هل يكون العدوان الراهن على غزة وفلسطين نقطة تحول في الوعي العربي ؟

لابد لكل ذي لب يتمعن فيما يجري في غزة وفلسطين ، أن يدرك أن تهميش فلسطين وشعبها ومقاومتها من أعقد وأشقّ الأمور وأكثرها اشكالا واستعصاء، وأن اخراج شعب فلسطين من التداول ، ومن تاريخه وجغرافيته الحقيقية غير ممكن ، وعليه فان على الجميع أن يدركوا أن لحظة فلسطين المحفّزة والفاجعة والمهيجة هذه ، فارقة سياسيا وتاريخيا ولابد ومن خلال حس تاريخي نضالي من جعلها نقطة تحول وانبثاق ، ولحظة وثقافة ادراك ، أو بداية لسؤال جديد عن الحاضر المضطرب والمستقبل العربي الغامض ، اذ  يمكن أن يبنى عليها الكثير ، ويمكن أن تؤسس لحالة انتهاضية جديدة في العقل والواقع العربي .

ولابد لكل ذي لب أن يلاحظ اشتعال هذا النضال الصعب المثابر المستديم للشعب العربي الفلسطيني – بمواجهة كيان عنصري من طراز فريد تدعمه قوى عالمية من كل لون ، وتراه مخفرها المتقدم داخل الجغرافيا والتاريخ العربي – ، وهذا التمسك بمعنى فلسطين على الرغم من الجراح والانجراحات ، الى الدرجة التي يمكن بها القول أن هذا الشعب كان بمعاناته ونضاله ولا يزال استثناء في التاريخ ، ونموذجا في المقاومة والصمود والتحدي بكافة أشكاله ، واستحق أن يكون بتجربته التاريخية والنضالية حجة ومعيارا لكل الرؤى الانسانية والآخلاقية ، ونموذجا ارشاديا مستمرا في الدفاع عن الحرية والسيادة والكرامة .

وكان النضال الفلسطيني في جميع مراحلة ينتج معاني جديدة ومتجددة لفلسطين ، تستدعي وقفة وتأملا من نوع مختلف وتدفع الى توليد واستنهاض الاسئلة المدببة والحافزة ، وهو ما كان يوحي ويولد اعتقادا دائما بأن فلسطين قريبة من حريتها ، وقريبة من انتصارها على أعداء حريتها ، وكان هذا يديم التأمل في معانيها ويوقظ كافة المواقف والاشتعالات والخيارات الايجابية من حولها ، ويبعد اليأس عن مداراتها ، ويجدد الحديث عنها وعن مصيرها ومستقبلها ، الذي يجب بالضرورة أن يكون عربيا ، وفي مكانة القلب النابض والناهض للأمة  .

اذن فان فلسطين تجدد طرح سؤالها التاريخي المؤرق والباعث على الانتباه والحفز والتحريك في كل محنة ومواجهة بربرية مع الكيان العنصري الصهيوني ، بتعميق معناها وبالمحافظة على دلالاته التاريخية ( الأنا الأعلى الفلسطيني ازاء الآخر ” اللقيط ” المغتصب الذي لا يكون بهذا المعنى آخرا ) بحسبانه المنطلق ونقطة البداية الارتكازية ، وهي بمثل هذا الاستدعاء التاريخي المقاوم المتواصل تضع نفسها في المتن حكما وواقعا ، وليس على هوامشه ، وهذا ما نريد أن نذكّر به دائما ، وما نطمح بأن يكون مدركا ومستوعبا على الصعيد القومي والعالمي ، لكي لا تتخلق الأفكار النكوصية والعدمية الداعية الى الاستسلام ، أو افتراض أن الكيان العنصري واقعا راسخا لن يطاله الاندثار والتفكك والانهيار.

ومن هنا نقول أنه في كل مواجهة مع الكيان العنصري الصهيوني ، وأمام كل عدوان همجي على شعب فلسطين ، تستعاد السردية الفلسطينية التاريخية المعززة بكل ألوان المقاومة والثبات والاصرار ، ويستعاد معها السؤال والأمل بأن معنى فلسطين باق وسوف يبقى حاضرا في كل الأزمان ، وأن تجريد أهل فلسطين من هذا المعنى – من قبل الصهاينة – هو الهدف والمبتغى .

ومع أن التمسك بهذا المعنى كان ولا يزال في معظم الأحيان ( وكما هو الحال في غزّة الآن ) جارحا ومدميا للقلب ، ويعني ألم الوقوف الأسطوري المحزن فوق أنقاض وأطلال البيوت المهدمة ، والأشلاء البريئة الممزقة ، والانجراح العميق والمؤسي لأهلنا في فلسطين وهم يبكون الأحباب ، ألا أنه الدم الزكي الذي يراق دائما دفاعا عن الحرية ، وعن معنى فلسطين واكتماله بتحقق حريتها وانتصار شعبها .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى