جعلوا العالم الواقعي – بعد ان هيمنوا على الافتراضي – ساحة مشروعة لاعمالهم العنيفة واكتسبوا مؤيدين وانصارا وفروعا تحذو حذوهم مضبوعة ومخدوعة بأفكارهم في مختلف ارجاء العالم .وما دام الحال على هذا المنوال ،فإن الاردن ليس نسيجا وحده ، بل يعتبر ساحة كباقي الساحات المعرضة لتهديدات الجماعات المسلحة لولا ان الاجهزة المعنية تقف بالمرصاد لهذه الفئة من مرضى النفوس والعقول في آن واحد .
الفعل الامني والعسكري الذي تمارسه الاجهزة المعنية بغية تحجيم تلك الجماعات لابد ان يوازيه فعل فكري توعوي ينطلق من خلفية عقائدية اسلامية وسطية يبادر اليها الائمة والوعاظ في المساجد ،وبإشراف جهات مؤهلة لقيادة الفعل المطلوب.. قيادة ذكية تعتمد على ادوات يقتنع بها العقل والمنطق ، وتكون قادرةعلى هدم وردم ذلك الإفك الذي يحصد ارواح الابرياء بلا حساب .
المراقبون الذين قالوا بربط جذور وبذور الفكر التكفيري المتطرف بالمساجد وجدوا من يعترض على هذا الربط تنزيها للمساجد وتعظيما لمكانتها ودورها، لكن واقع الحال الذي يؤكده المراقبون يفيد بأن العديد من المساجد قد انقلبت الى دور وثكنات للجماعات والفرق والاحزاب، فبعدت بهؤلاء وبممارساتهم عن دورها الريادي والقيادي في بناء الانسان ونشر الامن والاستقرار ، وكان ان تبنّى مستخدموها اياهم افكارا ما انزل الله بها من سلطان او بيان، فدخل هؤلاء الافراد في متاهات الجهل والضلال والخراب التي قادتهم الى ازهاق الارواح بدم بارد ، وتدمير الحضارات ، وتطويع النصوص لخدمة مراميهم واغراضهم ذات النزعة الاجرامية والدنيوية التي البسوها لبوس التدين والتقوى دون ان يرف لهم جفن .
وفي هذا السياق يؤكد المراقبون ان المسجد هو المكان الجامع للأمة ، الحريص على وحدتها وقوتها ولا يجوز ان يتحول في غياب الرقابة والمتابعة الى ملاذ لجماعات تتبنى الافكار الشاذة وتنشر الاختلاف والنزاع والاقتتال على المدى البعيد كونهم – اي اؤلئك الشذّاذ – يعبدون احزابهم وحركاتهم ويدافعون عنها اكثر من دفاعهم عن الاسلام ، فحملوا وزر خلوّ بعض المساجد من روح المحبة والالفة ،ما ادى الى انقسام ونزاع بين المسلمين ، فحلّ الخوف والاضطراب مكان الامن والاستقرار.
والسؤال هنا : لماذا لاتتضافر جهود المؤسسة الدينية ممثلة بوزارة الاوقاف ودائرة قاضي القضاة ودائرة الافتاء لوضع آلية وخطة محكمة تعيد للمساجد رسالتها السمحة وتحميها من العبث الفكري الذي يمارسه البعض في اروقتها، متدثرا بثياب التدين والتعبد القائم على افكار لاحقيقة لها الا في عقله الذي قد يكون مريضا .
ثم متى تكرس هذه المؤسسة بجهود اطرافها الثلاثة دور المسجد الاجتماعي ، باعتباره احدى المؤسسات التربوية ذات الدور المباشر بين الداعي الموثوق المرموق والافراد في جو من المودة والاخاء ؟.
الم يكن المسجد اول مؤسسة انشأها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة الى المدينة لتكون هذه رسالة الى عموم المسلمين حول محورية دور المسجد في حياتهم وكيف انه ليس مكانا للصلاة فحسب ، بل مركزاً لإدارة شؤون الناس وتسسيير مصالحهم الدنيوية وحل مشكلاتهم اليومية ؟
أليس من المفروض ان يؤدي المسجد دورا محوريا في حياة الشباب باعتباره يربي الاجيال، ويدعم التواصل الاجتماعي ، ويساعد على اصطفاء الاصدقاء ويشغل وقت الفراغ ؟ ألا يجب ان نعيد للمساجد ألقها ودورها التنويري لتصبح ذات تأثير بالغ وشامل في حياة الشباب فتقدم لهم ما عجزت عن تقديمه الاجهزة المعنية والمؤسسات الاخرى؟
على صعيد ذي صلة ، يؤكد علماءالنفس والاجتماع ان مرحلة المراهقة والشباب هي الفترة التي يكون فيها الدين بالنسبة للشباب هو المخرج او المتنفس الذي يحقق الامان من الضغوط النفسية والمشكلات الانفعالية ، وبالرغم من ان المسجد منذ عهد الرسول ( ص ) وحتى اليوم مؤمل لجميع المسلمين من مختلف الاعمار : فإن له دورا شديد الخصوصية في حياة الشباب ، فهو يحميهم من الانحراف والتطرف من خلال عقد الندوات واللقاءات والمحاضرات بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم ، ما يعني ضرورة الاستعانة بالدعاة المؤهلين علميا ، ولديهم القدرة على الاقناع والتحاور مع الاخرين .
من هذا المنظور يحث المراقبون على ضرورة التركيز في خطب الجمعة على الشباب وقضاياهم، وتنظيم نشاطات وبرامج متنوعة تتصل بهم وبتطلعاتهم، خصوصا خلال الاجازات الصيفية وشغل اوقات الفراغ لديهم تجنبا لاستغلالهم في اعمال تضر بهم ايضا، ولا بد من تدعيم روح الاخوة والتعاون والمساواة وغيرها بين الشباب، ما يساعد بشكل فعال في دعم القيم الاسلامية، وتوجيه السلوك الاجتماعي نحو الطريق الصحيح.
ما تقدم يعني ان المساجد وبيوت الله يجب ان تلعب دورا في اسناد جهود مكافحة الارهاب والتطرف الذي تمارسه الجماعات التكفيرية باسم الدين، والدين براء من ذلك، وعلينا ان نتذكر ان دور المسجد في الحرب الفكرية والتثقيفية التنويرية دور اصيل تتحرك في محوره وتدور في فلكه باقي الادوار المطلوبة من كل المجتمع افرادا وجماعات .
المراقبون الذين شددوا على اهمية العمل العسكري والامني في محاربة الارهاب ، قالوا ان المسألة اعقد من ذلك وتتطلب نفسا طويلا، والعمل على عدة جبهات وطنيا ودوليا وحكوميا وشعبيا، وبينوا ان الارادة الوطنية الرسمية والشعبية هي البوابة الرئيسية لمواجهة هذه الحالة ، وذلك عن طريق رفض ” ايديولوجيا فقهاء الدماء ” ومحاربتها تنظيميا وفكريا وعقائديا ودينيا .
خلاصة القول … ان مواجهة الارهاب والتطرف ومحاربتهما تتطلب تضافر جهود اطراف المؤسسة الدينية لتجعل من مساجدنا منارات اشعاع دعوي توعوي تنويري يتجند لتكريسه وتوصيله الى الناس دعاة اكفياء انقياء ،وذلك بالتزامن مع تنفيذ برنامج اقتصادي اجتماعي يقوم على المشاريع الانتاجية ، باعتبار انه لا تغيير حقيقيا بالمفاهيم والفكر والثقافة من دون تغييرجذري في بنية الاقتصاد ، وان يتحرك الاعلاميون بالتزامن مع تحرك خطباء المساجد وائمتها ووعاظها تحت مظلة فكرية منظمة وواضحة لتبيان زيف ادعاءات تلك الحركات وعدم وجود علاقة بينها وبين الاسلام الحنيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى