الــذبــاب

وكما يقول المثل: شِدّ إيدك والحقني، تهافت الذباب على سورية العروبة، وكأنهم يركضون إلى مائدة دسمة، ” قوم إذا سمعوا بمكة أكلة طاروا إليها قبل الحجيج بعام” رغم أن السعودية منعت حج السوريين إليها لأن شعائر المسلمين ممنوعة على شعب صابر أبيّ. فالذين خلقوا الإرهاب في سورية و غيرها من المناطق العربية، ودعموا الإرهاب، وفتحوا حدودهم للإرهابيين ومولوا الإرهاب، يهرعون الآن لمحاربة الإرهاب ذاته كما يقولون، ولم يقولوا إنهم يسعون إلى ضرب الجيش العربي السوري (إذا أتيحت لهم الفرصة) الذي حفظ ماء الوجه العربي لأكثر من ثلاث سنوات.
وهؤلاء الذبابيون ذكّروني بمسرحية جان بول سارتر ” الذباب ” التي عرضت على المسرح في باريس لأول مرة عام 1943، وهي أول مسرحية لسارتر ولعلها الأهم، وذلك إبان الاحتلال النازي لفرنسا حيث اشتد القمع والطغيان مما فجر مقاومة عنيفة.
يقول أورست بطل المسرحية: ”جدران ملطخة بالدم، وملايين الذباب ورائحة مجزرة وحَرّ نتن وشوارع مقفرة، وإله بسحنة قتيل، وديدان صعقها الرعب تلطم صدورها في أعماق بيوتها، وهذه الصرخات، هذه الصرخات التي لا تطاق: أهذا ما يروق الآلهة؟ ”. ورغم أن المسرحية تعالج قضايا فلسفية عديدة أرّقت سارتر كالوجودية والحرية ، إلا أن سارتر وفي ظل الاحتلال النازي والقمع الشديد في فرنسا من قبل الجنرال بيتان، بنى مسرحيته على التاريخ اليوناني الأسطوري ليسقطه على واقع فرنسا أيام الاحتلال النازي. وتدور أحداث المسرحية في مدينة آرغوس، فإيجيست استولى على السلطة بعد قتله للملك أغاممنون، والد أورست وإلكترا ، وتزوج من عشيقته كليمنسترا، زوجة الملك أغاممنون، وأقام نظاما قمعيا. وبعد خمسة عشر عاما، يعود أورست لينتقم لمقتل والده، يرافقه الإله جوبيتر، فيجد الذباب يهاجم المدينة، وهو بحجم ضفادع صغيرة، يرتفع طنينه في الجو، ويهاجم الناس، وحين يبدي انزعاجه من الذباب، يجيبه جوبيتر: إنه ذباب ذو قيمة رمزية، إنه إنما يمثل الندم الذي يتآكل أهل آرغوس على مقتل ملكهم أغاممنون الذي لم ينسوه، وهم يرتدون السواد منذ مقتله. بينما اخته إليكترا تساهم في احتفالات في الساحة العامة ب”احتفالات التكفير” أو ندم أهل آرغوس لمقتل ملكهم، وكذلك تدعو للثورة ضد طغيان الحاكم الجديد إيجيست.
الذباب المتضخم الآن في سورية. ينفخ نفسه فخرا بأن أمريكا تقوده(لماذا لم يرافقوا أمريكا في حربها على الإرهاب في العراق؟).
يتساءل الباحث الاستراتيجي السوري الدكتور حسن حسن في لقاء معه في ”عربي برس” إن كانت أمريكا جادة بالحرب على داعش، أم هي فقط تريد إعادة داعش إلى الطاعة الأمريكية؟ ”ولو كانت أمريكا جادة لقامت بتشكيل ائتلاف دولي تحت مظلة الأمم المتحدة، لكن التحالف الذي حشدته أمريكا ليسير وفق سياسة ونوايا واشنطن وحدها، معظم أطرافه قاموا بدعم هذه العصابات، ولولا الراعية أمريكا ما كان أصلا لداعش وغيره أن يتمدد ويصبح بما هو عليه من مستوى الإجرام..، لا يمكن تصديق أن الولايات المتحدة تريد ضرب داعش في الرقة وتسمي بالاسم(تنظيم داعش وجبهة النصرة و غيرها من المجموعات المتشددة) في حين تقوم إسرائيل الطفل المدلل لأمريكا بدعم جبهة النصرة في الجولان السوري.. من يصدق ذلك؟ ” ويضيف: ”أمريكا وحلفاؤها يظنون أن الذاكرة العربية مثقوبة، لكنهم واهمون، أنا أتساءل منذ ثلاث سنوات ونصف السنة وسورية تدعو لمكافحة الإرهاب، في الوقت الذي بقيت واشنطن تعيق حتى صدور بيان صحفي يدين ما ارتكبته يد الإرهاب في المدنيين السوريين جراء السيارات المفخخة والتفجيرات الإرهابية… ما يخشى من التحالف الدولي هو محاولة للتدخل بسيادة الدول المستقلة”.
في نهاية المسرحية، يختتم أورست خطبته في أهل آرغوس قائلا: في ذات صيف، دُهمت مدينة سيروس بالجرذان. وكانت مصيبة عظيمة، فالجرذان كانت تقرض كل شيء، حتى أيقن أهل المدينة أنها ستهلكهم. ولكن ، في أحد الأيام، أتى عازف ناي، فوقف في وسط المدينة.. وأخذ يعزف، والجرذان جميعها، أخذت تتزاحم حوله. ثم بدأ يمشي بخطوات واسعة، صائحا في أهل سيروس: ” افسحوا ”، وكل الجرذان رفعت رؤوسها مترددة، كما يفعل الذباب. انظروا! انظروا إلى الذباب! وبعد ذلك، فجأة، اندفعت على آثاره. واختفى عازف الناي، مع جرذانه إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى