المهم تحويل طاقة الانفعال الى سلسلة افعال

نهضت اللعنة من مرقدها.. استنفرت ذاتها واندفعت باقصى طاقتها وسرعتها لكي تبصق في وجوه اولئك القتلة والسفلة والجهلة الملعونين في كل الاديان.. والمدانين في كل الشرائع والقوانين، والمذمومين في كل اللغات والابجديات والقواميس.
قفزت اللعنة لتطارد هؤلاء الدواعش الذين تخطوا الاجرام في اجرامهم، وسبقوا الارهاب في ارهابهم، وتفوقوا على الفظاعة في فظائعهم، وتجاوزوا الضواري والوحوش في وحشيتهم، واثبتوا بالملموس ان الانسان المعدوم الضمير ونعمة العقل والتفكير ليس سوى وحش متنكر في ثياب آدمية.
كثيرة هي جرائم القتل الفردي والجماعي في عالم اليوم وعلى امتداد التاريخ، ولكن طريقة القتل هي التي تفضح جوانية القاتل وسيكولوجيته، فكلما كان القاتل شاذاً وسادياً وهمجياً، كانت وسيلة القتل افدح واقبح، وليس من شك ان الانسانية باسرها قد استهجنت واستفظعت حد التقزز والاشمئزاز جريمة حرق الشهيد الطيار معاذ الكساسبة على ايدي زبانية الجحيم واصحاب النار والعار والدمار.
اخطأ الدواعش كثيراً في حساباتهم وتقديراتهم، فقد قصدوا ترويع الاردنيين ولكنهم اثاروا حميتهم.. ارادوا تقسيم صفوفهم ولكنهم وطدوا وحدتهم.. رغبوا في ثنيهم واخراجهم من الميدان ولكنهم تسببوا في استفزازهم ومضاعفة اصرارهم على المشاركة القوية في مكافحة هذا الطاعون الداعشي حتى ابادته وتطهير المنطقة من اخطاره وشروره.. فها هو الشعب العربي الاردني ينتفض واقفاً موحداً وعملاقاً يحتسب ”معاذ” عند الله شهيداً، ويتوعد القتلة بعقاب شديد وحساب عسير، ويثبت ان ارادة الشعب من ارادة الله، وان قوة الشعب غير قابلة للانكسار.
لم تفاجئنا هذه الوقفة الجبارة لشعبنا المعطاء، ولم تكن تخيفنا في السابق بعض النعرات والعصبويات والجهويات الهامشية المريضة، ففي اوقات الراحة والرخاء يحلو للبعض ان يتفذلك ويتفلسف ويخرج في الناس شاهراً اقليميته او قبليته او طائفيته، ولكن سرعان ما تذوب كل هذه العنطزات بمجرد ان يجدّ الجد ويحزب الامر، فاذا بالاردنيين صفاً واحداً موحداً وجبهة وطنية ممنعة ومرصوصة وشديدة التكاتف والتماسك.
بغير ادنى حاجة لتمشيط الحروف وترتيب الكلمات وتجميل العبارات تزلفاً ورياءً لهذا الشعب، يمكننا التأكيد والتذكير انه قد نجح غير مرة في امتحان الوحدة الوطنية والضرورة الامنية، فبعد احداث ايلول الاسود عام 1970 تصور العرب والعالم ان الشعب الاردني قد انشطر الى الابد، وان وحدته الوطنية اصبحت في خبر ”كان”، ولكن سرعان ما استعاد هذا الشعب توافقه وتلاحمه.. ولدى انتفاضة نيسان المجيدة عام 1989 توهم الكثيرون ان الاردن سائر نحو الصدام والانقسام، ولكن سرعان ما سقطت رهانات المتربصين.. وحين جرى ابرام معاهدة وادي عربة عام 1994 عادت مجدداً رهانات الصدام والانقسام، ولكن الشعب اختار رفض الصلح والتطبيع بالمطلق مع العدو الصهيوني دون ان يدخل حلبة الاشتباك والصراع مع حكامه.. وعندما هبت رياح ”الربيع العربي” عام 2011، وخرج الاردنيون مطالبين بالاصلاح السياسي، والحد من الفساد والاستبداد، توقع الكثير من المراقبين والمراهنين ان ينزلق الاردن الى دوامة العنف وطاحونة الدم، شأن الحاصل في عدد من الاقطار العربية، ولكن شعبنا المعروف بحسه الوطني وحرصه على السلم الاهلي ما لبث ان اطفأ محركات انتفاضته قبل نيل مطالبه، وذلك حين ادرك ان هذا ”الربيع العربي” قد انحرف عن اهدافه الاصلاحية، وبات العوبة في ايدي الدوائر الاجنبية، ومطية للجماعات الوهابية والاخوانية اليمينية والرجعية.
هذا الشعب المتقدم على الحاكمين، والمتفوق على النخب السياسية من موالين ومعارضين، يستحق درجة من الاهتمام والاحترام اعلى كثيراً من الدرجة الحالية، ويستأهل وضعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً افضل كثيراً من الوضع الراهن.. فليس من الحق والعدل ان يبقى بعيداً عن دوائر صنع القرار، وان يظل دوره هامشياً وموسمياً وعند اللزوم، وان تقتصر مشاركته في العمل العام على الفزعات والعراضات ومهرجانات التأييد والولاء.
هذا الشعب يجب ان يشارك بحرية وفاعلية في صنع واقعه ورسم خرائط مستقبله، وان تعلو على الدوام رايته ورؤيته وارادته، وان تتكرس كل الدوائر والجهات الرسمية والحكومية لخدمته والسهر على راحته ومصلحته، وان يلتمس الحاكمون ثقته ومحبته ورضاه بدل ان يطالبونه ليل نهار بابداء السمع والطاعة واعلان الولاء والاذعان.
هذا الشعب شعر بقلبه وادرك بعقله ان معاذ الكساسبة ابن الاردنيين كافة وليس ابن اسرته او عشيرته فقط، وان هذا الحمى الاردني وطن جميع ابنائه على وجه الشيوع وليس وطن فئة دون اخرى، وان هذا الجيش سيف ودرع وفخر للوطن والمواطن وليس موظفاً لدى احد او تابعاً لاية جهة شرقية او غربية، ولعل الكثيرين قد لاحظوا خلال الايام القليلة الماضية تصاعد وتائر التعاطف والتلاحم بين الشعب وابناء جيشه.
ليس الدواعش وحدهم، بل الاعداء جميعهم، سوف يستميتون لتقويض هذه الحالة التلاحمية الاردنية، ويجهدون كل الجهد لمحاولة تعكير الصفو الوطني وتفكيك عرى جبهتنا الداخلية، عبر جملة من الاختراقات الامنية والاغراءات المالية والاعمال الارهابية.. فالمهم عندهم اعادة عقارب الساعة الاردنية الى الوراء، وتفكيك صرح الاجماع والوفاق والاتفاق الرسمي والشعبي في بلادنا.
وعليه.. ولغرض ادامة هذه الملحمة التوافقية، واستثمار هذه الانتفاضة الوطنية ”المعاذية”، وهزيمة الدواعش سياسياً وعسكرياً وعقائدياً، وتحقيق نقلة نوعية في مشروعنا الديموقراطي واجندتنا الامنية وحياتنا السياسية، فاننا نتقدم بالمقترحات والعناوين العريضة والاجمالية التالية..
1 – عقد مؤتمر وطني عام يضم ممثلين عن مختلف القوى والاحزاب والهيئات الشعبية، لاجتراح افضل الوسائل والشروط والاساليب اللازمة لاستئناف مسيرة الاصلاح السياسي الجدي والحقيقي والمؤدي آخر الامر الى قيام ”الملكية الدستورية” التي من شأنها وضع البلاد والعباد على قلب رجل واحد.
2 – اعادة تعريف وتعيين دور الاردن العربي والاقليمي، وخفض منسوب التبعية في صناعة القرار الاردني، خصوصاً بعد بروز الاردن كقوة عربية واقليمية صاعدة ومتماسكة، وتقهقر النفوذ الامريكي والاوروبي والخليجي وحتى الاسرائيلي الذي كثيراً ما كان يصادر دور الاردن القيادي وحضوره في مقدمة المشهد القومي، وحقه في السيادة التامة واستقلالية القرار.
3 – اعتبار الموضوع الامني فريضة وطنية ومسؤولية جماعية واولوية عليا تتقدم كل الاولويات، واطلاق شعار ”كل مواطن خفير” لافساح المجال واسعاً امام ابناء الشعب كي يقوموا بواجبهم في السهر على سلامة بلادهم، جنباً الى جنب مع الدوائر والمؤسسات الامنية التي يجب ان تفرّق جيداً بين ”الدولة الامنية” التي تقوى على شعبها، وبين ”الدولة الآمنة” التي تستقوي بهذا الشعب.
4- الاسلام دين سماوي لا دين سياسي، وهو دار للمسلمين جميعاً وليس حكراً على فريق دون آخر، ولا يحق تصنيفه على قاعدة التطرف والاعتدال، او توظيفه لاغراض سياسية ومآرب دنيوية.. الامر الذي يتطلب اتخاذ موقف رسمي وشعبي حازم من الاحزاب والجماعات والهيئات السياسية القائمة على اسس دينية.
5- فتح ابواب التعاون والتنسيق مع سوريا نظاماً وجيشاً، اسوة بالحاصل مع العراق، لان مثل هذا التعاون يشكل اقصر واسرع الطرق لهزيمة الدواعش واشفاء غليل الاردنيين.. ناهيك عن ضرورة تنويع علاقاتنا الخارجية بما في ذلك الانفتاح على ايران بوصفها دولة اقليمية وازنة ارغمت الولايات المتحدة ذاتها على التحاور معها والاعتراف بمكانتها واهميتها.
لمصلحة ومنفعة الدولة الاردنية اولاً ثم الدولة السورية بعد ذلك، نناشد اهل الحكم في بلادنا المبادرة فوراً الى مد جسور التواصل والتفاعل مع دمشق، بعدما اثبتت السنوات الاربع الفائتة فشل سياسة اللعب على كل الحبال، واكدت ان امن الاردن الحقيقي والاستراتيجي يبدأ من دمشق وبغداد والقاهرة، وليس من واشنطن والرياض وتل ابيب.. ولكن هذه مسألة يطول شرحها بما لا يتسع له هذا المقال.
وبعد..
نعوذ بالله من الشيطان الداعشي الرجيم، ونترحم على ”معاذ” شهيدنا الخالد في جنات النعيم، ونثق ان جيشنا الحذر والمقتدر اذكى واوعى من الانزلاق لخوض معارك الآخرين، ونعرف تمام المعرفة كما نوقن بكامل اليقين ان دم ”معاذ” لن يذهب هدراً، وان رؤوس قادة الدواعش قد اينعت وحان قطافها، وان غداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. على الحكومة الاردنية ان تحافظ على مكتسبات من الجريمة النكراء واه هذة المكتسبات المحافظة على تلاحم الشعب الاردني وتقاربة ….. والاهم قناعة جميع افراد الشعب الاردني بضرورة مقاتلة الارهابين والدواعش اينما وجدووو

  2. كل يوم نزداد المجد القا وتقدما لرؤيتها التقدميه وطرحها القيمي العالي الذي يهدف الى جمع الامة العربية على كلمة سواء من اجل عزتها وتقدمها لكي تكون هذه الامة فاعلة في محيطها وليس مفعول بها تقدم للبشرية فكرا وثقافة وعمرانا لاتعيش على هامش التاريخ عالة
    والاردن يمكن ان يكون المدماك الاساس في اعادة البناء القومي فنحن اصحاب رسالة قومية والهم العام لدينا قبل الهم الخاص ونحن امتداد للصحابة الاجلاء الذين حملوا رسالة التوحيد للعالمين في مؤتة واليرموك وحطين وعين جالوت ونحن الانصار والمهاجرين القابضين على جمر الصمود والحشد والرباط – لهذا فكل كلمة في هذا المقال الذي كتبه ابو المظفر يصلح ليكون برنامج عمل لكل القوى السباسبة والمؤسسة الرسمية من اجل تصليب جبهتنا الداخلية والتصدى لقوى الظلام الخارجي الذي اصبح يحيط بنا كما يحيط السوار بالمعصم – علينا ان نبادر اليوم قبل الغد لبناء الاردن الحديث المواطنه ذروة سنامه والديمقراطيه نهج ارتضاه الجميع والعدالة الاجتماعية لكل من يعيش على هذه الارض الطيبة والملكية الدستورية هي خيارنا ومحض توافقنا الوطني جميعا وابعاد الفاسدين عن الشأن العام مطلب كل الشرفاء – فالوطن ليس فاسدا والشرفاء كثر والذي يكتب ويؤدن في الناس هو من شرفاء الامة حان الوقت لكي نقدم هؤلاء الى الصفوف الامامية فهولاء هم نبض الوطن وحراسة بالكلمة الصادقة والجريئة في المنشط والمكره وفي كل الظروف –

زر الذهاب إلى الأعلى