بين يوم الأرض وعاصفة الهبَّاش و”الناتو العربي”!

قبل أيام احيا الفلسطينيون داخلاً وشتاتاً، ووحدهم، يوم الأرض العربية الفلسطينية. والأرض، تعني للمحتفين بيومها الوطن ووجوب تحريره والعودة اليه. والوطن، يعني لسوادهم كل فلسطينهم التاريخية والجغرافية، واضافة الهوية اليهما، أو بكل ببساطة هو ما تلخصه مقولتهم الخالدة  “من نهرها الى بحرها”. والعودة لا تستقيم إلا إذا كانت لكامل قراهم التي مسحها الغزاة الصهاينة من على وجه الأرض، أو التي لازالت اطلالاً، وكل مدنهم التي استوطنها المستعمرون وغيَّروا أو حرَّفوا اسماءها أو ابقوها كما كانت. بمعنى تتساوى عند المحتفين بيوم أرضهم شجرة زيتون في الجليل بشجرة جميز على شاطىء عسقلان أو شجيرة سدر في قلب النقب، وهاته وتلك بمأذنة مسجد الجزار في عكا.

هذا الكلام البدهي، ومن أسف، بات في مثل هذا الراهن العربي المخجل، والفلسطيني المخزي، والعالمي المشين، يبدو وكأنما هو طوباوي، لكنما هو كان وسوف يظل لحمة وسداة الحقيقة الفلسطينية الخالدة، والتي لن تطفىء جذوتها الأبدية متكاثر الأفواه المعوَّجة لناعقي مراحل الإنحدار وحقب العار التي أُكرهت على المرور بها أمة مقهورة طال تغييبها ولن تطول غيبوبتها. إنه ليس إلا المعادل لعميق الوجع الفلسطيني المبتكر لإسطورية العناد النضالي الفلسطيني المعمَّد بالتضحيات المافوق بشرية والمادام هناك فلسطيني واحد على وجه هذه البسيطة. وإذ هو كذلك، فإن أول ما يعنيه إحياء يوم الأرض هو رفض العرب الفلسطينيين، داخلاً وشتاتاً، التسليم بضياع الأرض الوطن والوطن الوجود والهوية، وبالتالي رفض الوجود الاستعماري الصهيوني الغازي الغاصب لفلسطين من نهرها الى بحرها جملةً وتفصيلاً، بمعنى رفض كافة تجليات النكبة الفلسطينية المستمرة التي تعيشها فلسطين الوطن والإنسان، بل وكل الأمة، منذ 66 عاماً. والرفض لا من ترجمة حقيقية له إلا المقاومة، وهذا يعني  بدوره رفضاً للراهن العربي المخجل والفلسطيني المخزي، وهذان تجسدا مؤخراً أيما تجسيد في سلطة “أوسلوستان” وجامعة الأنظمة العربية، التي تصادف مع الاحتفاء بيوم الأرض العربية المغتصبة احتفالها بمرور سبعين عاماً أعجفاً على تأسيسها، وانعقاد الدورة العادية ال26 لقمتها الأخيرة في شرم الشيخ، أو المدينة التي لسوء طالعها من بين كل المدن العربية أن مؤتمراتها كافةً لم تقترن يوماً بخير بالنسبة للقضية الفلسطينية.

بالنسبة لسلطة “اوسلوستان” فقد تصادف مرور ذكرى يوم الأرض هذه المرة مع بدء تنفيذ قبول عضوية فلسطين في محكمة الجنايات الدولية، وهاتان المناسبتان، مع تسريب صهيوني، لم يأت بمحض الصدفة ولم يجرؤ أوسلوي بعد على نفيه، يكشف عن “تفاهم هادىء” بينها ومحتليها يقضي بمقايضة الإفراج عن أموال ضرائبها المجمَّدة مقابل تجميدها اللجوء لهذه المحكمة، وطبعاً مع مواصلة تنسيقها الأمني المصون والمفروغ منه في خدمة أمن الاحتلال. اما ثالثة اثافيها التي لاقت بها مثل هذه المناسبة الوطنية، فكانت دعوة مستشار رئيسها وقاضي قضاتها الحالي ووزير اوقافها وشؤونها الدينية السابق، محمود الهبَّاش، المباشرة، بعد أن كان رئيس السلطة قد دعى مواربةً في خطابه في القمة، تحالف المتحالفين من عرب جامعة الأنظمة العربية في شرم الشيخ، بتوسيع سيناريو حملة “عاصفة الحزم” التي تُشن على اليمن ليشمل حزمها التدميري غزة المُدمَّرة والمحاصرة، لإنهاء ما يعرف ب”الانقسام” جواً، بمعنى اعادة غزة المقاومة رغم انفها إلى “شرعية” بيت الطاعة الأوسلوية، ليشملها التنسيق الأمني مع سائر بركاته التي تنعم بها الضفة!

أما في قمة جامعة انظمة السبعين حولاً اجدباً، الجاثمة على صدر أمة مغيَّبة ولن تطول غيبوبتها، وعلى مرمى حجر من غزة المحاصرة عربياً وصهيونياً، أو كما يقول بدو سيناء على مبعد “مقرط العصا”، غابت فلسطين مع غزتها تماماً، اللهم إلا من معهود عبارات التأكيد  على ما كان يتكرر تأكيده على مدار ما سبق من قمم ولم ينفَّذ…في راهن الأمة الحالك اختلط الحابل بالنابل، غامت المصطلحات وتشوهت المفاهيم وانقلبت المعايير، فالعدو لم يعد عدواً، بل ويكاد في ظل البحث عن بديل له أن يصبح حليفاً، وفي ظل قرع طبول المذهبية تتم محاولة استبداله بآخر لعل من المفترض، بل والطبيعي، وحتى ابسط ما تقتضيه مصلحةً الطرفين، ناهيك عن التاريخ والجغرافيا والمشترك الحضاري والثقافي، أنه الظهير والنصير لا العدو لأمتنا. وإذ اختلط ما اختلط، هاهم بعد طول تجاهل لميثاق الدفاع العربي المشترك، وبعد طول لترجمة مقولة التضامن والعمل العربي المشترك إلى فرقةً و شرذمةً وخنوعاً، يتحدثون عن قوة عربية مشتركة لن تكون مهمتها وفق ما يقتضيه واقع الحال سوى الدفاع عن الأنظمة لامجابهة اعداء شعوبها…هالني سماعي لأحد “المحللين الاستراتيجيين” المتحمسين للمقتلة اليمنية، وهم الكثر في هذه الأيام في الفضائيات العربية، يدعو لتشكيل “ناتو عربي”، هكذا وحرفياً، ولقتال من ؟! ليس الصهاينة قطعاً، وإنما حصراً “الإرهاب”، هذا الممنوع عمداً من التعريف، وبعضه الممول، وياللمفارقة، عربياً!!!

…يرمز احياء يوم الأرض العربية الفلسطينية إلى ايمان اهلها بأن الصراع هو صراع وجود وضرورة بقاء، وأن لامن خيار لهم سوى استعادتها بتحريرها والعودة اليها، وبإحيائه يذكِّرون أمتهم من محيطها الى خليجها، بأن فلسطينها تظل بوصلتها، ولا من عدو لها إلا الغرب مختصراً في الأميركان ومتجسداً في الصهاينة، وعليه، لاوطنية ولاقومية ولا وحدة ولا نهضة ولا تقدم ولاسلام، ولا حتى ما يضمن وجوداً أو يبقي على هويةً، دون مجابهة هذا العدو مختصراً ومجسداً…

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى