ندوة في منتدى الفحيص الثقافي تشخص اسباب التطرف الديني ووسائل معالجته

بالرغم من وجود أسباب كثيرة داخلية وخارجية لظهور التطرف وإنتشاره في العديد من الأقطار العربية، إلاّ أن الأكاديميين د. عبدالله نقرش, ود. موسى شتيوي إتفقا على أن السبب الجوهري لتفسير الظاهرة هو فشل الأنظمة التي جاءت بعد الإستقلال في بناء مقوّمات الدولة الحديثة في أقطارها، خصوصاً المواطنة. كما إتفقا أيضاً على أن تفاقم الأزمات الإقتصادية والمعيشية لملايين المواطنين، وتخلّف النظام التعليمي وإنتهاج الأنظمة للإستبداد والظلم والطغيان وممارسة الفساد، والسياسات الغربية التي يعتقد كثيرون بأنها معادية للعرب وللمسلمين وعدم التوصّل لحلٍ عادل للقضية الفلسطينية… هذه كلها تقف وراء إنتشار التطرف الديني والسياسي في المنطقة العربية.

جاء ذلك في الندوة التي نظّمها منتدى الفحيص الثقافي ونادي شباب الفحيص في مقر النادي مساء امس الإثنين حول “إتجاهات التطرف في العالم العربي: الأسباب وطرق المواجهة”، وشارك فيها كل من د. عبدالله نقرش، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، ود. موسى شتيوي، أستاذ علم الإجتماع ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية.

ففي بداية مداخلته، أوضح د. نقرش بأن التطرف يمثّل “نوعاً من الوعي المزيّف وحالة من الهروب إلى الأمام بالإستناد إلى نظرة غير واقعية، وغالباً ما يكون رد فعل على تطرّف آخر أو إحتجاجاً على الإعتدال، ولذلك فهو يُمثّل موقفاً خصماً بأكثر مما يمثلُ بديلاً إيجابياً. ولهذا يبقى التطرف حالة هامشية لا تصنع التاريخ ولا تدوم”.

أوضح المحاضر بأن مستوى التطرف وتعبيراته تعتمد على العلاقة بمجموعة من العوامل أهمها مدى تخلّف المجتمع أو تقدّمه، ومدى إنتشار المعرفة و”العلاقة بين التحدي والمعني بالتحدي”. ولذلك ـ يضيف المحاضر ـ كانت مظاهر التطرف تنتشر في ظل أوضاع التخلف والجهل والأزمات، وتقترن عادة بالتعصب والتزمّت وتختلط فيها ثقافة الأساطير بالأحكام القطعية وبالعدائية.

وحول ظاهرة “التطرف الإسلامي”، قال د. نقرش بأن هذا التطرف يواجه من يعتقد بأنهم أعداؤه على جبهتين : الأولى أعداء الأمة خصوصاً الغرب ؛ والثانية جبهة الحكام العرب والمسلمين الذين يتبعون الغرب ويتحالفون معه ويخدمونه مقابل تمكينهم من السيطرة على شعوبهم. ولاحظ المحاضر بأن المفاهيم الثلاثة (التطرف، الأصولية، الإسلام السياسي) ليست بذاتها المُنشئة لما يسمى “الإرهاب الإسلامي” المعروف اليوم. فعندما يتعلق الأمر بإحياء أصول الدين يكون منشأ الظاهرة محلياً ، وعندما تكون الظاهرة ذات أهداف ووظائف سياسية يكون المنشأ خارجياً.

وتعرّض د. نقرش في مداخلته لدور بريطانيا أولاً ولدور الولايات المتحدة تالياً في بروز ظاهرة التطرف الإسلامي ؛ وأكّد بأنه تم توظيف هذه الظاهرة بما يخدم المصالح الإقتصادية (النفطية) والإستراتيجية للقوتين العالميتين في مراحل مختلفة.

اما د. شتيوي فقد اكد أن التطرف والعنف ظاهرة عالمية وليست حكراً على المنطقة العربية والإسلامية، وذكّر بحركات “بادر ماينهوف” في ألمانيا و”الألوية الحمراء” في إيطاليا وغيرها. كما أن التطرف ليس ظاهرة حديثة كما يعتقد البعض، وإنما هي ظاهرة لها جذورها التاريخية، وهي “مركّبة” لها أبعاد متعددة فكرية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية. الخطورة ـ كما يقول د. شتيوي ـ هي أنها تحوّلت إلى ما يمكن تسميته ب “ثقافة التطرف”، والتي تستند إلى مجموعة من القيم والمعتقدات التي توفّر إطاراً مرجعياً تتجلّى على الأقل في صفات أربع : النزعة لإحتكار الحقيقة وإقصاء الآخر والتشدد في المواقف والنصوص والاحاديث والنزعة للتغيير الجذري ورفض فكرة التدرّج والغصلاح كوسيلة للتغيير.

أما أسباب التطرف من وجهة نظر مدير مركز الدراسات الإستراتيجية، فهي تقع على مستويين :

1) خارجي، وأوله التطرف الديني الصهيوني القائم على إنكار وجود الفلسطينيين، وأدى ذلك إلى إستمرار الصراع العربي ـ الإسرائيلي لعقود. وثانيه إخضاع المنطقة والسيطرة عليها من قبل القوى الغربية.

2) داخلي، ويتلخص في شيوع الأيديولوجيات الشمولية بعد التحرّر من الإستعمار، والفشل في بناء الدولة القطرية المدنية القائمة على أساس المواطنة وإحترام التنوع الإجتماعي والثقافي والفشل في ترسيخ الحريات الدينية والقومية / الإثنية، وفشل المناهج والأطر التربوية والتعليمية في خلق قيم الحداثة والتسامح والديمقراطية، وإختلاط المجال السياسي والديني والاجتماعي، وعدم القدرة على بلورة صيغة تحمي السياسي من الديني والديني من السياسي.

إستطرد د. شتيوي قائلاً أن هذه الأسباب يجب أن ينظر إليها في ضوء مجموعة من العوامل التي تساعد على إنتشار التطرف ؛ أولها الطابع الشاب أو الفتي لأغلبية سكان الوطن العربي، وعدم القدرة على إحتوائهم وتوفير فرص عمل لهم. وثانيها شيوع النمط التسلطي وشبه التسلطي للتنشئة الإجتماعية والسياسية ؛ وثالثها إرتفاع نسبة الأمية في العالم العربي.. واخيراً الإعلام الفضائي والألكتروني الذي أصبح من أهم الوسائل لنشر الأفكار المتطرفة وتكريس الحقد والكراهية بين الفئات المختلفة.

عند الحديث عن “طرق مواجهة التطرف”، أكّد د. شتيوي بأن التطرف ظاهرة معقّدة ومتداخلة ولا يوجد حل سحري لها, كما ان مواجهة التطرف يجب أن تكون ممتدة وجزءاً من عملية الإصلاح المجتمعي الشامل. وقسّم المحاضر سبل المواجهة إلى عدة محاور :

1) المحور السياسي حيث ضرورة العمل على غرس مجموعة من القيم الأساسية في المجتمع كالإنتماء إلى الجماعة الوطنية بكل مكوناتها، وضرورة الوصول إلى صيغة سياسية لفك الإشتباك بين السياسي والديني ؛ وتعزيز دور المؤسسات الوسيطة بين الفرد والمجتمع، كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والتربية السياسية القائمة على إحترام الحقوق والحريات وقبول الرأي الآخر، وتوفير العدالة والمساواة بين الناس.

2) المحور التربوي : إعادة النظر بالمناهج المدرسية وحتى الجامعية وتعزيز ثقافة الحوار.

3) المحور الأمني ويتضمن فرض هيبة الدولة وإعلاء سيادتها ؛ سن التشريعات الملائمة وتعزيز العدالة والشفافية في مسألة التقاضي ؛ تجفيف منابع الدعم المالي للمنظمات الحاضنة للفكر المتطرف.

4) المحور الإعلامي بحيث يؤسس لخطاب إعلامي متوازن يحترم قيم الحرية والكرامة الإنسانية والتعددية الثقافية  والسياسية .

5) محور التنمية : وفي إطاره يتم السعي لتحقيق العدالة الإجتماعية والإقتصادية ومكافحة الفقر والبطالة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى