الصحافة الورقية..الازمة والحل

تعمقت ازمة الصحافة الورقية في بلادنا، وبات الحبر مرشحاً للجفاف، والحرف محاصراً من جميع الجهات، والمطبعة مهددة بالكف عن الدوران.

صحف عريقة تقف الآن في مهب الافلاس، واقلام كبيرة تتخوف من غائلة صمت قريب، وطواقم فنية وادارية وتحريرية غفيرة يكتسحها القلق ويستبد بها الرعب من المصير المجهول الذي ينتظرها.
حتى اليوم، ليس لهذه الصحافة المنكوبة من ناصر او معين، فهي اضيع من الايتام على مائدة اللئام، وهي مطالبة بان تقلع شوكها بايديها واظافرها، رغم انها ”مقلمة الاظافر” منذ زمن بعيد.
لا دور لنقابة الصحفيين، ولاوقت لدى الحكومة للمساهمة في انقاذ هذه الصحافة من شبح الافلاس، والوقوف الجدي الى جانبها وهي تجتاز هذه المحنة القاتلة، لعلها تعاود ”رفع رأسها” من جديد، وتستعيد ما كان لها من عز وحضور وتأثير.
كثر الحديث مؤخراً عن دور مركزي ومحوري للاردن على الصعيدين العربي والاقليمي، وتباهى الكثيرون بنعمة الامن والاستقرار قبل ان يتباروا في كيل المدائح والمحسنات اللفظية لكبار المسؤولين، ولكن احداً من هؤلاء المداحين لم يسأل نفسه، كيف يمكن لاي بلد ان يلعب دوراً في غيبة اعلام ناشط وصحافة قوية ومزدهرة ؟؟ كيف يمكن للاردن ان يؤكد ذاته ويعزز مكانته ويؤدي رسالته بلا ”رأي” ولا ”دستور” ولا ”غد” ولا ”مجد” ولا ”سبيل” ؟؟
المدهش ان رئيس الوزراء الذي ما زال متقاعساً عن مد يد العون للمؤسسات الصحفية المأزومة، هو اكثر الناس علماً باهمية الاعلام ودوره في الزمن الراهن، وهو اكثر رؤساء الحكومات غراماً بالتصريحات الصحفية والمعلقات والمطولات التلفزيونية، ولو احصينا حجم المساحات الصحفية وعدد الساعات التلفزيونية التي استوطنها وتملكها بوضع اليد، لما وصل الى نصف مستواه اي من رؤساء الحكومات في تاريخ الاردن.
حل ازمة الصحافة الورقية سهل غير ممتنع، ومقدور عليه بسرعة ونجاعة اذا ما توفرت لدى الحكومة النية الحسنة والارادة الصادقة والجدية، حيث يمكنها التعامل مع هذه الصحافة مثلما سبق ان تعاملت مع الاحزاب السياسية التي قدمت لها دعماً مالياً سنوياً غير مشروط ولا مربوط بنوع مبادئها ومواقفها وبوصلة اتجاهاتها.
تستطيع الحكومة ان تستنسخ تجربتها مع الاحزاب السياسية لتطبيقها كلياً او جزئياً على الصحافة الورقية اليومية والاسبوعية، فتقدم لها العون المالي خالصاً لوجه الوطن، وخالياً من اية شروط وضغوط واملاءات تبعدها عن حقيقة مواقفها وقناعاتها، وتفقدها اعز ما تملك من مقومات الخصوصية والاستقلالية وحرية الاختيار، سواء لجهة المعارضة او الموالاة.
لا لزوم للتذكير بان الصحافة قد اكتسبت منذ قديم الزمان صفة ”السلطة الرابعة”، ولا ضرورة للمقارنة او المفاضلة بينها وبين الاحزاب، فكلاهما ينهض بدور محترم في انعاش الحياة السياسية وتعميق التجربة الديموقراطية، واذا كان من حق الاحزاب ان تحصل على العون المالي بوصفها جزءاً من مؤسسات الدولة الاردنية، فما المانع من سحب هذا المعيار والاعتبار على المؤسسات الصحفية ؟؟
بقيت كلمة صغيرة نود ان نضعها في صيغة سؤال، او تساؤل، موجه للقطاع الخاص، وتحديداً للبنوك وبيوت المال التي تربح مئات الملايين كل عام.. اين دوركم في دعم صحافة بلادكم واعلامها الوطني ؟؟ ولماذا تقتدون بالمؤسسات المالية الاجنبية في كل شيء، باستثناء تبرعاتها السخية لتمويل منابر الصحافة ومراكز الابحاث ونوادي الثقافة ومعاهد الدراسات الاكاديمية ؟؟
اما السؤال الذي لا نود التقدم به لفرسان الصرح النيابي، نظراً لان جوابه يسبق طرحه، فهو.. اين انتم من صحافة وطنكم، التي ان تنصروها سوف تنصركم، وان تخذلوها فانما تخدلون انفسكم ؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى