عاش اليمن السعيد أو قل الحزين أسبوعا ساخنا قبيل بدء عاصفة الحزم شهدت خلاله تسارعا في الأحداث وتطورات دراماتيكية دفعت باتجاه هذه النتيجة وساهمت في خلق الظروف المناسبة لها حيث بدأت بوقف الملاحة الجوية في مطار عدن الأسبوع الماضي تلاه سلسلة من التفجيرات هزت مسجدين تابعين للحوثي وسط العاصمة صنعاء والتي خلقت المبررات للحوثيين وحلفائهم ومهدت الأرضية لهم حتى يحسموا أمرهم ويعلنوا التعبئة العامة للزحف نحو عدن رغم ادراكهم خطورة مثل هذه الخطوة لا سيما بعد ما أعقبها من تهديدات جاءت على لسان وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل بأن الحل العسكري سيكون مطروحا في حال فشل الحل السياسي الأمر الذي استغله الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور لإطلاق نداء الاستغاثة لدول الجامعة العربية بضرورة التحرك لإنقاذ اليمن والتي شكلت الغطاء الشرعي لعاصفة الحزم بقيادة سعودية وبمشاركة 10 دول عربية وإسلامية.
من أبرز الأسباب التي قدمتها السعودية ودول الخليج في بيانها الصادر مع الساعات الأولى للعملية هو عدم التزام الحوثيين بما نصت عليه المبادرة الخليجية والتي وقعت عليها كافة الأطراف السياسية في اليمن نوفمبر\تشرين الاول عام 2011 إلى جانب تهديد الحوثيين لسلامة واستقرار دول الخليج بشكل عام لا سيما مع تواجد أطنان من الذخائر والأسلحة الثقيلة خارج أيدي السلطة الشرعية وفق ما جاء في البيان.
ما يغيب عن البيان وهو الأهم حقيقة أسباب هذه العملية ودوافعها .. فالسعودية ومن ورائها دول الخليج العربي وبعد أن بدأت النيران بالتهام حديقتها الخلفية “اليمن” قررت خلع قفازاتها والضرب بنفسها للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والتي تمثل اليمن بإطلالتها على مضيق باب المندب الاستراتيجي أهم ركائزها. حيث بادرت بنفسها ولم تنتظر حتى يتم تشكيل تحالف أممي لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد هذه المصالح لا سيما في ظل الفشل الملموس للتحالف الدولي وسياسته غير الحاسمة لمواجهة داعش حيث أن الأوضاع في الحالة اليمنية لا تحتمل مزيداً من الوقت , الأمر الذي سيشكل نقطة تحول هامة وانعطاف دراماتيكي في المشهد العربي المتفجر سنرى فيها نهاية لحرب الوكالات مع المنافس الإيراني وبداية محتملة لمواجهة مباشرة لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون متحمسة لإيقافها لا سيما وأنها تأتي في سياق نتائج مخطط الفوضى الخلاقة الذي أعلنته رايس في الزمن الغابر.
السعودية ومع أول طلعة جوية لمقاتلاتها كانت توجه رسائلها لإيران اللاعب الأبرز في هذه المعادلة والداعم الأكبر إعلاميا وسياسيا وعسكريا لمليشيات الحوثي اليمني، الرسائل التي يمكن قراءة عناوينها بأن السعودية لن تسمح بأن يضاف اليمن لأوراق اللاعب الإيراني المنافس الرئيس لها في الهيمنة على الإقليم حتى لو تطلب الأمر المواجهة المباشرة.
قراءة في ردود الفعل:
اعلان انطلاق الحملة على لسان السفير السعودي في واشنطن وتأكيده أنها تستند لميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية ربما أكسب الحملة غطاءً من الشرعية الأمر الذي تترجم في ردود الفعل الأمريكية والدولية بشكل عام والتي أيدت العملية ورحبت بها باستثناء موسكو التي جاء موقفها متوقعاً حيث دعت لوقف جميع الأعمال القتالية في إشارة واضحة لرفض العملية.
ردود الفعل الدولية المتماهية مع هذه العملية واختيار السفير السعودي في واشنطن لإعلان انطلاقها تجعل من غير المستبعد وجود تنسيق وعلم مسبق بها لا سيما بعد ما ذهب إليه العقيد الأمريكي المتقاعد ريك فرانكونا في تصريحات لشبكة سي ان ان الأمريكية أنه لا يستبعد أن تكون السعودية قد حصلت على معلومات استخبارية من الجانب الأمريكي لتنفيذ ضربات جوية بدقة عالية.
على الجانب الآخر جاءت المواقف الإيرانية كما هو متوقع مستنكرةً لهذه العملية وتعتبرها مخالفة للقانون الدولي في أفضل الأحول وفي أسوأها كما جاء على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجودي الذي أكد أن دخان نيران الحرب في اليمن سيصل إلى عيون السعودية وواشنطن.
إيران التي تصارع على أكثر من جبهة سواء على الأرض في العراق وسوريا واليمن أو على الحلبة السياسية في مواجهة دول خمسة زائد واحد لإتمام صفقتها النووية لا ترى في اليمن وشيخ مناصريها الحوثي سوى ورقة إضافية تسعى لتوظيفها في هذه الصراعات التمددية لا سيما السياسية منها حيث يسود اعتقاد أن سماح الولايات المتحدة الأمريكية أو تغاضيها عن العملية العسكرية في اليمن في هذا الوقت بالذات –قبيل توقيع الاتفاق النووي- سيعمل على ارباك المفاوض الإيراني والإسراع في تلبية الشروط وتخطي العقبات للفوز بأهم ما تنتظره طهران من وراء هذه الصفقة وهو رفع العقوبات الاقتصادية حيث ستقتضي المواجهة في اليمن مزيدا من التكاليف لا طاقة لطهران بها خاصة وأن أسعار النفط بدأت بالالتهاب مع اول قذيفة حطت رحالها في صنعاء ما سيفتح الشهية للإسراع في رفع العقوبات الاقتصادية.
السيناريوهات المتوقعة:
يمكن الحديث عن أكثر من سيناريو قد تؤول إليه الأمور مع دخول العاصفة في مدار المنطقة حيث يرجح أن يسارع الحوثيون للسيطرة على باقي المدن اليمنية الأمر الذي سيستوجب التدخل البري للقوات المشاركة في هذا التحالف .. ما يعني حربا قبلية أهلية ستأخذ المنحنى الطائفي شاءت الأطراف أم لم تشأ وبالتالي سنكون أمام منطقة رخوة غير مستقرة وبالتالي ورقة جديدة أقل تكلفة في يد اللاعب الإيراني وأكثرها تأثيرا بحجم تأثير موقع اليمن الاستراتيجي في المنطقة.
السيناريو الآخر والذي يمكن ان تؤول اليه الأمور هو أن يستفيق الحوثيون بفعل الضربات الموجهة إليهم ويعودوا أدراجهم لطاولة الحوار مع ضمانات بمشاركتهم في الحياة السياسية هذه الضمانات سيتحصّلون عليها كنتيجة لهذه الأزمة الممتدة التي فرضوها والتي سيكون الخشية من تكرارها هو الضامن الرئيسي لهذه المشاركة وليس الصندوق الانتخابي وبالتالي تكرار للنموذج اللبناني مع استبدال الحزب بالأنصار.
مهما تعددت السيناريوهات ونتائجها الكارثية على صعيد الجزيرة العربية التي شكلت مهدا لمخططات قتل ثورات الشعوب في مهدها فإنه يمكن القول إن أفضل ما يمكن استخلاصه من هذا المشهد هو أن ثمة قناعة بدأت تتشكل في العالم العربي مفادها أن محاولة الالتفاف على إرادة الشعوب وإن حققت نتائج لحظية فإنها سرعان ما ستنقلب إلى نتائج عكسية لا يمكن ادراكها إلا بربط أول الأمر بآخره، وهذه القناعات ربما تنقلنا إلى السيناريو الأقل تكلفة على الشعب اليمني وغيره من ضحايا قمع الإرادة وهو القناعة التامة بهذه القناعة، وقديما قالوا العبرة بالخواتيم.