وداعا “ابا شجاع” فقيد العروبة والوحدة  !!

سوف نبقى نتذكر هذا الرجل وهذا الايمان والاصرار على المباديء القومية الكبرى ، والقبض على الجمر في ظل التراجعات والانهيارات والنكبات العربية الكبرى ، وسوف نبقى سواء اتفقنا أو اختلفنا مع أبو شجاع أو تعارضت رؤانا في بعض اللحظات ، نكن الاحترام لهذا المحب والمدافع عن العروبة والوحدة .

وكنت قد تحدثت مرّة أمام الاستاذ حسين مجلي عن الخلاف الفكري الكبير الذي قام بين الراحل الكبير المرحوم الأستاذ ابراهيم بكر عندما كان نقيبا للمحامين ، وبيني في أحدى الندوات التي عقدت في مجمع النقابات في عمان عقب ذهاب السادات الى فلسطين المحتلة وعقد معاهدة كامب ديفيد ، ورويت كيف أن هذا الخلاف قد أنشأ صداقة واحتراما كبيرين بيننا ، وقلت أن أخلاق الكبار في النقابات وفي الأردن عموما كانت على هذا النحو. اذ يحدث الاختلاف والائتلاف في جدلية انسانية مغايرة ومتعالية وودودة ، فالطريق في النهاية واحد ، والهدف كان ولا يزال خدمة هذه الأمة بصمت واخلاص ووفاء .

ما التقيته يوما الا قال لي أنه يتابع ويقرأ مقالاتي في صحيفة المجد ، وما تحادثنا الا أخبرته أنني أقوم بواجبي الثقافي لتغيير المنكر بالقلب والقلم واللسان ، بعد أن وهنت اليد واشتعل الرأس شيبا واضطرابا ، ومن أجل اشتقاق تنوير صعب ومعقد في زمن الردّة والتكفير.

وكنا عندما نلتقي عرضا ندخل مباشرة الى المواضيع المختلفة ، وآخر مرة التقيته في المنتدى العربي صباحا حيث كنت آتي من الرمثا باكرا لكي أستعير بعض كتب ومجلدات مركز دراسات الوحدة العربية غالية الثمن ، وكنا قد بدأنا للتو حديثا  اشكاليا استمعت اليه فيه ، وكنت أهزّ رأسي بما يوحي بالموافقة ، ولكنني في لحظة معينة أخبرته أنني أهزّ رأسي دلالة عدم الموافقة فضحك وقال لقد ضللتني بهزّة الرأس هذه .

لا أريد مما أقوله وأنا أتحدث باحترام ومحبة عنه وعن رحيله وذكراه التأكيد على أنني كنت على خلاف دائم معه ( حاشا الله ) ولكنني أشير الى علاقة خصبة وصاخبة في آن كانت تنشأ بيني وبين آخرين من حملة الفكرة القومية في بلدنا ، ذلك أن في الفكر القومي فراغات وتجاذبات واجتهادات وأغلوطات أحيانا ، كانت تستدعي أن يحمى الوطيس في النقاش حولها ، وأن يحدث ما يستفز العقل في متابعتها والحوار حولها ، وتغيير طريقة التفكير بها ، وكان سبب احتداد النقاش أحيانا حول بعض القضايا هو “الجمود العقائدي” الذي لابس هذا الفكر في بعض سياقاته ، وغياب نقد أفكار القدامة في اطار الفكر القومي ،  وعدم استشعارضرورة الانفتاح على حداثة نظرية وتجديد فكري نوعي لا يهدف الى تفكيك المرجعيات ، وانما يتغيا نزع الأسيجة الجامدة عنها ، واخراج الفكر من انسداده واعادة بناء مرجعياته .

نفتقد الآن برحيل الاستاذ حسين مجلي أبو شجاع  واحدا من هذه الثلة من القوميين الشرفاء ، و من هذا الرعيل الطيب المتواضع الذي كنا ولا نزال نراه ” ملحة البلاد ” ، ونأسف ونأسى لهذا الغياب الممزوج بالقهر ونحن نرى البلاد والأمة بأكملها تدخل في متاهات متعددة ، وتضيع السيادة والماهية القومية التي لطالما دافع عنها بجسارة ودأب جيل أبو شجاع . وسوف نبقى نتذكر هذه النبرة العربية العالية ، والصوت القوي الذي كان يدوي في كل ملتقى داعيا الى العروبة والوحدة بلا كلل أو تراجع .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى