في ذكرى “المجد”

تلهث الخيبات والأحلام المتعبة من خلفنا، وتجرجرنا من انكسار لآخر. نصارع حوتا ضخما بكل أسلحتنا الغبية، ونذهب.. ويبقى الحوت. يقول الشاعر المبدع حميد سعيد في ديوانه الجديد” أولئك أصحابي” حين يتحدث عن الكابتن إيهاب في الرواية العظيمة”موبي ديك” لهرمان ملفيل:

لِمَ هذا الغباءْ

حاولتَ أن تجعل الماء مقبرةً

وحاولَ أن يجعل الماءَ.. مملكةً ساحرهْ

في موانئ باردةٍ

 بانتظاركَ كلُّ الذين ضيّعتهم في المياهِ البعيدةِ

حيثُ اقتفيتَ ما كنتَ تحسُبُهُ حُلُماً

ومن أجل وهمٍ تلبَّسَ روحكَ..

ها أنتَ.. في هذه المدينةِ..

لا أحدٌ من أباطرةِ الموتِ..

ممَّن خلعتَ عليهم بُرودَ العواصفِ..

يسألُ عنكَ

مضرجة بمرارة الملح.. مذ كانت لنا فلسطين، مذ كان لنا عراق، مذ كان لنا..

وحين لم يبق لنا من” الحين” ذاك إلا حنين الذكريات لزمن”كان جميلا”، أهرع لألقي برأسي عند عتبات” المجد”..”تعالي أقاسمكِ الهموم تعالي”، عند عتبات “أبي المظفر”.

أجرُّ قلمي وقد ثقلت خطواته، واستعصى عليه شقّ الدروب ال.. كانت دروبا، أخذوا حلمي، انتزعوا يقيني بأن الفجر سيلوح، ذبحوا عروبتي ب”ربيعهم ” المضرج بالدم. أطفال أُحرقوا في كل مكان، باسم”الشرعية”. من ألف عام وهم يقولون سنحرر فلسطين، والمسجد الأقصى المستباح، قرفت من خطبهم وبياناتهم ومؤتمراتهم وأكاذيبهم.

يثرثرون في فضاءات تضيع في أصواتهم القبيحة.

ألا أيها الليل الطويل.. لماذا لا تنجلي ؟؟

في فمي ملح كثير يا “أبا المظفر”، لست بقادرة أن أبلعه، ولا أن أتقيّأه. وأرتمي عند عتبات” المجد” لا أملك إلا أن أصرخ من خلف الملح، لا أملك إلا انتظار كلماتك التي تقول ما يزال هناك أمل، ما يزال الصمود والصبر سلاحنا. وهم ماضون في غيّيهم، في شرورهم، باسم إعادة الشرعية لرئيس هارب. كلهم هاربون بانتظار” اليد العليا” لتعيدهم إلى سلطة مزيفة، والضحية، كالعادة الشعوب العربية المدماة بتاريخ مهترئ. يتصارع الكبار في اليمن الحزين من أجل اقتطاع كعكة اليمن ليسيطروا على المياه والجو والأرض، متناسين أن هناك شعوبا تئن من أوجاعها، يتصارعون والأفاعي تتكاثر، من أمريكا وإيران وتركيا وكيانات الشر العربي والصهيونية العالمية، كيانات الشر العربي التي استيقظت بكل هذا” البتع” لتكشر عن أنيابها، وما أطلقت يوما رصاصة واحدة من أجل فلسطين، وتآمرت في السابق على العراق الذي كان ” بعبعا” يهدد وجودها، وما يزالون يتآمرون على سورية الصامدة بكبرياء لأن صمودها يمثل” بعبعا” آخر لهم حين تخرج سورية من محنتها، ويكون حينئذ لكل حادث حديث أو فعل يمحو كل تلك الدماء.

في فمي ملح يا “أبا المظفر”..

ألجأ ل”المجد” الغالية في عيدها الحادي والعشرين، وهي التي صمدت وواجهت الرياح العاتية عبر سنوات صبرها، وكابدت كل التآمر عليها، من أجل أن تصل رسالة العروبة إلى كل الذين ما يزالون يحملون في قلوبهم، وفي عيونهم، وفي تفاصيل حياتهم.. جمر المبادئ التي نشأوا عليها.فتحية للمجد، بيتنا، خيمتنا، عريننا، ولأبي المظفر ملاذنا.

ونبقى على العهد دائما معك، رغم كل الجراح التي تحدث عنها شاعرنا الجميل نزار قباني:

” تاريخنا كله محنةٌ وأيامنا كلها كربلاء”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى