خواطر عربية في الذكرى الثامنة لاستشهاد القائد العربي صدام المجيد 

لم يجل في خاطرنا يوما أن نحوّل ذكرى استشهادك إلى طقس من الحنين واللطم والأحزان ، وإنما أردناها – كما يطيب لك أن تكون –  محطة للمراجعة والتفكير والسؤال ، ومفتاحا لمناقشة قضايا الأمة ، ونقطة بداية للادراك والاستبصار ، بعد أن افتقدتك الأمة وافتقدت بغيابك حلقة النقاش والحوار القومي المستقبلي النهضوي الخصبة التي افتتحتها منذ عام 1968 في بغداد الرشيد ، وبعد أن غاب التحدي الذي كنت رمزا من رموزه  وجاء زمن التراجع والتردي .

ونحن على طريقتك واستمداداً من درسك القومي لا نحب أن نشتم الأمة في أي ظرف ونحن نفكر ونشخص إعضالاتها ، ولا نحب أيضاً أن تكون الأمة مجرد ساحة لألاعيب الأمم وموضوعاً للمؤامرات، وإنما نرى في كل ما جرى ويجري فيها أنماطاً من المخاضات الواعدة والفاجعة، ونسعى بكل السبل إلى استنهاض الايجابي في الأمة وتعظيمه ومحاولة البناء عليه ، ونحاول بقدر ما نستطيع أن نتجاوز الكبوات والاختلاطات ونمهد الطريق للإدراك وثقافة الإدراك والاستنهاض علّنا في ذلك نفتح هذا الانسداد التاريخي ونزيل العراقيل التي لا تني تنهض في طريق نهضة الأمة وحريتها .

لم نكن في الأعوام الأربعة الأخيرة نتفرج عن بعد على ما يحدث، وعلى ما اجترحته جماهير الأمة العربية من انتفاضات واحتجاجات، لا بل أننا نظرنا بايجابية كبيرة إلى هذه اليقظة العربية الجديدة المنتظرة، وهذا التحدي الشعبي للخوف والتسلط والاستبداد والأنظمة العميلة والقيادات الهزيلة، ورأينا في ذلك نقطة تحول نحو عصر الجماهير ولحظة ممكنة للانتقال من السكون إلى الحراك، ومن الركود الى افتتاح أفق جديد ولحظة عربية تاريخية قد تبدد كل ما مضى وتشرع في صياغة الإنبناء القومي العربي على أسس من الحرية والنهضة وحضور الجماهير ومواجهة الاستعمار والاستبداد.

وكنا نتخوف من الردّة والارتداد، ونخشى من قوى الفساد والاستبداد، ونحذر ونحذّر من الثورة المضادة الإجهاضية وتبعاتها، إلى أن دخلت ثورة الجماهير العربية في مستنقعات وأوحال نقائضها، وكانت ردّة كارثية أتعبت العقل والجهد والضمير العربي وأرجعت الجماهير إلى مربعاتها الأولى من المرارة والنكوص والانتكاس، وجعلت الأمة تدخل في متاهات وتحديات جديدة .

افتقدت الجماهير التي قامت بالاحتجاجات في أكثر من قطر عربي في مرحلة ما بعد الثورة إلى الوعي والقيادة بسبب تغييبها الطويل عن ساحة الفعل وتشرذم قواها ومعارضاتها، وأخلت الزمام تبعا لذلك  لكل من حاولوا سرقة الثورة والتلاعب بأهدافها أو حرفها عن مساراتها وتأتىّ ذلك من غياب الوعي بممكنات ومخبوءات الدولة التسلطية العربية وأدواتها ودينامياتها القمعية التي أسست كل مقومات البقاء الاستبدادي واستمراره، وبرعت في الترويض والتغييب والتدليس والتلبيس ووصلت بذلك الى الذروة بالتضليل والاحلال والإبدال عندما أزاحت الرؤساء الطغاة وأبقت أجهزة حكمهم وأنظمتهم وذهنيتهم، وفي معظم الأحيان أزلامهم لكي يستطيعوا في كل لحظة أن يحولوا الثورة إلى ردّة وفوضى واضطراب.

ومع كل ذلك وعلى الرغم من كل ما جرى من فوضى واختلاطات في الواقع العربي في الآونة ألأخيرة، إلا أن  الاحتجاجات  التي عمّت الوطن العربي قد أنهضت وأشعلت أسئلة كثيرة حول الدولة المستباحة، والنظم التسلطية التابعة وإمكانية هزيمة أنظمتها القمعية الهشّة، وكشفت حقيقة هذه الأنظمة وجرائمها المختلفة، وأسقطت هيبة الدولة الرخوة الفاشلة وأحدثت شروخا فيها، وفتحت أفقا في مجال كان يظن بأنه سيبقى مغلقا ومنسدّا إلى الأبد، ولذا إنحكمت رؤيتنا القومية على أساس عدم الحكم على الثورات على ضوء ما حدث بعد إنطلاقها وإنما على إنبنائها الذاتي ووعودها المضمرة من خلال إدراك الخطوط الفاصلة بين السقوط والنهضة في الاحتجاجات الشعبية العربية ، وبين ما يمكن أن يؤسس للمستقبل وما يريد أن يؤبّد ويصنّم الماضي، بين الجماهير الغائبة والمضيعة والقطعانية، وبين الجماهير الطامحة الى النهوض وفتح الطريق إلى المستقبل ، وكل ذلك يجتمع الآن في عقل العرب وأمام وعيهم الجديد والحاد باشكالياتهم وأزمات تطورهم لاشتقاق طرائق التفكير بالمرحلة القادمة وكيفية الخروج من عنق الزجاجة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى