دمشق العروبة

كانت دمشق وستظل قلب العروبة النابض وبوصلة الاستقلال والحرية في الوطن العربي، فالشام، كما يطلق عليها العرب في شتى امصارهم، هي قبلة العرب الاولى في التجارة والسياحة والعمل، ولذلك تجد فيها سكاناً ومقيمين من مختلف اقطار الوطن العربي من المحيط الى الخليج، كما كان يقصدها المناضلون العرب الهاربون من بلادهم بسبب الظلم والاستبداد والملاحقة، ونحن كاردنيين لا زلنا نذكر كيف لجأ اليها منذ عقد الاربعينات من القرن الماضي، المناضل الاردني صبحي ابو غنيمة الذي اقام فيها بعد خلافه مع الملك عبدالله – في حينه- وكذلك بعض الشباب الاردني من الوطنيين الاحرار فيما بعد الذين لجأوا اليها خوفاً من الملاحقة والاعتقال من قبل السلطات الاردنية بسبب نشاطهم الوطني المعارض لسياسة الحكومة الاردنية الموالية للانجليز آنذاك.
ولذلك فانني عندما اردت اكمال دراستي الجامعية اخترت الشام والتحقت بكلية الحقوق فيها وتخرجت عام 1954، وكنت ولا ازال اعشق دمشق واحبها واعتبرها ”وطني الثاني” بعد عمان التي ولدت فيها واعيش فيها مع عائلتي واولادي واحفادي.
وفي احدى المرات كنت مسافراً الى دمشق مع وفد اردني بدعوة من الامين العام لحزب البعث العربي في سوريا لحضور مؤتمر عن القدس، وعلى الحدود فوجئت بمدير الحدود – وهو ضابط برتبة عميد – يطلبني الى مكتبه ويقدم لي القهوة والحلويات والحديث الودي، ثم يبلغني بأسف بالغ انني ممنوع من دخول سوريا.. فقلت له ومن قال ان دمشق لكم حتى تمنعوا من تريدون وتسمحوا لمن تريدون.
فقال بأدب : اذن لمن دمشق سيدي ؟
فقلت له : دمشق هي للعروبة، لكل العرب ومن حق كل عربي ان يدخلها في اي وقت واي ظرف يشاء.
وقال الضابط في استحياء : والله انك تقول الصحيح وسأفعل كل شيء لتمكينك من دخول دمشق.. وارجو ان تنتظر.
وعندما علم باقي الوفد، وهو مكون من حوالي عشر سيارات خاصة وحافلة مليئة بالشباب المناضلين وممثلي الاحزاب والنقابات، بالامر تضامنوا معي وابلغوا مدير الحدود انهم هم ايضاً سيعودون.. قائلين لمدير الحدود : ان الذي تحاولون منعه هو رمز من رموز النضال على مستوى الوطن العربي، واذا كنا نحن نعاني من انظمتنا الاستبدادية الغربية في بلادنا، فهل يتعين علينا ايضاً ان نعاني من حكام دمشق قلب العروبة ومهوى افئدة الوطنيين في العالم العربي ؟؟
وعليه، فقد انتظر الجميع حتى انتهى مدير الحدود من اتصالاته وحصل على الموافقة، فدخلنا جميعاً دمشق، وحضرنا المؤتمر واثبتت سوريا بالفعل انها وطن العروبة الاول والعرب اجمعين.. حماها الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى