ما هو المطلوب من مصر الجديدة بقيادة السيسي ؟

تستقبل مصر اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، في أول زيارة له الى مصر .

وتتخذ زيارة بوتين لمصر في عهد الرئيس المصري ( الجديد ) السيسي ، أهمية خاصة ، تتصل بعضها بشخص بوتين ؛ الرئيس الروسي ، الذي انتزع روسيا من براثن التهميش الغربي لها واستلابها ، منتقلا بها إلى مصاف أحد الدولتين العظميين في العالم بدون اتحاد سوفيتي وكتلة دول اشتراكية ، بل جعل منها في حالة صعود وبناء تكتلات اقتصادية كبرى جديدة ، فيما الأخرى تمر في حالة هبوط وأزمات وحروب وكراهية العالم لها ، مخلّصا روسيا والعالم من هيمنة وغطرسة القطب الواحد وانتاجاته .

وستسهم الزيارة في تخليص مصر من استفراد الغرب وأدواته في المنطقة ، وهو الاستفراد الذي تسابقت أطراف معروفة إليه فور اسقاط نظام حكم إخوانيي مصر لها،بمساعدات(الاحتواء) وغيرها، وهي (مساندة) لم تكن في صالح مصر؛ الدولة الجديدة في مدى ما بعد أسابيع من تقديمها، حيث تبدت غيوم حول حقيقة ما حدث، خدم سياسيا القوى الظلامية بشكل أوبآخر،فقد أربكت المساعدات؛النظام بين ُطموح قرارٍ مصريٍ مستقل ، وصعوبة الخلاص مما بدا أنه دعم للنظام المصري الجديد، الذي هو في الحقيقة دعم تعلّق برفض قدوم نظام سياسي بثوب إسلامي ينافس السعودية زعامتها للعالم الإسلامي، وهو يفسر ايضا علاقات السعودية(غير المريحة) على الأقل مع كلٍ من إيران وتركيا.. أكثر منه الترحيب بالحالة الجديدة في مصر .

ويبدو أن النظام الجديد في مصر والسيسي ، أدرك هذه الحقيقة،فحاول بناء علاقات متوازنة بين معسكريْ التوازن الدولي الجديد، فزار فرنسا وإيطاليا وفي آن زار روسيا والصين،وكانت زيارته لموسكو قبل أن يصبح رئيساً .

لكن مصر الجديدة، ما زالت رهينة السياسة الأمريكية الى حد بعيد، ابتداءً بـ معاهدة كامب ديفيد وعدم عودة السفارة السورية لمصر(وإن حدث تحسن في العلاقات بين القاهرة ودمشق ورحب إعلام الأخيرة بالنظام الجديد)فضلا عن صعود الإرهاب الإخواني وانسحاب موقف مصر من حماس المتورطة في الإرهاب الإخواني،على العلاقة مع غزة وبقية الفصائل الفلسطينية وإن لم تكن هذه الفصائل مقصودة بالمعنى الدقيق، لكنه بالنتيجة ينسحب عليها موضوعياً ،

وتعاني مصر أيضا من ذيول وتبعات وتداعيات مرحلة ما قبل إخوان مصر، فلقد برزت مراهنات كبيرة على مصر بعد اسقاط حكمهم، بالعودة الى مرحلة عبد الناصر، وخال البعض؛ السيسي نسخة محدثة لعبد الناصر، فعبد الناصر تدرج في الوصول إلى حالته الثورية ، ولم يصطدم مع الغرب وأمريكا مباشرة، وعمل مع كل من تيتو ونهرو وسوكارنو على  تأسيس حركة عدم الانحياز، لكن الغرب دفعه إلى الانحياز أكثر نحو الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية ، جيث حاول الغرب فرض رؤيته عليه ولما رفض كانت حرب السويس وكان التراجع عن بناء السد العالي فبناه السوفييت .

لكن التجريب والزمن كانا متاحين لعبد الناصر،فيما غيره الآن،فحركة التاريخ وتقنيات الاتصال ورتل الحياة لم يعد ينتظر تأملات طويلة، وتغيراته وتقلباته متسارعة، وعليه مطلوب من مصر ،وضوحاً اكبر تجاه قضايا(لا ترحم)من ذلك إعادة النظر بمعاهدة كامب ديفيد المذلة، وتطبيق  الآية الكريمة (ولا تزروا وازرة وزر أخرى)على الشعب الفلسطيني وعدم أخذه بذنوب حماس وتفضيلها الانضواء تحت عباءة مكتب الارشاد العالمي على الانضواء تحت سماء فلسطين .

ومطلوب من مصر الجديدة مواقف أكثر استقلالية ، بغض النظر عن مساعداتٍ وعروضا تبدو مغرية تقدم لها، فمصر رغم العدد الكبير لشعبها، ثرية لو أحسن استغلال امكانياتها المتاحة دون فساد وهدر للمال العام واستثمرت طاقتها البشرية، ولو أحسن اختيار الأشقاء والأصدقاء الحقيقيين دون منٍ عليها واشتراطات؛ ودون بيع القطاع العام والثروات والمواقف .

ومطلوب من مصر إعادة العلاقات الديبلوماسية مع سورية ، والتنسيق معها ومع العراق واليمن وليبيا في محاربة الإرهاب، وفي التكامل الاقتصادي وكذلك الجزائر .

ليس مطلوبا من مصر ان تعلن حرباً على امريكا والغرب والكيان الصهيوني فذلك حتماً ليس في طاقتها وليس في طاقة دولة عربية واحدة أو اكثر من دولة، ولكن المطلوب بناء علاقات متوازنة مع المعسكرات الدولية والاقتراب أكثر ولو قليلا من الأطراف التي لا تتعارض مصالحها ومواقفها مع المصالح والمواقف المصرية في المديين المتوسط والاستراتيجي .

وعلى مصر التنبه إلى أن إسقاط الفكر التكفيري الإخوني الإرهابي الوهابي المتطرف بمسمياته كافةً لا يكون بالطريقة التي مورس بها في عهديْ السادات ومبارك بالإفراط  والتفريط ، وإنما بالفكر العقيدي الصحيح، وبابتعاد النظام السياسي عن التبعية للأجنبي، وعن الفساد والاستئثار بالسلطة وبيع الغاز والمقدرات، واتفاقية العار مع تل ابيب بشكلها الحالي على أقل تقدير .

ما زالت الأمة تراهن على مصر الجديدة ،  بقيادتها الجديدة فهل تحقق المراهنة مقاصدها ولا يخيب أمل الأمة، أم أن مصر، كما يرى البعض ستخوض تجربة جديدة تخلّصها من ذيول مراحل السادات ومبارك والاخوان، وتضعها على سكة السلامة الصحيحة ، التي تعيد لها وجهها العروبي الثوري والاسلامي الصحيح ، عزة وكرامة ودورا واستقلالا ناجزاً وتنمية وازدهاراً وتصالح مع الذات والمنطقة العربية .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى