جداريات عربية !!

انها جداريات مفتوحة ومنتصبة في كل مكان وزمان عربي ، يمكن أن يكتب ويرسم عليها  أشياء وأشياء ، وهي ساحة ومساحة يمكن للعقل أن يراها ويتأملها من عدة زوايا ، وأن يشير الى غبارها وفراغاتها أو خطوطها المتنافرة المتقاطعة ، وقد تكون جداريات عذراء لم تمسسها يد أو يطالها عقل ولم يكتب عليه أي سطر ، أو جداريات ملأى بالخطوط والخرابيش التي لا تسر الخاطر ، ولا النظر ولا ضرورات المرحلة والحاضر .

جداريات منصوبة في كل بلاد العرب ، بعضها أصبح ملطخا بالأوساخ والدماء ، وبعضها قد انمحى عنها معناها القديم ، وبهتت خطوطها ورسومها العتيقة ، وأصبحت عبئا على جمال واتساق وهندسة المكان والمدن ، وتراها تطلق نداءا حارا أن يعاد محوها وابتداء رسوم جديدة عليها . فقد ضجرت من القدامة والبهوت ، وضاقت ذرعا بهذه اللطخات والاختلاطات ، وتنادي على من يخط أول السطر  وأول الكلام عن موت الفراغ والشحوب والتحلل .

على الجداريات كلام عتيق – اذا كان هناك من كلام – ، وعليها كلام وغبار ، وعليها ما غمره وطمسه وغير ماهيته الزمن والغبار ، وعلى بعضها علامات مغمورة ومشطورة ، وبعضها سوريالي يغص بالمتناقض واللامعقول ، وبعضها ذهبت عنه الملامح ، وزالت عنه سيماء الهيبة ، وبعضها جداريات صماء لا تنطق بشيء ، سوى ذلك النداء الكامن بأن تتزحزح الأشياء وتتبدل المواقع ويبدأ الرسم والارتسام .

جداريات ممحوّة ، ومنتصبة في كل بقعة وزمان تنادي على ابتداء الكتابة والفعل والكلام  .. جداريات اغتالها الصمت والعجز وضعف الابانة وقحط المعرفة  .. جداريات قد تقتلع وتصبح بلا مكان أو زمان أو مجتمعات .. جداريات قد تنهار وتسقط من فرط اليباس والذبول وانعدام الحركة  .. جداريات تبكي تنادي أين المفر والناس نيام !

جداريات تسأل ماذا نكتب عن أزمتنا وتأزمنا ، وماذا نخط في غيبة الحاضر والمستقبل ؟ فالفراغ لا يزول بالهذر ، والكتابة تشحب وتمحى  ولا تبقى أوتتساكن وتتساوق مع الغياب ، والرسم لا يصبح رسما مع القباحة ، نحتاج الى نقش على الجداريات وعلى الحجر ، وامعان في النظر ، وفأسا يحفر الرؤوس والعقول ، ونهارا ضاجا بالضوء والحكمة والاصرار ، نحتاج الى رجفة ووقفة قبل الانهيار !

الجداريات تبقى صماء باهتة ، اذ تحتاج الى رسوم ومفردات جديدة ، وعليها يمكن أن نرسم ونخط أحلامنا وأشواقنا الوطنية الطالعة ، والجداريات نداء لرفض الانمحاء والتلاشي والغياب ، وهي علامات واشارات في أن نكون على الطريق أو لا نكون ، وفيها نداءات واشعارات بضرورة البدء ، حتى لو كان ذلك من ما قبل وتحت الصفر ، الجداريات في أعراف المكان والزمان لا تكون مجرد ملاذ للغبار ، فهي الصفحة الرمزية التي يجب أن تخط عليها الخطط والمضامين والارادات والاندفاعات ، وهي المساحة المتاحة لكي نبدأ منها  التأمل والفعل والكلام !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى