حروف دامعة في وداع ”ابي شجاع” باقلام كوكبة من رفاقه واصدقائه

 

 

لان المحامي حسين مجلي كان مناضلاً قومياً جسوراً، وفقيهاً قانونياً مرموقاً، وصديقاً مخلصاً وصدوقاً، فقد عز نعيه على سائر اخوانه ورفاقه وزملائه الكثر الذين فوجئوا برحيله بغتة، وتجرعوا اصعب مشاعر الاسى واللوعة بفراقه.

كوكبة من هؤلاء الاخوان والرفاق عمدوا، من موقع الوفاء والعرفان، الى التعبير باحرف دامعة وعبارات حزينة، عن فجيعتهم برحيله، وحجم خسارتهم وخسارة الامة العربية بغيابه في هذه الظروف العصيبة والاحوال المضطربة التي لا يستطيع تغييرها، واعادة تصويب بوصلتها، سوى القوميين الشجعان من امثال ”ابي شجاع”.
”المجد” التي طالما اعتبرها الفقيد مجلي داراً ومقراً، تعتز بنشر هذه الكلمات الرثائية التي تمثل، في حقيقة الامر، شهادات صادقة ومنصفة على سمو مكانة ”ابي شجاع” ونبل اخلاقه وصلابة مواقفه الوطنية والقومية.. وفقاً لتسلسل ورود هذه الكلمات..

وداعاً يا صديق العمر

                                                                          * الدكتور محمد الحموري

لم يخطر ببالي يوماً أنك سوف تسبقني الى أبدية المقام، فأودعك بدموع عصية على فراق من ليس مثلك، لكن للأقدار حكمتها، وللسماء مشيئتها، فغادرتنا مترجلاً، وأبيت إلا أن تظل الفارس الشجاع حتى في مواجهة الموت، وتبقى القدوة بين الرفاق.. فعلى مدى ما يزيد على نصف القرن من عمر صداقتنا، كنت القومي الأصيل الذي تحكمه خدمة عروبته وتطلعاتها، ونذرت نفسك للعطاء للمبدأ، وكان المبدأ هو وحدة الأمة إبتداءً وانتهاءً.
فقد رضعنا مبدأ وحدة الأمة، كطريق لمجدها وعزتها، من فكر عروبي صاف ونقي، وجعلنا من المبدأ نهج حياة، لكن النهج عندك تغلب على متطلبات حياتك الشخصية، فأنكرت ذاتك من أجله، وعانيت ما عانيت بسببه، وخاصة بعد أن غادرت الأمة مرحلة الشموخ العربي بفعل فاعلين لن يرحمهم التاريخ، وتم إدخالنا الى مرحلة الطوائف الحاكمة التي تقاسمت أرض الأمة وحاضرها، كملاك لسلطات واجبها ترويض شعوبها، ليسود لديها الضعف والهوان، من أجل أن يرتفع علم إسرائيل.
لن أتحدث عنك كنقابي عريق، ولا عن مهنة القانون التي آمنت بأنها الطريق الموصل للحق والعدل، ولا عن مكتبك – مكتب القانون – الذي تحول الى مدرسة للعطاء والتعليم، والدفاع عن كل مظلوم، ولا عن مواقفك الصلبة في قضايا الوطن والأمة، فهذه جميعها أصبحت من العلم العام، الذي يتحدث به عنك من عرفك أو سمع بما صدر عنك. لكنني سأتحدث عن جوانب أخرى، بحدود ما تسمح به كلمة رثاء.
كان أكثر شيوخ العروبيين حدة في طروحاتهم القومية هما المرحوم عبدالله الريماوي والمرحوم الدكتور عصمت سيف الدولة، ومع ذلك كان كل منهما يقول، إن جذوة العروبة عند حسين مجلي يزداد توقدها مع الأيام، حتى أصبحت شغله الشاغل وزاده اليومي، ولم يعد يحتمل مجاملات أهل السياسة في هذا الشأن. أقول هذا مقدمة لأضيف، أنه عندما صدر تقرير هارفارد عام 2006 حول اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية، وترجمته الى العربية ليصبح كتاباً نشره مدبولي في القاهرة، كان حسين مجلي الذي وصلته أول نسخة من الكتاب، يواصل ثورته النقية، عندما اتصل بي وهو يقول، رحم الله الشيخين، فصبرهما لا أستطيعه ولا أملكه، ثم قرأ العبارة التالية الواردة في وثيقة جاءت في تقرير هارفارد (ص26) حيث تقول: ”أورد ناحوم غولدمان رئيس الكونغرس اليهودي العالمي على الصفحة (99) من كتابه ”الوهم الإسرائيلي” ونشر عام 1978، أن بن غوريون قال له في لحظة مصارحة:
لو كنت قائداً عربياً فإنني لن أقيم أبداً علاقات متبادلة مع إسرائيل، وهذا أمر طبيعي، فنحن قد أخدنا بلدهم وأرضهم. صحيح أننا انحدرنا من إسرائيل، ولكن ذلك كان منذ ألفي سنة، أيعني هذا عند عاقل شيئاً!! وصحيح أنه كان هناك معاداة للسامية، كما فعل هتلر النازي، لكن هل هذه غلطتهم!! إنهم لا يرون إلا شيئاً واحداً وهو: أننا جئنا الى هنا وسرقنا وطنهم، فلماذا عليهم القبول بذلك”.
واندفع أبو شجاع في ثورته وهو يقول، اللصوص أكثر إدراكاً لسوء ما فعلوه بنا من حكام الطوائف في أمتنا، حتى وصل الحال الى مباركتهم للسارقين بما اغتصبوا، فأي هوان هذا الذي وصلنا إليه ؟
أعرف جيداً يا أبا شجاع، كم كنت قادراً على الاحتمال، وأعلم ما كنت تقوم به من دور في حشد الوحدويين على مستوى الأمة، للقيام بدور جديد فاعل، يوقف أو يساعد في وقف هذا التراجع المذهل في أحوالنا، لكن تلاحق الصدمات جاء بما لا يخطر على بال. فقد تم إدخالنا الى الزمن الأمريكي الداعشي، الذي استدرج السفاحين والقتلة الى سوريا وامتد الى العراق لإقامة حكم من نوع جديد، مرة ديمقراطية وحريات في سوريا، وأخرى إعادة حاكمية الخوارج الى ديار المسلمين، في حين أن القاتل عربي والمقتول عربي، والمشرف على القتل والمنتفع من هذا وذاك قابع، ينتظر النهايات التي تسعده، لدمار أمة لا تستحق ما يجري لها.
لم يحتمل قلبك قسوة ما يحدث، فكنت أكثرنا ألماً، حتى أننا كنا نقدر أن دماء العروبيين النازفة في سوريا، تخرج من شرايينك في الأردن، فلعلها تفتدي من آمنوا بأمتهم هناك، لكن للقدرات حدود.
لم أستطع أن أكون بجانبك مودعاً في رحلة النهاية من عمان الى الكتة، لكني ودعتك وأنا أرقد في المستشفى، لا أملك من القدرات الجسدية، سوى دموع تنهمر بحرقة وغزارة، أخذت حقها في النزول، مع صوت نشيج لا إرادي لا يسمعه غيري وهو يردد، وداعاً أيها الحبيب، وداعاً يا حسين مجلي.
رحمك الله يا صديق العمر، وإلى جنات الخلد يا من جسدت بشخصك قيم أمتك وآمالها وتطلعاتها.

في وداع الأستاذ حسين مجلي
                                                                                             *  المحامي جواد يونس

منذ بداية معرفتي بالأستاذ حسين مجلي لم يغيِر في موقفه القومي الثابت والراسخ بوحدة الأمة العربية، ووحدة الوطن العربي، وغادرنا إلى الرفيق الأعلى متمسكا بهذا الموقف، بكل صلابة وشجاعة، ودون أي كلل أو ملل.
ومع وقف إطلاق النار في معارك أيلول الأسود من عام 1970م.. توجهت بمعية الدكتور علي مشعل إلى فندق فيلادلفيا الذي كان من معالم ساحة المدرج الروماني في عمان للإطمئنان على الأستاذ عبد الله الريماوي، فوجدناه في ردهة الفندق مسكونا في تبعات اقتتال هذه المعارك على الشعب، وآثارها المستقبلية على وحدته وتلاحمه التاريخي، مترفعا عن كل الإنفعالات الشخصية والعاطفية، ومدركا من خلال رؤيته المستقبلية الاستراتيجية الدقيقة، لضرورة توعية الجماهير الشعبية إلى مدى خطورة الإنجرار وراء أية ردة فعل إقليمية، بما تلحقه من ضرر مباشر على المشكلة الفلسطينية، وضرر مستقبلي على حركة التحرر العربية، وقد جرى مواصلة الحوار في هذا الموضوع لاحقا في مكتب المحاماة، الذي كان يجمعه مع الأستاذ حسين مجلي، حيث كانت معرفتي الأولى بشخص المرحوم ”أبو شجاع”.
ومع جميع حالات المد والجزر الحياتية محليا وعربيا ومهنيا، زادت وتوطدت هذه المعرفة، حيث كان المرحوم حسين مجلي يعمل دؤوبا على الوقوف بجانب الأستاذ عبد الله الريماوي وفي رؤياه المستقبلية لحركة التحرر العربية، وفي أن يكون حمامة السلام والوفاق فيما بين الأستاذ عبد الله الريماوي والآخرين، وعندما حرص الأخير على ضرورة قيام مؤسسات قانونية على المستوى العربي في مهنة المحاماة، وتتجاوز الحدود الإقليمية، ارتحل الأستاذ حسين مجلي وأقام مع أسرته الصغيرة في مدينة دبي تنفيذا لهذا التوجه، إلى أن غادرنا الأستاذ عبد الله الريماوي شهيدا إلى الرفيق الأعلى وهو يتصدى للعدو الأمريكي الصهيوني، حيث عاد الأستاذ حسين مجلي إلى مكتب عمان لأخذ دوره المهني والنقابي ومتابعته.
إن الفراق صعب يا ”أبو شجاع”، وسنفتقد حضورك ودورك الشجاع، في مختلف الملمات والأزمات، الحاضرة والمستقبلية، على طول الساحات العربية وعرضها.. فقد حملت راية الحق، وامتشقت سيف القومية العربية والوحدة، وتمسكت في أن للنهر ضفتين، جمعتهما مياه الحياة، ووحدتهما سنة الخالق ومشيئته في النزوع القومي.. مما يوجب علينا تجاوز حالة الحزن ومرارة الفراق.. لمتابعة الخطوات الحثيثة لتحقيق وحدة الأمة، واستقلال الوطن، وتحرير فلسطين وبيت المقدس وأكناف بيت المقدس، متصدين لجميع العوائق والحدود القائمة بين ظهراني الوطن، ولمختلف الفتن وأسباب النعرات الإقليمية، والعصبيات الطائفية، والخلافات المذهبية..
كم نحن في هذه الأيام في حاجة ماسة لهذه القامات في شموخها، ولصلابة الموقف في شخصيتها، وشجاعة التعبير عن الرأي حتى في حالك هذا الزمان، ومرارة المذاق فيما نعاني منه من المحيط إلى الخليج.
وكم نحن في حاجة لهذا العشق لمهنة المحاماة، ولسمو رسالتها، ولسلامة الرؤيا لنقابة المحامين بتراثها منبرا للحرية والاستقلال والكرامة والمساواة، وباعتبارها ركيزة أساسية للمجتمع الإنساني الحضاري التقدمي، وعاملا على تحقيق العدالة المنشودة بين أبناء الأمة الواحدة، وضامنا لإخراجها من حالة الفساد، والاستبداد، والتخلف، والجهل، والقهر، والظلم، والاستغلال، والتبعية، والهيمنة، والتجزئة، والاحتلال.. وصولا إلى حالة الاستقلال والحرية.. تسعفنا للخروج من عثرة واقعة انفصال الإقليم الشمالي عام 1961م عن الجمهورية العربية المتحدة.
كان آخر لقاء مع الأخ الكبير ”أبو شجاع” في صحيفة المجد صبح يوم السبت السابق لوفاته مباشرة بيوم واحد.. حيث كان مثخنا بجراح العمر، متألما محليا، ومثقلا بهموم الأمة قوميا، وبخاصة لما أصاب العراق من احتلال، ولما ينتاب بلاد الشام الشمالية، وما تعانيه خلال السنوات الأربع الأخيرة من مؤامرة العدوان الأمريكي المتصهين، ومن شرور عملائهما المحليين على الساحة العربية.. وما أصاب السودان واليمن وليبيا، وما لحق بقطاع غزة مؤخرا من قتل وتدمير بأسلحة الدمار الشامل.
فإلى جنات الخلد يا ”أبا شجاع”، ونم قرير العين، فأمتك التي تحمل رسالة التوحيد الخالدة ولود، وفيها الخير، ونهضتها قريبة والنصر حليفها في تصديها لمواجهة الضربات الإستباقية من قبل تحالف النظام الرأسمالي المتصهين، ومؤامراته ومشاريعه التصفوية بزيادة التفكيك وإعادة التركيب وبذر الفتن، فصدق الانتماء لدى الرواد من هذه الأمة وأبنائها المؤمنين بثوابت حركة التحرر العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية والشورى (الديمقراطية) والتحرير كفيل بتحقيق النصر لهذه الأمة.

وغاب الجسد الطاهر
                                                                                           * الدكتور رياض النوايسة

دون انذار وبهمة الفرسان، ارتقى المناضل العربي والقومي الأصيل الأستاذ حسين مجلي الى الرفيق الأعلى ليلحق بقوافل رفاقه العروبيين الذين آمنوا ونذروا حياتهم وانفسهم لخدمة أمتهم وانسانية الانسان ومرضاة الله، وذلك جيل ملأ الله صدورهم بالأمل والطموح والتعرف على الذات والهوية الحقة لابناء الأمة بابعادها المعاصرة؛ بالتعرف على عروبيتها والانتماء لامتها، والتطلع لأخذ مكانها اللائق وبناء دولتها الواحدة.
في أوج الحركة القومية العربية وجد أبو شجاع ذاته السليمة في خضم احداثها، واشرس صراعاتها وجليل تضحياتها، فسلك طريقها ومضى الى منتهاه رغم الصعاب وتقلب الأحداث، متساميا عن كل فكرة أو موقف أو سبيل يقصر عن طموح الأمة في جوهرها وحقيقتها المشرقة، وبما ينسجم ويكشف عن طبيعة شخصيته الفذة وهمته العالية وخصاله الحميدة.
وهكذا آمن ابو شجاع (رحمة الله عليه) بأن صحة ونجاعة العمل، إنما تنهض على صواب الفكرة وسلامة الهدف وصحة الوسيلة، فكان عروبياً وحدوياً نهضوياً لايلوي على المشاريع والرؤى الصغيرة والآنية، وإن كلفه ذلك الابحار ضد التيار الشعبوي وحمله ذلك العنت والعداوة وما شاكل.
كان هاجسه الدائم والدائب (عليه الرحمة)؛ قائماً على التمسك بالجوهر من المواقف والركن الركين لها، لا تغريه بدع المتحذلقين من دهاقنة السلطة ومريديها حتى وان تسللت في رداء قضية جليلة ومركزية، الشئ الذي وفر له الرؤية الاستراتيجية الثاقبة والتاريخية العميقة، وحصنه من الانزلاق فيما هو آني وشكلي وغير مجد بشكل عام.
في زمن البراجماتية والنفعية والتيه، قلة هم الرجال الذين يتشبثون عن وعي بمواقفهم وقناعاتهم الكبرى، ويلتزمون بمبادئهم ويجهرون بها، ويصرون على العناد والثبات عليها رغم تقلب الازمان واستعصائها على الفهم، ومن هذه القلة والقدرة، كان ابو شجاع علما بارزا يدلّ على المبادئ والقيم والاخلاص والتسامي عما هو معتاد وطوع بنان.
كثيرة هي خصال فقيدنا الحميدة والاستثنائية، في رؤيته، وفي انتمائه، وفي مسيرته، وفي مواقفه، وفي صلابته، وحميد خصاله، ودفء تعامله، وعناده في الحق، وشجاعته فيه، وغيرها كثير. وتلك لعمري نعمة من الله وقدرة لا ترخي عنانها لغير الكبار، الذين تبقى مآثرهم حية وباقية، وإن غيب الموت اجسادهم في التراب وعادت اليه، وفي هذا خير العزاء وطيب الذكر وحسن الختام.
رحم الله ابا شجاع وغفر له واسبغ عليه واسع رحمته وانزله فسيح جناته .

المُدافع عـن الحق والعروبـة
                                                                                         * المحامي موسى الأعرج

– عاش وقضى ثابتاً على مبادئه، كان أحياناً يتمسك برأيه ولا يعترف بوجود رأي آخر، فهو كان يرى أن المسلّمات لا تحتمل وجود رأي آخر، كان خطابه إما وحدوياً أو في سياق الخطاب القومي العربي، هو صاحب مقولة أن ”الوطن العربي مملوك للعرب على الشيوع”، ومن المتمسكين بمقولة أن ”الصراع صراع وجود لا صراع حدود”، ومن المؤمنين بمقولة ”أن التحدي هو تحدي مصير لا تحدي مسار”، الذين عرفوه، يعرفون أنه كان مسكوناً دوماً بهموم الأمة قلقاً على مستقبلها ومصيرها، طامحاً عاملاً في سبيل تحقيق وحدتها وعزتها وسيادتها.
– عرفته – دون أن يعرفني – عندما كنت طالباً جامعياً في دمشق، عندما كانت سوريا إقليماً شمالياً وكانت مصر إقليماً جنوبياً، حين كان شاباً يتقد عقلاً وحماسة وإخلاصاً للعروبة، حين كان – لبعض الوقت – مدرساً في قرى سوريا الجبلية، يقحم موضوع الوحدة العربية في الدروس، ثم عرفته عن قرب بعد ذلك بأكثر من عقدين نقيباً للمحامين في الأردن، وعملت معه في النقابة، وفي مهنة البحث عن الحقيقة والعدل، التي كان لا يراها إلا مهنة مكرسة للحق والعروبة.
– كان من أبجدياته تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وفي أولوياته يتقدم الهم العام على الهم الخاص، فقد شهدته يُصر على عقد اجتماع للجنة القانونية في مجلس النواب – إبان كان رئيساً لها – في وقت كان من المفترض والطبيعي فيه أن يكون مستغرقاً في هم شخصي إنساني، فتساءلت حينها كيف يقوى على ذلك.
– امتنع القضاة والمحامون في الضفة الغربية عن العمل غداة احتلالها، واستمر المحامون المتدربون ينقلون إلى سجل المحامين الأساتذة دون تدريب، أعلن حينها – وقد كان نقيباً للمحامين – وقف التدريب في الضفة، باعتبار ذلك تخريباً للمهنة وليس تدريباً، وتم نعته بالمرتد عن مبادئه القومية، وبعد سنوات اعتذر الناعتون .
– قرر وقف تدريب المحامين – وقد كان نقيباً للمرة الثانية – لحين استحداث معهد لتدريب المحامين والقضاة (فهو صاحب مقولة: القضاء والمحاماة جناحا سلطة العدل)، وتم اتهامه بإساءة استعمال صلاحيات النقيب وبمخالفة القانون، وبعد مدة ليست طويلة أجمع من اتهموه على أن الاتهام كان في غير محله.
– فوجئ عارفوه وتلاميذه بانضمامه إلى الحكومة وزيراً للعدل، وظن البعض أنه قد ارتد عن مبادئه، وأن اللقب قد استهواه، وبعد أيام قلائل من انضمامه أيقنوا أنه لا يزال ثابتاً على مبادئه، وأنه لا زال مدافعاً عن الحق وعن العروبة، فقد قدم استقالته من الحكومة معللة في تسع نقاط، جميعها تقوم على أساس من الدفاع عن الحق والعروبة، فاثبت مجدداً أنه ثابت على مبادئه في الحق والعروبة، إنه أبو شجاع المحامي العربي العروبي النقيب حسين مجلي الذي عاش وقضى ثابتاً على مبادئه، رحمه الله وجزاه خير الجزاء.

كلمة وفاء في رثاء الصديق حسين مجلي
                                                                                                *  أحمد السعدي

توقفت طويلا عندما اردت كتابة هذه الكلمة الموجزة حول سيرة الفقيد واهتماماته وانجازاته على المستوى الوطني سواء في الاردن أو في الوطن العربي الكبير. فهل أتحدث عن ”أبو شجاع” المحامي ونقيب المحامين الأردنيين وانجازاته في هذا المجال أم أتحدث عن دوره في اتحاد المحامين العرب ؟ هل أتحدث عن رعايته للمنتدى العربي وحرصه على أن يظل الصوت العربي الوحدوي ؟ هل أتحدث عن أبوشجاع المناضل في حزب البعث العربي منذ كان على مقاعد الدراسة طالبا متميزا ؟ فنضاله في هذا المجال ونشاطاته في هذا الحزب لم تقتصر على الأردن بل تجاوزته الى سورية ومصر والعراق.. أم أتحدث عن علاقاته الاجتماعية الانسانية والتي كان الحشد الكبير للمشيعين في جنازته احدى تجليات هذه العلاقات ؟
وأخيرا تذكرت دوره في المؤتمر القومي العربي ومذكرته الموجهة لأعضاء المؤتمر القومي في بيروت في نيسان 2014، توقفت عند هذه المذكرة التي يشكل موضوعها اهتمامات أبوشجاع ونداءه الدائم، فهذه المذكرة نداء صارخ لطلائع هذه الأمة لتظل أنظارها على الوحدة العربية كهدف به فقط الحل لما تواجهه الأمة العربية من تخلف وتمزق وضياع واستبداد وتبعية واحتلال للأرض والفكر.. الوحدة العربية كانت رسالة الفقيد في كل مناسبة.. فأقتبس منها بعض ما ذكره فيها حول الوحدة العربية:
– تحقيق دولة العرب الواحدة التي تتطابق فيها حدود الدولة مع حدود الأمة.. انما هي في الحقيقة والنتيجة.. ثورة كبرى.
– إن فكرة الوحدة والوطن العربي مرادفة لفكرة الحياة.. وأن مسالة الوحدة مسألة حياة أو موت.. وأنه مرتبط بالوحدة، حل هموم الأمة العربية كلها.
– ان تمزيق بلاد الشام.. هو وحده الذي اقام (اسرائيل).
– العمل للوحدة فيرى أبوشجاع رحمه الله أن الطريق للوحدة ينحصر في الجماهير العربية المنظمة بحركة عربية شعبية واحدة للأمة العربية الواحدة، لذلك يوجه دعوة للطلائع العربية الى مؤتمر فكري لايجاد الوعي الفكري الذي يوحد الارادة.. ويصنع المستقبل.
وبالنسبة للمقاومة المسلحة فيذكر أنها أعظم سلاح استراتيجي الآن بيد العرب ومن الواجب أن تصبح مقاومة الأمة كلها وفي كامل الوطن.
ويذكر أبوشجاع لأعضاء المؤتمر القومي بأن اتفاقية سايكس بيكو (عام 1916) التي جزأت بلاد الشام، وانفصال الجمهورية العربية المتحدة (1961) شكلا أكبر كارثتين حلتا بالعرب في القرن العشرين.. وكانتا سببي الهزائم المتوالية، وان دبابات انفصال الجمهورية العربية المتحدة (عام 1961) فتحت الطريق لدبابات الاحتلال عام 1967.
هذه رسالة فقيدنا التي كان يرددها في كل مناسبة وفي كل محفل وأفضل تكريم لذكراه أن يكون هدف هذه الرسالة مستمر حتى تحقيقه.
إلى رحمة الله يا ابا شجاع، فبفقدك فقدنا صوتا قوميا عربيا وحدويا.. وسيظل هدف الوحدة الشغل الشاغل لطلائع الأمة.. ليرحمك الله يا أباشجاع بقدر ما خدمت شعبك وأمتك، وإنا لله وانا اليه راجعون.

حسين مجلي والوحدة العربية
                                                                                       *المحامي سليم الزعبي

لا يملك من عرف حسين مجلي، حق المعرفة، سوى الاعجاب ببسالته وصموده وجسارته ونقاء معدنه ونزاهة مسلكه وقدرته الهائلة في الثبات على مبادئه وعمله الدؤوب على نشرها والدفاع عنها حيث كان نموذجاً ومثالاً واضحاً على تطابق الموقف والمسلك .
يحتار المرء من أين يبدأ في الكتابة عن هذه الشخصية الاستثنائية متعددة الجوانب، والاهتمامات والمواهب والقدرات، ولأن حسين مجلي أعطى قضية الوحدة العربية جل أهتمامه سيكون حديثي عن هذا الجانب الذي أعطاه فقيدنا الكبير أولوية على أي أمر آخر .
لقد كرس حسين مجلي جل حياته لقضية الوحدة العربية ، كان جوابه على أسئلة التاريخ وعبره واستشراف مستقبل الأمة بجواب لا يغيب عنه في كل المناسبات ومن على كل المنابر وفي مختلف الساحات العربية، هو الوحدة .
فالوحدة العربية في نظره، وبحق، هي طريق التحرير لما أغتصب من أرضٍ عربية وفي طليعتها فلسطين كل فلسطين، وعندما تفرق العرب حكاماً وشعوباً وساد في عقود الخيبة الأخيرة المنطق الإقليمي والطائفي والمذهبي بقي (أبو شجاع) متمسكاً بهدف الوحدة العربية، فالوحدة عنده وعند كافة المخلصين من أبناء الأمة هي عماد عزة هذه الأمة وتقدمها وريادتها وسيادتها، وفيها الخلاص من العوز والفقر والجهل والتخلف وبها يتم القضاء على أمراض الأقليمية والطائفية والمذهبية.
حجر الزاوية في فكر حسين مجلي هو قضية الوحدة العربية، فقد ظل رافعاً شعاراً كان يردده دائماً هو ((قيام الدولة العربية الواحدة التي تتطابق حدودها مع حدود الأمة)) .
رافقته أكثر من أربعين عاماً كانت مليئة بالأحداث وكان يقدم مصلحة الأمة على اية مصالح فرعية أو شخصية وكان ثابتاً وأميناً على مبادئه وطيلة مسيرته، كان يرى ويؤمن بأن اداء الحق مسؤولية وأن اداء الواجب أمانة الأمر الذي يوجب تسليم الأمانة إلى مؤهل مخلص قادر على الحفاظ عليها ورعايتها، وكان هو كذلك، مقدماً الشأن العام على الشؤون الخاصة، فها هو يترك بيت العزاء في ابنه البكر الغالي المرحوم شجاع ويذهب إلى مجلس الأمة ومن تحت قبته يناقش بيان الحكومة في جلسة الثقة باقتدار في خطاب طويل طرح فيه نهجه وفكره ورؤيته .
ومع أنه كان يدرك أن الخلاف في الرأي من المظاهر الطبيعية في العمل الديمقراطي، وأن الخلاف على هذا النحو وبهذا الوصف هو الذي يحافظ على روح الجماعة ووحدة المجتمع، إلا في قضية الوحدة فإنها لا تحتمل الخلاف عليها فذلك من المحرمات .
عندما آمن حسين مجلي وحلم بالوحدة بين أبناء الشعب العربي فقد كان ذلك تأكيداً للهوية العربية التي تنسجم فيه عوامل التاريخ والحضارة والقرب والقوة، فالوحدة هي دائماً مطلب الأمة الغالي، ولما كثر دعاة الأقليمية وأصحاب الهويات الخاصة بقي (أبو شجاع) ثابتاً على موقفه، متطلعاً لتحقيق أهداف المشروع القومي العربي الحضاري : بقيام الوحدة في مواجهة التجزئة، والعدل الإجتماعي في مواجهة الإستغلال، والديمقراطية في مواجهة الإستبداد، والتنمية المستقلة للخروج من التبعية، والنضال القومي لتحرير ما اغتصب من أرض عربية، والتجدد الحضاري في مواجهة الجمود، وعندما تعرضت الأمة بأهدافها ورجالها ومعاركها إلى عملية استباحة غير مسبوقة بقي (أبو شجاع) ثابتاً على موقفه مؤمناً بمشروع الأمة .
لم يحتمل حسين مجلي استعانة بعض العرب وتحالفهم مع أميركا وحلف الناتو لضرب الأمة العربية، لم يحتمل الاستعانه بالعدو الأجنبي لضرب سوريا والعراق وغيرهما من أجزاء الوطن العربي تحت شعارات زائفة كاذبة خبيثة، فكان أن ضاق قلبه على الاحتمال فقرر التوقف، إلا أنه فارقنا وهو ثابت على مواقفه وهو على قناعة لا تتزعزع ببزوغ فجر الأمة، وأن الليل مهما طال فآخره نهار .
حسب (أبو شجاع) أنه فاز من الحياة بالثبات على مبادئه، وبأنه أعطى لأمته ولقضية وحدتها ولمشروعها الحضاري آخر نفس في صدره، وحسبه على الصعيد الشخصي أن فاز بأسرة عربية محترمة وبرفاق مخلصين وبذكرى لا تمحوها السنون .

عاش مسكوناً بالهم القومي
                                                                                *الدكتور احمد العرموطي

شكل رحيل المرحوم الكبير الاستاذ حسين مجلي خسارة كبيرة للوطن والامة فقد كان قامة نضالية كبيرة على المستوى الوطني والقومي والعمل النقابي والقانوني، آمن بامته وحقها في الحياة الكريمة والوحدة العربية والعدالة الاجتماعية وتحرير كل الاراضي المحتلة وفي مقدمتها فلسطين التاريخية بالمقاومة المسلحة باعتبار الكيان الصهيوني كياناً استعمارياً استيطانياً توسعياً يستهدف الوطن العربي كله وليس فلسطين وحدها، وان تحرير فلسطين مسؤولية عربية لا فلسطينية.
عاش مسكوناً بالهم القومي وقضايا امته وظل مؤمناً بان الوحدة العربية هي الحل الوحيد لكل قضايا الامة ولمقاومة المشروع الاستعماري، وظل يقاوم ويحارب الطائفية والاقليمية والمذهبية لانها تهدم مقومات الامة وهي اسلحة بيد اعداء الامة، وان الامة تتعرض في الوقت الحالي لمؤامرات استعمارية تستهدف تفتيت الوطن الى دول طائفية ومذهبية واثنية ولا بد من وقوف كل الوطنيين والقوميين في وجه هذه المؤامرة.
آمن بالناصرية فكراً وممارسة وعاش زمن الشموخ العربي في الحقبة الناصرية بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر مؤمناً بان مصر هي قاعدة وقائدة النضال العربي ومن دون مصر لا يمكن ان تتحقق اهداف الامة في الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة العربية وتحرير الاراضي المحتلة.
وقف صلباً شامخاً وهو يدافع عن البطل احمد الدقامسة، كما وقف بكل الشموخ ضد الحصار الظالم على العراق ووقف ضد الاحتلال الامريكي له، كما وقف ضد انفصال وحدة مصر وسوريا عام 1961، ظل قابضاً على مبادئه ورؤيته القومية كالقابض على الجمر في عصر الاقليمية والفردية والتبعية.
رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته.

رحيل المناضل القومي ”أبو شجاع”
                                                                                        * النائب حسن عجاج

في وقت لم يكن محسوبا فيه فقدان الرفيق أبو شجاع، حيث كانت الحاجة ماسة لوجود الرجال العروبيين القوميين الوحدويين، لمجابهة الأخطار الكونية والإرهاب التكفيري الذي يشن هجمة غير مسبوقة على مصير شعوب المنطقة، وأنظمتها التقدمية.
رحل أبو شجاع وهو يناضل ويدعو لوحدة الأمة، التي لا يمكن أن تستقيم أحوالها إلا بوحدتها. وقضى كل عمره وهو مؤمن بأن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود، وأن هذا العدو زائل طال الزمن أم قصر..
وقف أبو شجاع مع سوريا في نضالها ضد القوى الرجعية والامبريالية والإرهابية وظل مؤمنا بأن الشمس ستعاود الإشراق من دمشق التي تحارب نيابة عن الأمة، وتضحي بأغلى شبابها في سبيل مبادئها الوحدوية والتقدمية.
لم يتراجع أبو شجاع عن مواقفه القومية الوحدوية رغم اشتداد الحملة الصهيونية الامبريالية الرجعية الإرهابية. ولم يدخل إلى نفسه القنوط واليأس الذي دخل إلى قلوب العديدين من أبناء الأمة الذين خضعوا للإغراءات، وباعوا أنفسهم للبترودولار، كاشفين هويتهم الحقيقية، وزيف شعاراتهم التي نادوا بها في بدايات تكوينهم السياسي.
تحدى أبو شجاع الواقع المؤلم، وعض على الجراح التي أصابته وأصابت غيره من الشباب والرجال القوميين الوحدويين.
أتذكر السنين التي مرت والأيام القليلة التي قربتني الى أبي شجاع، فأشعر بالزهو والفخر لتلك الفترة الزمنية المليئة بالإصرار على التمسك بالمبادئ الوحدوية، والوقوف مع محور المقاومة ودول الممانعة، وهو يتصدى لمجابهة محور الشر والإرهاب الذي تقوده الامبريالية الأمريكية وتغذيه ويمده بالمال والسلاح دول الخليج وفي مقدمتها دولة آل سعود العميلة.
كانت حياة أبي شجاع حياة رجل مناضل قومي وحدوي، تربى في مدرسة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. ورافق في آخر مراحل عمره المدرسة النضالية التي تقودها سوريا العروبة.
رحمك الله يا أبا شجاع، فقد عشت رجلا ومت وحولك رفاقك وأصدقاؤك الرجال، وهم كُثُر .

في رحيل الأستاذ الجليل حسين مجلي
                                                                                         * المحامية مصون شقير

ما أقسى أن يغيب هؤلاء ممن حملوا ناصية الأحلام النبيلة فكانت نبراسا لهم ولنا في إمكانية صياغة حاضر تنتصر فيه الأمة على وهنها وتتسامى على مظاهر انقسامها وفُرقتها.
كانت الوحدة العربية أجمل أحلام استأذنا الجليل أبو شجاع، عاش معها ولها، عمل بصبر وجدٍ دونما كلل أو ملل، آمن بحتمية الوصول إلى حالة عربية وحدوية تسقط فيها الحدود المصطنعة وتنتصر فيها الثوابت التاريخية المشتركة. راهن على الشعوب العربية وعلى إمكانية تفعيل إرادتها الجسورة لبناء حالة نضالية تتحرر بها أجمل الأوطان وأقدس المقدسات، ويتحرر معها إنساننا العربي من طغيان الجهل والتخلف ويستظل بالوعي المستنير .
أستاذنا الراحل حالة وطنية زاوج فيها بين المهني والعام في صيغة رفيعة من العمل الملتزم، فكانت النقابة في عهده بيتا للمحامين ومنارة للعمل السياسي الرصين .
عند رحيل كل قامة شامخة مثل الأستاذ حسين مجلي ممن نذروا أنفسهم لخدمة هذه الأمة وصون عروبة الأوطان ينتشر القلق في حنايا القلب على المشروع القومي الذي حمله هؤلاء وكافحوا من اجله نيابة عن أبناء الأمة المتطلعين للوحدة والحرية والحياة الفضلى، ومع احتراق الربيع العربي على وقع الاحتراب الداخلي وطبول الفتنة في محيطنا العربي فإن الخوف يتزايد على إمكانية صياغة مستقبل يعكس مجد هذه الأمة وارثها الحضاري العظيم، لكن الغرس عميق والبذار طيبة أصيلة وأصحاب الارادة الوطنية النزيهة كُثر مما يحفظ جذوة الأمل من الانطفاء ويُبقي الراية خفاقّة يحملها أبناء الأمة الخيرون جيلا بعد جيل مؤمنين بالثوابت العربية المشتركة والمشروع العربي الوحدوي وقادرين بإذنه تعالى على صياغة مشروع نهضوي يستعيد فيه العرب مكانتهم وصدارتهم في المشهد الانساني .
فإلى روح الأستاذ الجليل حسين مجلي كل الرحمة، والى أهله وذويه وأسرته الكبيرة ممن آمنوا بمبادئه وأهدافه الصبر والسلوان وطول البقاء بإذنه تعالى.

لم يساوم على عروبته أبداً
                                                                                   *الدكتور موفق محادين 

جسد أبو شجاع جيلاً كاملاً من جيل الرواد الكبار الذين حملوا راية العروبة والوحدة كما هي دون رتوش والاعيب وحسابات سياسية، فلا انفصال عنده بين هذه الرواية وبين دولتها القومية حيث رفض بعناد واصدار شديدين تبرير او تسويغ الدولة القطرية بذريعة الظروف وموازين القوى المتبدلة، ولم يوافق ابدا على تقديم اي شخص او حزب او تيار نفسه على نحو عروبي دون الايمان المطلق بالوحدة القومية ودولتها.
لقد ظل حتى آخر يوم في حياته وفيا لجدل العلاقة بين الوحدة والتحرير والتقدم كبديل تاريخي للتجزئة والصهيونية والرجعية ، ويسجل لهذه القامة العروبية ايضا قدرتها على الاستبصار والاستشراق في اكثر اللحظات سواداً وخضوعا للتاويلات الانهزامية او المهزومة، فمنذ اليوم الأول لما عرف بالبرنامج المرحلي الفلسطيني رفض هذا البرنامج جملة وتفصيلا وتنبأ بانهياره عندما كانت الآغلبية تراهن عليه .
ومنذ اليوم الأول لاندلاع ما يسمى بالربيع العربي لم ياخذه هدير الغوغاء والدهماء الذي خدع العديد من الأوساط العربية ورأى فيه ربيعا صهيونيا معدا وراء البحار لتمزيق الامة الى كيانات طائفية متناحرة، ولهذا كان من اوائل الذين وقفوا الى جانب سوريا وحزب الله ساخراً من الأكاذيب التي ساقتها المنابر الاعلامية والسياسية المشبوهة ضدهما.. رحمه الله.

كان هاجسه قيام الحركة العربية الواحدة
                                                                                     *المحامي فايز شخاتره

تعرفت على المرحوم الأستاذ حسين مجلي في القاهرة في صيف عام 1962 عند بداية وصولي لها للالتحاق بدراستي الجامعية، ومعه تعرفت بأصدقاء عمره منذ ذلك الوقت المرحوم محمد السقاف والمرحوم محمد منكو والأخ هاني الخصاونة، وكان ثلاثتهم من تلامذة وأصدقاء المرحوم عبد الله الريماوي، الذي كان الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي / القيادة القومية الثورية، التي ظهرت على إثر الخلاف الذي حدث في الحزب بعد المؤتمر الذي عقده الحزب في بيروت عام 1959، وفيه قدّم المرحوم الريماوي تقريراً مفصلاً عن ”أزمة الحزب” الذي وصفه الذين حضروا ذلك المؤتمر بأنه شخّص تشخيصاً دقيقاً وعميقاً الأزمة التي مر بها الحزب، وخصوصاً موقفه من وحدة الجمهورية العربية المتحدة، والذي أدى لخروج أغلبية الفرع الأردني بقيادة المرحوم عبد الله الريماوي وأغلبية الفرع العراقي بقيادة المرحوم فؤاد الركابي، اللذين شّكلا معاً القيادة القومية الثورية لحزب البعث العربي الاشتراكي، والتي اتخذت خطاً مخالفاً لخط القيادة التاريخية للحزب المتمثلة آنذاك بالأساتذة ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني وموقفهم من قيادة الجمهورية العربية المتحدة المتمثلة بالرئيس عبد الناصر.
في هذه الأجواء تعرفت على الأستاذ الريماوي وأعجبت بآرائه وتحليلاته العميقة، واستمرت علاقتنا وطيدة حتى وفاته، عام 1980، حيث عاد للأردن بعد انتهاء لجوئه السياسي للقاهرة وشارك في مكتب القانون الذي كان يضمه والأستاذين عبد الرحمن خليفة وحسين مجلي.
وفي بداية التسعينات من القرن الماضي بادر المرحوم الأستاذ حمد الفرحان لإعادة تأسيس المنتدى العربي، الذي كان له شأن كبير في رسم أحداث خمسينات ذلك القرن، وظل يترأسه حتى وفاته، وبقيت والأستاذ حسين مجلي في هذا الإطار حتى الآن، حيث تولى الأستاذ حسين مجلي رئاسة المنتدى، باستثناء فتراتٍ قصيرة، حتى رحيله. وخلال الفترة من منتصف الستينات وحتى نهاية القرن الماضي كان العمل النقابي والبرلماني خلال المجلس النيابي الحادي عشر 1993 – 1989 يشغل الحيز الأكبر من النشاط العام للأخ أبي شجاع، حيث رأس اللجنة التشريعية فيه التي قادت عملية إصدار العديد من قوانين الحريات العامة في تلك الفترة.
قد لا يعرف الكثيرون أن المرحوم ”أبا شجاع” قد بدأ حياته ضابطاً في الجيش العربي الأردني وانتهت خدمته فيه مع أحداث 1957، ولمّا كان أبو شجاع من القوميين المؤمنين بوحدة أمته العربية والملتزمين بالدفاع عن كل شبر منها، فقد التحق بالجيش العربي السوري، الذي أصبح فيما بعد الجيش الثاني للجمهورية العربية المتحدة، مؤكداً استعداده للتضحية في سبيل أمته والدفاع عنها على أية بقعة عربية، لا فرق عنده بين بغداد والرباط أو بين دمشق والقاهرة أو بين عمّان والخرطوم و صنعاء.
وإذا أردنا تلخيص ما تركز عليه اهتمام ”أبي شجاع” طول حياته فيمكننا القول، أنه الإيمان بضرورة وحدة أمتنا العربية حيث لا أمل في حل أي من قضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما دامت ممزقة بين عدة كيانات ودول ودويلات متنافسة متصارعة تابعة، في الغالب، لقوى أجنبية تسيّرها لخدمة مصالح تلك القوى الأجنبية وليس لخدمة المصالح العربية العليا، ولا حتى المصالح الخاصة بأي قطر من أقطارها. وإن تمزيق المشرق العربي باتفاقيات سايكس بيكو كان العامل الأساس في إقامة الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، وأن دبابات الإنفصال عام 1961، هي التي فتحت الطريق لدبابات الاحتلال عام 1967، ولذلك فإن أولى خطوات المشروع العربي المواجه للمشروع الصهيوني تبدأ بوحدة بلاد الشام لإقامة ”سوريا الكبرى” في مواجهة نظرية ”اسرائيل الكبرى”، وثاني هذه الخطوات هو توحيد بلاد الشام مع مصر العربية لإعادة تجربة الجمهورية العربية المتحدة.
كان يرى أن معركة تحرير فلسطين هي معركة قومية لأن الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب صراع وجود وليس صراع حدود، مما لا يقوى على تحمل تبعاته أي قطر عربي بمفرده، وأي عمل على غير طريق الوحدة، مستعيراً تعبير المرحوم د.عصمت سيف الدولة، هو ”ركض على الطريق الخطأ” الذي لا يوصل إلى الهدف.
ولتحقيق هذه الوحدة فإنه لا بد من قيام تنظيم قومي تقدمي واحد على مستوى الوطن العربي ذي نظرية قومية اجتماعية تقدمية، أطلق عليه المرحوم الريماوي ”الحركة العربية الواحدة” يتخطى النظم والمنظمات والتنظيمات الرسمية والشعبية القائمة، والتي كان يعتقد أنها فشلت في آداء المهمة التي ندبت نفسها لها، بعد أن أصبح الوحدويون إقليميين والاشتراكيون ليبراليين والثوريون إصلاحيين. وقد شغلت قضية إقامة التنظيم القومي الواحد المساحة الأكبر من الحياة العامة للمرحوم ”أبي شجاع”، وذات يوم من عام 2002 فاجأنا بمسودة مشروع ”حزب الشعب العربي تحت التأسيس” التي تضّمنت مقدمة عن ضرورة قيام هذا الحزب ومبادئ هذا الحزب والنظام الأساسي له، وكان يحرص كل الحرص على ضرورة أن تكون ولادة هذا الحزب ونشأته قومية، كما كان المرحوم الريماوي يؤكد على ذلك في كتابه المعنون ”الحركة العربية الواحدة”، على أن يضم طلائع الشباب العربي الواعي بأحوال أمته وما تعانيه من تبعية للأجنبي، واستغلال الطبقات العليا من المجتمع العربي التي لا تعمل، للطبقات العاملة التي لا تملك سوى قوة عملها.
وقد تجسّد موقفه الأخير الذي ختم به حياته العامة في رسالة بعثها للرئيس المصري السيسي بأن أمتنا العربية تتعرض هذه الأيام إلى حريق هائل يحتاج إلى إطفائية بحجم هذا الحريق ”وأن المؤهل للقيام بهذه المهمة هو جمهورية مصر العربية عن طريق مصالحة تاريخية على الصعيد العربي وعلى صعيد المنطقة بأسرها بما في ذلك تركيا وإيران”.
انتقل ”أبو شجاع” إلى رحاب الله وهو يؤمن ويعمل لقيام الدولة العربية الواحدة التي تتطابق حدودها مع حدود الأمة، والتي هي وحدها القادرة على صون كرامة الأمة ووحدة أراضيها والسيطرة على ثرواتها وتسخيرها لمصلحة وحدة الأمة وتقدمها لتلحق بركب أمم العصر المتقدمة.
رحمك الله أبا شجاع بقدر ماعملت وقدمت لأمتك، آملين أن تظل ذكراك العطرة نبراساً وسراجاً هادياً لكل الأجيال العربية القادمة.

ابو شجاع.. وداعاً !!
                                                                               *الدكتورة حياة الحويك عطية

لا اذكر متى عرفته ، فلا يمكن لمن يقارب العمل الوطني في الاردن الا يعرف ابوشجاع. لكنني اذكر تماما اول نشاط قومي قمنا به معا : كان الحصار يطبق على بغداد ويعي القوميون انه اطباق على عنق الامة كلها، ويحاولون بكل الوسائل مقاومة الخنق . عقد بيت الحكمة في بغداد ندوة حقوقية عالمية لمناقشة قانونية الحصار في القانون الدولي، كنا مجموعة حقوقيين قادمين من مختلف انحاء العالم ، وقدمنا – على مدى ثلاثة ايام ابحاثا علمية في القانون الدولي تبرهن ان ما يحصل مخالف لابسط واعقد قواعده . كان ابو شجاع رئيس الجلسة التي قدمت فيها بحثي مع باحث اخر فرنسي .
كنا نخرج من الجلسات ونحن نعيش حالة من التضارب المؤلم: عدالة قضيتنا تتاكد بالقرينة والبينة ، والسؤال المر يفرض نفسه : هل تكفي العدالة ؟ هل يعرف عدونا منطق العدالة وهل يهتم له ؟ هل سيصطف العالم الى جانب العدالة ام الى جانب القوة الغاشمة والظلم ؟ لم نصل الى التجرؤ على طرح السؤال : هل سيلحق العراق بفلسطين ؟ لكن كل نظرة الى العراق ومنجزاته يجعل القلب يهوي خوفا عليه . ويجعل الروح تتعلق بامال ان تكون قوة العراق قادرة برد المخطط الاميركي؟
كان ابو شجاع اكثرنا تفاؤلا ، كان الاكثر ايمانا بروح الامة . رغم انه كان اكثر من يعرف الثغرات منذ الاساس .
اخر نشاط قمنا به معا ، كان ندوة مشتركة في مجمع النقابات في مادبا ، في اطار جولة على المناطق الاردنية نظمتها اللجنة الوطنية لدعم سوريا.
حلقة جديدة من المؤامرة ، حلقة جديدة من الصراع ، وقطر اخر من الامة مهدد بالتدمير . ونحن نحن جنود الاتجاهات القومية نلهث بعناد في محاولة لدفع الطاعون. ونلهث حتى انقطاع الانفاس كلما امسكتنا الشاشات والصفحات والامواج . ينقطع النفس حد الاختناق عندما يضربنا غبار وقرقعة انهيارات البعض. وعندما نكتشف ان هذا البعض اوسع رقعة مما توقعنا.
لم يكن جديدا على المناضلين القوميين ان يشهدوا تآمر الانظمة العربية مع الاجنبي على تدمير قطر عربي ، ولا على تدمير المشروع القومي بذاته ، ولكن ما وصل اليه حال الشعوب هذه المرة، وحال العجز والتضليل والكفر، بلغ حدا لم يبلغه من قبل . ووصل حد التشويه تحوير الاسلام نفسه ليصبح عنصر تدمير . اختلطت الامور، وتضعضعت الاصطفافات وبدا كأن لا وضوح ولا امل . بل بدا ان التيار الذي بات يتيما هو التيار القومي . طالما كان مستهدفا ولكنه لم يكن يوما محاصرا كما هو اليوم ولا مازوما كما هو اليوم ولا مضعضعا كما هو اليوم.
ضعضعة لم تترك لمناضل كابي شجاع ان يغير بوصة في قناعاته الراسخة ولا في ايمانه المحسوم ، ولكنها لم تترك له لحظة ليهدا خارج الالم والقهر ، ولا خارج السؤال المصيري الكبير.
بين الكلمة البليغة المتفائلة التي القاها ابو شجاع في مادبا قبل عامين وبين الرسالة النصية اليائسة التي ارسلها لنا بمناسبة عيد الاضحى المبارك قبل ايام ، ما يقول لماذا قرر قلبه الكبير ان يتوقف فجاة .
قدر الافراد محسوم ولا مهرب . لكن قدر الامة تقرره عزيمة ابنائها الذين يعرفون كيف ينتصرون على الموت ويجعلون منه درسا. لهذه العزيمة اراد الرجل الذي قرر في لحظة الانسحاب فجاة، ان ينسحب واقفا – اراد ان يقول ان هذا الاصرار على عدم الركوع هو الذي يحدد الجواب على اسئلة المصير. تاركا لنا امانة وقفة عز هي الحياة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لم تفقدك اسرتك او عشيرتك او الاردن بعشائره واهله بل فقدك الوطن العربي من محيطه الى خليجه فانت احد ابرز القادة القوميين واانت لم تتنازل يوما او تتوقف عن العمل من اجل عزة الوطن ووحدته

زر الذهاب إلى الأعلى